امتدادٌ وتجلي
هبط آدم للأرض من جنةٍ واسعة... لم تكن المعصية من هوت به من عالي السماء.. إنّما هي العمارة والخلافة في الأرض..
سببٌ ومسبّب، علةٌ ومعلول، سننٌ إلهية تتحرك وفق نظمٍ تسير لغاياتها التي تُترجم هدفية الوجود...
ولما سارت الخليقة تباعاً لمنهجية محدّدة؛ نشأت واعيةً متفتحةً بلا جهلٍ أو ظلام..
فالإيمان والتقوى من لوازم الحضور والتجلي في عوالمٍ اختصت بأهلها ( أمرنا صعبٌ مستصعب) (1)
وفي دائرة الإمكان نيطت القيادة في بيتٍ طاهرٍ ، فإشعاع نورهِ غطّى الوجود ( في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) (2)
إنّه شأنٌ وشرفٌ عظيم أحاط ببيت الرسالة، بكنوز الهبات الإلهية، والملكات الربانية،
_ففضله كبيرٌ، وتأثيره بالغ الأثر على الكون برمّته ، منعكسًا على الخليقة أجمع..
_أمّا سيماءه فهو القرآن، ترجمانٌ لتعاليم السماء،، وهدى وتبيان، تشعّ أنواره للبشرية جمعاء.
أجل لقد نيطت فيه نبوةٌ خالدة بخاتمية الرسل وامتدادها ،وإمامةٌ تجسّدت في اثني عشر نورًا ، سلسلةٌ مترابطةٌ بمنبعها،،
فكان " بيت الكرام " مركزه مسجد رسول الله ، وسيّدته فاطمة الزهراءعليها السلام
( اعلموا إنّي فاطمة) (3)
فالسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام هي الحقيقة الكبرى ، والضرورة الملحّة اقتضتها الحكمة الإلهية ( لولا فاطمة لما خلقتكما)(4)
لقد حملت السيدة الزهراء ع على عاتقها أعباء الرسالة، في خطٍ واحدٍ مع النبوة تارة والامامة تارة اخرى... في سبيل نشر الدعوة ودعم قواعد الدين وتثبيتاً لأركانه،، وتفاعلاً مع كل حدثٍ في تاريخ الرسالة..
وحفظت، وجاهدت، وناضلت، فالمواقف تشهد والتاريخ يحكي دروسًا وعبرِ، تُترجم الدور الذي قامت به فاطمة...!
حيث أنّ لكلّ امتدادٍ مدد..
ولكلّ مرآةٍ رؤيًا واضحة..
ولكلّ حقيقةٍ تجلي ينعكس على أرض الواقع.. متمثلةً في نهجٍ قويم، وسلوكٍ هادف، وصفاتٍ مشتركة، تنبع من فكرٍ واحد.. سالكةً صراطٍ مستقيم..
فكانت المرآة فاطمة..
والصورة الجليّة مهديّ هذه الأمة...
لذلك كانت هناك خطوطٌ رفيعة يلتقي فيها الامام المهدي بسيدة النساء فاطمة الزهراء كبلورة نورٍ إشعاعها يغمر الكون ضياءًا....:
- فاطمة بقية النبوة جاهدت وناضلت لترفع راية الحق والدين ، وكمال هذه المنهجية في بقية الله في أرضه ، فقد روي عن الإمام العسكري في حديثٍ عن وصف المهدي ( الذي تجتمع فيه الكلمة، وتتمّ به النعمة، ويحقّ الله الحقّ ويُزهق الباطل فهو مهديكم المنتظر.. ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم بقيّت الله خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين.. ثم قال: والله هو بقية الله) (5)
وهكذا جاءت البشارة لسيدة النساء بوليدها سيد الخلق ، روي عن الإمام الحسين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة ( أبشري يافاطمة فإنّ المهدي منك) (6)
- فاطمة خزانة الأسرار فهي محور الرضا والغضب الالهي ( ان الله يرضى لرضا فاطمة) (7)
والمهدي سرّها المستودع فيها ، المكمّل للخط الذي سلكت ، والمصلح ماأفسده جُهّال القوم...
- فاطمة النور والكوكب الدّري ، تزهر لأهل الأرض والسماء كالمهدي نوراً مزهراً في الارض،، نورٌ لتلك الظلمات،، ظلمات العقول، ظلمات النفوس، وظلمات الدنيا.. عن الإمام الصادق عليه السلام ( إذا قام قائمنا أشرقت الارض بنور ربها واستغنى العباد عن ضوء الشمس وذهبت الظلمة) (8)
- كما كانت فاطمة ثابتة الخطى راسخة الإيمان، سعيها لأجل الدين واستقامته ولأجل الحرية والعدالة ، ولِيأخذ الحق محلّه.. لِتستقرّ الأمة وإن كانت عاجزةً قليلة الوعي على نهج قائدها محمد صلى الله عليه وآله...
ولكأنّ النور خفت،، ذاك الزمان..
فالمدينة المنورة لم تعد مدينة الرسول حينما رحل عنها... قد خيّم الحكم والسياسية على مدينة الإيمان،، واعتلى الزيغ، واستأثرت الأهواء، وشاهت الوجوه عن الطريق الأقصر والسبيل الأقوم.. محمد وآل محمد..
وابتعدت الأيادي التي كانت تتصافح بعهد المؤاخاة عن بعضها...
نفوسٌ عارية الذهن، طبولٌ خاوية، ارواحٌ فارغة...
لذلك وقفت فاطمة صرخةً حقٍ في وجه كلّ ظالم ، فإن لم يكن إسقاط الباطل فمن الممكن افتضاحه،، وإن لم يكن الحق فمن الممكن إثباته..
كذلك إمامُ هذا الزمان.. سائراً على خطى ومنهجية الزهراء سعيًا حثيثاً لترسيخ أكمل الرسالات...
هي.. رسالةٌ عظمى ذات ثمرٍ جني ،تطلّعاً لحين قطافه في تلازميةٍ أوليةٍ من نبيٍ الى نبي ومن وصيٍ الى وصي ، بوتقةُ كمالٍ يغمرها الإيمان والعلم بالرسالة الإلهية ؛ ف زمن القطاف هو زمن القائم من ولد فاطمة... وبه يأخذ الحقّ حقّه بعد أن غُصب مئات السنين..
_ حين تُحاك يدُ العناية الالهية في صياغةٍ دقيقةٍ ل إنسانٍ كاملٍ هو رمزٌ لكلّ فضيلة، ودليل كلّ سمو، هو حجة الله في الخلق والسّبب المتّصل بين الارض والسماء ، ممثلاً المنهجية السامية لكلّ الانبياء والرسل والاوصياء ، بأهدافهم العظيمة كما قال صلى الله عليه وآله ( يافاطمة والذي بعثني بالحق إنّ منهما مهديُّ هذه الامة إذا صارت الارض هرجًا ومرجًا ،وتظاهرت الفتن وانقطعت السبل ، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيرًا، ولا صغير يوقّر كبيرًا ، فيبعث الله عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوباً غلف) (9)
في حركة تغييرٍ جماهيرية غير مسلّحة، ولا عملية زحفٍ هجومية، أو انقلابٍ عسكري، إنّما هي حركةٌ تلامس الفكر فلا محلّ للسلاح فيها، إلا دفاعًا كما كانت حروب القائد الاعظم محمد صلى الله عليه وآله.. إنّها نهضةٌ إصلاحيةٌ شاملة، وامتدادٌ لنهج السماء ، مؤيدةً ومكللةً بالنصر، ب فاطمة المنصورة بنصر المهدي القائم ( ويومئذ يفرح المؤمنون. بنصر الله) (10) نصرٌ لمحبي فاطمة، ونصرٌ عند قيام القائم..
وإن طال الزمان.. فلابد أن تكشف الأقنعة وتفوح رائحة الحق ويبزغ الامل... فما بين الحزن والأسى يشعّ النور _ بعزيز فاطمة_ لكأنّ الإمام شمسٌ تبعث الدفء والنور ،فإن غاب غمرت الظلمات النفوس...
فأين نحن من إمام زماننا..؟ بل أين نحن من منهجه وتعاليمه..؟ نرتقب الفرج،، وتشخص أعيننا لزمن الحق والعدالة...
ولكن..
يالكثرة الحجب،
يالكثرة الذنوب،
حجبٌ تراكمت بعضها فوق بعض على نفوس بني البشر ،
ذنوبٌ هوت بأصحابها دركًا أسفل القاع،
بحارٌ أمواجها تتلاطم ، قد غرق فيها الأعم الأغلب، ورخوٌ طينيٌ غاص به أهله في وحل المادة، واستفحل الشيطان فيهم فكانوا للعجز أهلًا للدنو والاقتراب.
_______________________________
1- الخصال. ص 624
2- سورة النور 36
3- فقه الزهراء. ج3
4- مستدرك سفينة البحار ج3 ص334
5-الهداية الكبرى للخصيبي 363
6- من هو المهدي عليه السلام: 90 نقلا عن عشرة من مصادر العامة
7- مستدرك سفينة البحار ج4 ص147
8- الغيبة للطوسي 467/ج484
9- كشف الغمة 3:267
10- سورة الروم 4
سلمى الدخيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق