بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 5 مايو 2018

فدك تشهد

فدك تشهد
فاطمة الكبرى المطرود.


ليس عبثًا أن تسمّى فاطمة الزهراء عليها السلام (الصدّيقة) بهذا الإسم ، وقد سمّاها الله تعالى إجلالاً وإكراماًَ لمقامها العالي ؛ ولما وصلت إليه من التصديق بكل ما أتى به رسول الله (ص)  ووليّه ، فلولا عبوديّتها لما سمّيت بذلك ، فالصّديقة على وزن  فعّيلة للمبالغة في التّصديق والصدّيق هو الشخص الذي يظهر ما يعتقده على سلوكه قولًا و عملاً ، وهو عنوانٌ ًلمن لم يكذّب في حياته أبدًا ، أو من طابق قوله عمله ، ولا تعطى إلّا لمن ارتضى الله له هذا المقام ، وجعلها شخصيةّ ذات صيتٍ وحجّية ، لأنه ارتضى لتلك الشخصية أن تكون وليًا من أوليائه.

ومن يجعله الله وليٌا يحبوه بكرامةٍ لا يعطيها لغيره ، ويميّزه بمقاماتٍ من عنده ، وقد أعطيت الزهراء عليها السلام من المنزلة والكرامة عند الله حتى ارتقت لمرتبة الصدّيقة ، سواءً ما تحققت كرامتها بذاتها كما جاء في قصة المائدة التي أشبعت أهل بيتها وكذا جيرانها في أيام قحط (1) ، والرحى التي تديرها الملائكة بدلاً عنها (2) ، والمهد الذي يهزّه ملكٌ بينما هي تقوم بعبادة ربها (3) ، أو ما خصّها به أبوها كما في ذكر التسبيح الخاص بها  (4)،  أو ما خصّها الله به  بعد وفاة أبيها من نزول ملكٍ  لتسليتها بعد انقطاع الوحي ، حيث أوحى إليها  بما أملاه الله عليها (5)،  أو كما أمر الله نبيه بإعطائها فدكاَ .

لخّص لنا التاريخ قصّة فدك بقطعة أرضٍ وهبها إياها الرسول الأكرم (ص) ثم أُخذت منها ، وقد يتوهّم البعض أنّ الآخذ هو نفسه الواهب والعياذ بالله ، والأمر ليس كذلك بل أكبر ، إذ أنّ فدك عنوانٌ لعطاءِ إلهي لأوليائه ، وعبارةٌ عن مصداقٍ أوّلي يرسم دوراَ فاعلاً لفاطمة ، بل هي نصٌ إلهيّ  بإعطاء حقيبةً وزاريةٍ في عهد الرسول للإدارة والرعاية من فاطمة للأمة ، يظهر ذلك جليًا في آية الفيء قال تعالى " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى ..." (6) وقوله تعالى " وآت ذى القربى حقه ... " (7) وفي قوله تعالى " وآت ذى القربى حقه ... " (8) مفاد الآيات الثلاث أن يعجّل و يفعّل دور ولاية فاطمة في عهد حكومته بلا رخصة وبلا تأخير ، وعلّلت آية الفيء تلك العطية الإلهية بقوله : " كي لا تكون دُولة بين الأغنياء منكم ..."  (9) كي لا يكون الفيء شيئًا يتداوله الأغنياء ويدور بينهم كما في الجاهلية .

فمن التشريعات الإلهية أنّ الفتوحات التي تكون بمشاركة الرسول (ص) مع المسلمين ، تعود منفعتها على الرسول والمسلمين جميعاً ، أما ما لم يُفتح بواسطة الجند والقوة العسكرية ، وبالتعبير القرآني ممّا لم يوجف عليه بخيلٍ ولا ركاب فهي لله وللرسول خاصة ، وفدك من هذا الصنف ، إذ لم يكن مع النبي (ص) سوى علياً فملكيّتها عائدةٌ لله ولرسوله الأكرم خاصة ، وتمّ الصلح بين اليهود من أهل فدك والرسول الأكرم ، وحينما عاد النبي إلى المدينة  هبط الأمين جبرائيل على الرسول الأكرم من العلي الأعلى بقوله تعالى " وآت ذى القربى حقه ... "(10).

أما من هم القربى ؟
في الحديث قال : ( لما أنزل الله على نبيه " وآت ذا القربى حقه والمسكين " ، لم يدر الرسول من هم فراجع في ذلك جبريل ، وراجع جبريل ربه ، قد عرفت المسكين فمن ذوي القربى ؟ قال : هم أقاربك ، فدعا حسنًا وحسينًا وفاطمة فقال إن ربي أمرني أن أعطيكم ممّا أفاء علي ، أعطيكم فدك { (11) .

وفي اليوم الرابع عشر من شهر ذي الحجة الحرام سنة سبعٍ للهجرة النبوية الشريفة  وهب رسول الله (ص) السيدة فاطمة الزهراء (ع) فدكَ ، وبذلك أعطيت فاطمة ولاية تدبير الأمة ، لنفي الحالة الطبقية ، ولأجل إقامة العدل والقسط ، كما لفدك الدور الأساس في تمويل الأسر المتعفّفة ، وإغاثة المكروبين والمحرومين ، وكانت (ع) تخصّص سهمًا لذي القربى واليتامى والمساكين ، وكذا كانت تخصّص سهمًاَ كهديةٍ لزوجات النبي ، وآخر لعمات النبي ، وآخر لبعض الشخصيات الإسلامية التي لها دورٌ ومقام ،  كما كانت عليها السلام تعطي أباها من أموال فدك ؛ دعمًا وإعزازًا للدولة المحمدية ،  ورفعةً لرعاية الحق ، كلّ هذا لأنّ فدك لم تكن أرضًا عادية .

فقد عرفت بخصوبة أرضها ، وكثرة العيون والنخيل فيها ، وتقدّر نخيلها بنخيل الكوفة في ذلك الزمان ، أي بعشرين ألف ، وكانت العوائد من سبعين ألف سكة سنوياَ إلى عشرين ومائة وألف سكة سنوياَ (12)  ، أما محاصيلها فكانت الحنطة ، الشعير ، التمر ، وكان رسول الله (ص) يرسل مقوّمًا كل سنةٍ ،لأخذ المحاصيل قيمةً أو عينًاَ ، ومن ثم يجمع الناس إلى منزلها (ع) ويخبرهم أن هذا المال لفاطمة ، ويفرّقه عليهم بعنوان عطية من فاطمة (13) ، إذاً كانت تحت تصرّف فاطمة ويشهد على ذلك قول أمير المؤمنين : ( بلى كانت في أيدينا فدك  من كل ما أضلت السماء..).(14)
إذًا فدك قضية قرآنية بالدرجة الأولى ، كما أنّها ولاية لفاطمة على هذه الأمة .

وقد أعطى الرسول الأكرم فهمًا آخر لدور وولاية فاطمة حينما قال:( إنّ الله ليرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها ... { (15) لم يخبر به الرسول من بابٍ عاطفي ، روحي ، أو ذكرٍ لفضائل أخلاقية ، بل بياناَ و خصوصيةً ، لرضا فاطمة ، و لغضب فاطمة ، ولوصال فاطمة .

ولكن السؤال : وأي متعلّق لرضا وغضب فاطمة ؟ هل هو بعدٌ فردي يتعّلق بأفراد ؟ أم مسيرةٌ ومنهاجٌ في الدين  ،  وتأصيلٌ لنظام سياسي في الإسلام ؟

وينقل أنّ من المرات التي قال النبي هذا الحديث ، كان بعد استدعاء من سيكون حولهم تقلّد الأمور(الحكم السياسي) في أواخر عهده وبداية الفتنة الكبرى ، وهذا يعني تحضيرًا وتهيئةً من النبي لهذا الجو ، كما أنها أعلنتها صراحةً في خطبتها الفدكية { يعرف التالون غبّ ما أسّسه الأولون ...} (16) .

عنت بذلك التداعيات الخطيرة التي أعادت أمة الإسلام أحقاباً إلى الوراء، فالذي أوصلنا إلى هذا الحال هو غبّ ما أسّس له الأولون ،وهذا النداء من فاطمة لم يقتصر على ذلك الزمن ، فتلك التحذيرات باقيةٌ حتى اليوم من خروج تيارات فكريةٍ مزيفةٍ متذرعةٍ بأنها تمثّل منهاج الإسلام  الأصيل ، وكأنها ( ع) تستشّف  وتستقرىء  ما سيؤول إليه مستقبل هذه الأمة ، وللأسف فقد وقع ما كان قد أنذرت به { أما لعمري لقد لقحت ... دماً عبيطاً و ذعافاً ممقراً   (17) ...} فلا يستقيم أيّ نظامٍ وأيّ حكمٍ دون منهاج فاطمة ،  لقد كانت أمانة الله عند الأمة ، وفدك عطاء الله لأوليائه.

وتبقى فدك رقمًا صعبًا شاهدًا على كلّ ما جرى.

ويبقى السؤال للأجيال القادمة..
ولأيّ الأمور تدفن ليلاً ويعفى قبرها ؟! .

والسلام عليك يا مولاتي يا زهراء ..عدد ما أحاط به علمك.  
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار المجلسي ج35/ص255 المائدة&
(2) بحار الأنوار المجلسي ج43/45 الرحى&
(3) بحار الأنوار المجلسي ج43/ص45 المهد&
(4) بحار الأنوار للمجلس ج82/ص326 التسبيح &
(5) بحار الأنوار المجلسي ج26/ص39 مصحف &
(6) سورة الحشر /7&
(7) سورة الإسراء / 26 &
(8) سورة الروم /38&
(9) سورة الحشر/7
(10) سورة الإسراء / 26 &
(11) تفسير العياشي /ج2/ص287  بتصرف&
(12) فدك في التاريخ ص/5/6/7&
(13) الموسوعة الكبرى لفاطمة ص/21/22/23&
(14) نهج البلاغة/ من كتاب له (ع) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري
(15) الغدير الشيخ الأميني ج7/191
(16) الخطبة الفدكية للزهراء / السيد ابن طاووس/ الطرائف ، والمسعودي/مروج الذهب  
(17) الخطبة الفدكية للسيدة الزهراء وقد نفلها السيد المرتضى علم الهدى في كتاب (الشافي) و ابن ابي الحديد في(شرحه على النهج)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق