بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 5 مايو 2018

لأعظم رزية ثمن

*لأعظم رزية ثمن*
فاطمه العيسى

كلمةٌ أسرّها لها أبوها ..
(ليس أحدٌ من النّساء أعظم رزيةٍ  منكِ)."1"
هي تعلم نُدرة ثمنُها في زمانٍ يكون
فيه عزيزاً  لا يُطلب ، ولا مطمع فيه،
ولامُراد منه ،إلاّ من قلوب مَلأَها اللّه
تُقىً وإيماناً.

هو أسمى مطلب،أشرف وأعلى مقصد في دعاء مولانا الإمام السجاد "ع" وهو (مكارم الأخلاق) :

«والقول بالحق وإن عزّ»

يراها من صفات الإنسان الكامل و من يقتفي أثره ..
لها عُلقةٌ كبيرةٌ وخلاصة لما استهلّ به الدعاء ، في طلب بلوغ أرقى درجات الإيمان، فقول الحق هو لازم لكمال هذا الرُّقي.

(اللهّم بلّغ بإيماني أكمل الإيمان واجعل يقيني أفضل اليقين وانته بنيّتي إلى أحسن النيات وبعملي إلى أحسن الأعمال).

هكذا يرى حفيد الزهراء "ع"..
فكيف بالأمّ الكبرى والسيدة العظمى!!

فقد تجلّى هذا الجانب في خطبتها وتجسّد في دفاعها المتفاني عن الولاية، فهي الحجّة والقُدوة ..

إنّ قول الحقّ له أهميةٌ كبرى عند الله تعالى ، فهو أساسٌ أوليٌ لبناء صرح الإسلام و ديمومتة وبقائه ، وتوهّجه يعوّل عليه، لوجود من يعارضه بقوة ويقف بوجهه.

ألا وهو الباطل، فكثيرٌ من الآيات لاتذكر الحقّ إلاّ وتذكر مايقابله من الباطل،(ليحق الحق ويبطل الباطل ولوكره المجرمون)"2"

فكانت مسؤولية الحفاظ على جوهر الإسلام والحرص الشديد على امتداد هذا النور هيّ من أولويَّات الزهراء "ع" ومن سار على نهجها وولائها من الثلّة المخلصين في الدفاع عن خط الإمامة حبّاًً وطاعةً لها،كسلمان المحمدي،وأبوذر الغفاري، والمقداد،وعمّار بن ياسر.

إنّ هؤلاء هم من عرفوا الحق وسارُوا معه ودافعوا عنه ،وميّزوا الباطل وابتعدوا عنه وخاصَمُوه .

فماهو الحق ؟!
الحق لغة: هو الثابت والواجب والمتيقّن والصحيح والصادق والواضح ."3"
الحق اصطلاحاً:الحكم المطابق للواقع ويطلق ع الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها ع ذلك..
ومن معانيه أن الحق هو الله ومادونه هو باطل فالباطل هو الفاني الزائل ."4"

فكلّ ماكان متّصلاً بالله ومنه وإليه فهو باقٍ  وماكان لغيره فهو فان .

فكانت الزهراء عليها السلام التي يغضب اللّه لغضبها ويرضى لرضاها ،حقّ متصلٌ بالله في أقوالها وأفعالها  وموافقةً لأمره ونهيه ، لذلك كانت مًنهاجاً للسائرين على الحق.

فالموالي هو الذي يحرص على اتّباع خطى فاطمة ؛  لذا فهو يتأمّل ويتدبّر الخصائص في شخصيتها لتُوصله إلى برّ الأمان فيكون من زمرة أهل الحقّ ، فللخير أهلٌ وللحق دعائم  ومن هذه الدلالات التي تميّز هذه الفرقة  .."5"

*التقوى والورع والإلتزام بأوامر الله تعالى،فهي تهب لصاحبها قدرةً وامكانية عظيمة في تمييز الحق عن الباطل ،لكونها حصنٌ منيعٌ يحمي من الوقوع في الشبهات فضلاً عن المحرّمات .
(إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً)

*ترك اتّباع الهوى الذي يصدّ عن الحق،والمثابرة في هذا الطريق بالجدّ والإجتهاد ،(لايدرك الحق إلا بالجدّ)

* التّحلي بروح الصبر بجميع مراتبه كما قال الإمام علي "ع" في صفّين لجيشه(فصمداً صمداً حتى ينجلي لكم عمود الحق).

*التعمّق والتفكّر في بواطن الأمور وعدم الإغترار بظاهر الباطل فغالباً هو مايلبس ثوب الحق فيظهر بمظهره البرّاق ليخطف به القلوب .
وهذا أيضاً ماوضّحه الإمام "ع":
(لأُنقبّن الباطل حتى أُخرج الحق من جنبه)

وإذا لم يسع الإنسان لامتلاك هذه الصفات التي تولّد المعرفة والبصيرة فلا شك أنّه يَتّبِع رأي الأغلبية فيكون من الهمج الرُعاع أتباع كلّ ناعق ، فيقيس الحقّ والباطل بميزان رضا الناس وسخطهم.

إذاً إنّ التوفيق للحق والعمل به من علامات التقوى وصلاح السريرة، بينما ترك إظهاره حين يتوجب احقاقه بوجه الظالمين فيه مداهنةٌ للظالمين  .

وفاطمة "ع" لم تكن لتداهن الظالمين على حساب الإسلام وصلاح الأمة ،لأنّ هذه المداهنة فيها إبعادٌ من تمكين الحقّ للحكم في كلّ زمان، وبالتالي ظلمٌ لخط الإمامة والإبتعاد عنه ، وماينتج عن ذلك من الشقاء الطويل للأمة لاستمرار حكم الباطل عليها .

فكان دفاع فاطمة عن حق الإمامة واضحٌ بقوة ، فهي بعد وفاة أبيها  أول من وقفت مع علي"ع" لأنه الخط المُمتدّ للنبوة وإقامة الدّين، فكرّست نفسها ،وتفانت لكي لايُجهل قدر الولاية ، ولايضعف اعتقاد المسلم وإيمانه بهذا الخط ..

فهاهي تطرُق معه أبواب المهاجرين والأنصار لتذكّرهم بالميثاق الذي واثقوا به الرسول"ص" طلباً لنصرة وليّه لاسترجاع حقّه في الخلافة .
وتقف أيضاً في مسجد أبيها لِتقْرع ضمائرهم النَّائمة بكشف المؤامرة التي تُحاك ضدّ الإسلام والمسلمين ، لسعيهم في إطفاء هذا النور من باب بيتها،لمعرفتهم أنّ هذا البيت هو عيّبة علوم الإسلام وخزائنه .

فكانت فاطمة هي المتصدّي الأول لخطّ المواجهة بين الحق والباطل ،فهي الحقّ وابنة الحقّ وزوجة الحقّ، وماكان ليضيع من اتبّع خط فاطمة فهيّ الميزان،وكل مايصدر من بيتها هو حقٌ ومادونه هو باطل.

لذا كان ثقيلاً تأباه النفوس السقيمة فانحرف عنه الكثيرون، لأنه مخالفٌ لأهوائهم التي تأبى الثبات عليه.

وكما لأتباع الحق علامات ودلائل تميّزهم كذلك لأهل الباطل علامات وهيّ:

-اتّباع الشبهات التي تُشْبه الحق وما هي منه،ممّايُودي للسقوط في مضلّات الفتن بفعل طاعة الشيطان فيعقبهم نِفاقًا في قلوبهم بسبب الجهل والقصور في المعرفة ،وتأثير العوامل الذاتية كالعواطف والمصالح والرغبات النفسية التي تحيد بهم عن الحق.

وهذه العلامات هي من أوضح الأسباب التي أدّت إلى خذلان فاطمة وعلي "عليهما السلام".

بعدها أصبح الحق عزيزاً ونادراً بسبب المخاوف والمخاطر التي قد تلحق بمن يتجرّأ باتباعه..

أمّا فاطمة فلم تكترث لما قد يسبب لها الأذى في سبيل كلمة الحق ،(وكان همّها الأوحد أن )تحافظ ع جوهر الدِّين ورموزه من الزوال ..

ولذا عليها أن تدفع ثمن الحقّ..
برزيّةٍ بين الحائط والباب..

لتنبّأنا بها عن عظم مهمة الإنسان الرِّسالي بالتزام كلمة الحق وإن ندُرت وقلّت ، والنأي عن مُداهنة الظالمين .

فكلّما كان الإنسان المؤمن يمثّل
الحق أو مع الحق ، كانت الرّزية عليه أعظم .

وفاطمةٌ هي الأعظمُ رزّية.

.............................

1/الشيرازي نت
2/آية "8" سورة الأنفال
3/كتاب "الحق في نهج البلاغة"
4/الشيرازي نت
5/كتاب"الحق في نهج البلاغة"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق