رأسا على عقب...
في حرم الحياة،يطوف الواقع وحتى الأسطورة حول قبلةٍ واحدة .
قبلةٌ تتوحّد فيها الأضداد ،وتستولي على الأنظار .
لعلّ وعسى يظفر بها من ظفر خلودٍ مرتقب..
ارتواء الحياة بالحياة بل ارتواء الموت بالحياة.
إنّها البطولة....
واقعٌ أقرب إلى الأسطورة.
بل هو واقعٌ أسطوري عند ذاك البطل الذي ثار وانتصر رغم تضامن الكل لهزيمته وتوظيفهم كلّ طاقاتهم و أسلحتهم للإيقاع به.
وتناسواحقيقةً أنّه البطل الذي تصالح مع ألمه ، بل صيّر منه أملٌ ينتج وينجز به .
فقد تخطّى هذا البطل نقاط الضعف عنده وتعرّف على مكامن القوة لديه حتى غدت أفعاله حراك ، وعباراته خطابٌ فعّال يبنى بها الإنسان، بل و تقوم به الحضارات الخالدة وإن رحل .
وأكبر دليلٍ على خلود البطولات.
إنّنا نجد في حياتنا أمواتًا أشدّ حياةً من الأحياء أنفسهم ، ولهم نصيب الأسد ممّا نمتلك ونفخر به، فهؤلاء يشيّدوا حاضرنا ومستقبلنا كما بنوا تاريخنا.
ولو تجوّلنا بكاميرا الحياة في أكثر الشوارع بطولةً في العالم سنجد السّاحات والشّوارع والجدران كلها قد تقلّدت صور أبطالها تيجان نصر وخطّت أسماءهم نياشين عز.
وعلى مستوى الفكر الديني نجد ان لا قيمة لأفكار تتّصل بالدين لا صلة لها بمثالٍ بشري مجسّدة لها؛ فالفكرة المجرّدة لاطاقة لها على تحريك الجماهير.
إذن فالابطال هم الدّعم السماوي لكل أولئك الرازحون تحت وطأة أوثان ضخمة، نصّبتها سلطات أو ثقافات أو تقاليد وعادات كانت هي السرّ. في فشلنا وهشاشة مجتماعاتنا .
فكما اذخر لنا التاريخ أبطالًا محرّرة .
فقد بعث لنا بأصنامٍ متحجّرة .
فجاءنا النصر بهؤلاء الذين قلبوا النتيجة رأسًا على عقب.
وضريبة هذا الإنقلاب موجعةٌ خصوصًا في مجتمعات تستسيغ العبودية وتلذعها الحرية.
ولكن الأمل لم يغيب قطالما وجدت نفوس منكسرة ومحتقنة لابد من وجود بطولة متجددة .
وهذه منهجية قرآنية أتضحت جليًا في قوله تعالى(انما انت منذر ولكل قوم هاد)"7رعد"
الآية الكريمة تؤكّد على وظيفة إلهية للنبي وهي" الإنذار" .
ولم تكتف الاية بذلك، بل وأكملت في إيجازٍ معجز بقوله(لكل قوم هاد)
هنا إقرارٌ بأنّ وظيفة الهداية( وهي ماقصدنا بها بالبطولة المتجدّدة )
هي وظيفةٌ متمّمة لوظيفة النبوة
و بوجهٍ أكثر تخصيصٌا نقول أنّ وظيفة الإمامة هي وظيفةٌ تابعةٌ ومن لوازم وظيفة النبوة.
ولو تأمّلنا لسياق الآية لوجدنا هناك خصوصيةً لاختيار لفظ "هاد" كما انّ لكل لفظٍ قرآني موقعٌ خاص بل موقفٌ خاصٌ ايضا.
وخصوصية هذا اللفظ يعود إلى معناه اللغوي فالهداية في اللغة هي: الإرشاد بلطف، ويقصد به الإلهام.
والخصوصية الأخرى انّ اللفظ "هاد" جاء بصيغة المفرد.
فهل لنا ان نتخيّل كيف يمكن لفردٍ واحدٍ أن يستوعب مجتمعًا بل قومًا بأكمله؟
فينتهي بهم إلى الرشاد بل وقد يتصعّد بهم إلى الكمال.
ومنتهى البطولة في كلّ ماذكر
انّ هذا كلّه لايحدث ويتمّ بحدّ السيف ولا بإراقة الدماء ، بل بلطفٍ ورفق تتحرّك هذه النفس، تتحرّك روحها وفكرها، فتشتعل المشاعر ويتغيّر السلوك .
لذا كانت (لكل قوم هاد)متممةً لوظيفة خاتم الانبياء(إنما أنت منذر)
وأمرٌ بيّن غير خفي أنّ مصداق هذه الآية هو أخو الرسول وابن عمه
أمير القلوب (علي بن أبي طالب)
فعليٌ هو من خلق فينا بسيرته مايملؤنا إيمانًا وحكمةً ومعرفةً وصدقًا.
وعند مقارنة النص القرآني مع الحدث التاريخي نقع في الهوّة العظيمة بين ماهو لازمٌ وبين ماهو كائن.
ونرى كيف انقلبت الأمور رأسًا على عقب.
فالجميع كان يقرّ بأنّ أقضاهم علي، أشجعهم علي ، أفضلهم علي.
ولكن نجد واقعًا مأساويًا . إذ نجده مسلوب الحق في إدارة الأمة، جليس الدار لخمسة وعشرين سنة وصفها قائلًا. (صبرت وفي العين قذىً وفي الحلق شجا أرى تراثي نهبًا)
لقد ذاق عليٌ عليه السلام الأمرّين حتى وصف الشهيد الصدر شجاعته قائلًا (لم تكن شجاعة عليٍ شجاعة السباع ولا شجاعة الأسود .إنّ شجاعة علي كانت شجاعة الصبر)
أرادوا باستبعادهم إيّاه أن يقضوا على بطولته والتي شربوا منها حتّى الثمالة .
وإذا بهم يفشلون في ذلك، فهاهم يلجؤون إليه لينتشلهم من إحراج جهلٍ او فشل رأيٍ او تخبّط فكر .
هذا غيض من فيض.
ومايخفونه بزيفهم وزورهم كان أدهى وأمر.
فعلي هو ذاك البطل الذي قلب حياتهم رأسًا على عقب.
ومازال ..
فعليٌ مافتئ يصول ويجول في الواقع كما كان في سابقًا في التاريخ .
ولا عجب فالإمام علي عليه السلام أداةٌ من أدوات الكون الذي لم يغادره بروحه وإن فارقه بجسده .
ولأنّه الأداة فقد جاء الأمر للجميع بالتفاعل معه واتباعه ،لعل وعسى نصنع أنفسنا على قدرٍ من طرازه .
فهذه حاجةٌ ذاتيةٌ لكلّ من يدّعي أنّه مع علي ، تقول الرواية (الشيعة من شايع علي)
فكما نشايع ضيوفنا المغادرين لدورنا علينا أن نشايع ونتّبع عليًا لا بالحب والتعلّق فقط ؛ بل نشايعه عمليًا وعلميًا وفلسفيًا ، وهذا بحدّ ذاته بطولةٌ عظمى على صعيدنا فاتّباعه يعيد ترتيب مافي داخلنا ،ويروي مابنا من ظمئٍ وحنين للوجود ؛ لأنّه تجسيد الوجود .
وماعداه هواءٌ مختنق ، وسرابٌ باهت، وانطلاقةٌ متعثرة .
فعليٌ ملتقى الأسطورة والواقع معًا.
والحياة ماكانت إلا جزءًا من بطولاته .
ليلى الصادق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق