بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 5 مايو 2018

جواز سفر

جواز سفر
منى المسلم.

أحبّ السفر ..
وأكره الرحيل..

كم هو جميل أن تكتشف العالم من حولك وتتعرّف على شعوب تختلف عنك ..

وكم هو مؤلمً أن تودّع أحبابك وترحل عنهم وإن كنت ستعود.

فالحياة فرص،وعلينا أن ننتهزها بأفضل مايمكن.

أعددت جميع احتياجاتي ، وتأكّدت من جميع أوراقي ..

أتى ذلك اليوم..
ذهبت وكنت آخر من وصل..

توسّطت السفينة البحر، فقلت في نفسي لأتفقّد أوراقي..
ماذا..ياإلهي،أين جوازي؟
أيعقل أنه ضاع؟
لا..لابدّ أنّه في مكان هنا بين بقية الأوراق أو مابين الملابس..
أين هو؟
مالذي سيحصل إن لم أجده،هل سأعود،ولكن كيف؟
لا،لا..لن تعود من أجلي بعد أن قطعتْ هذه المسافة.
أمم، سأحاول مع المسؤولين،ربّما بقيت أوراقي وشهاداتي تفي بذلك.

أووه،ولكن ماذا أفعل إن لم يكتفوا بها؟
   كن في عوني يارب

من..ماذا؟
-ألم تسمعني؟جواز سفرك.
-ها،ماذا؟ لا أعلم.
-أين جواز سفرك؟

-ماذا أقول، وكيف أتخلّص من هذا المأزق؟
تلعثمت وترد؟دت..لاأعلم.
اكفهرّ وجهه واحدودقت عيناه،

اختفت الملامح  من حولي ، وتوقّفت عن الحركة..

واذا بيدٍ أُخرى تجذبني بكل قوة .
-تمهّلا ! دعاني ابحثا مرة أخرى ربما أضعته هنا أوهناك،اطلبا من البقية أن يبحثوا معي لعلهم يجدوه..
أو اذهبا بي إلى المسؤول ،من المؤكّد أنّ لديه حلاً..   
   لاتتسرّعا لديّ أوراق أخرى ،انظرا لها..
ماذا ستفعلان بي؟
إلى أين تسحباني؟
لاترمياني وسط البحر ، أرجوكما،فأنا لا أجيد السباحة وأخاف من الماء.
أملك الكثير من المال،خذا ماتحتاجانه ..

    ولكن لا فائدة فبكلّ مالديهما من قوة رمياني في البحر..
-ألا يراني أحد..أين أنتم ألا تسمعوني؟
أهكذا تكون نهايتي.؟
وبدأت أنفاسي تنقطع..
صوت  أحدهم ينادي :لا تخف ،تحمّل ، سوف أساعدك..

استيقظت من هذا الكابوس ،فحمدت الله أنّه كان حلماً وليس حقيقةً .
ماذا يعني هذا الحلم؟

قمت لأتفقّد جواز سفري ..
ماذا، أين هو؟
لطالما كنت أضعه هُنا..
هل ضاع فعلاً؟
أين وضعته؟متى أخر مرة استخدمته؟
أوووه... تذكّرت ! لقد ذهبت يوم أمس لتجديده .
حمداً لله..
ولكن.. ماذا لو أضعت  جواز سفري ؟
كيف أنتقل من مكان لآخر، وكيف أثبت هويّتي في تلك البلاد؟
هل سأنفى إلى بلد آخر، وإلى أيّ بلد؟
لابدّ أنّ الإجراءات ستكون صارمة.
..ربما غرامة مالية،أو السجن.
في كل الأحوال سأنال عقابي..
إنّ مجرّد التفكير في هذا الأمر يرهقني..
ولكن ..ماذا لو فقدت فعلاً وثيقتي الحقيقية ؟جواز العبور على الصراط !

أتراني أُزجّ في جهنم، أم سأعُطى فرصة أُخرى؟

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله):لكلّ شيء جواز وجواز الصراط حب علي بن أبي طالب"1
أين أنا من قوله تعالى((وَقِفوهم إنّهم مسؤولون))2؟
نعم إنّ جواز سفري هو ولايتي لأمير النحلِ،أمير المؤمنين علي..
عن حبه سوف أُسأل وأنا على الصراط،ذلك الجسر المنصوب فوق جهنم، الذي لابدّ من عبوره
سوف أُطالب بإبرازه، ولابدّ أن يكون مختوماً بحب علي(عليه السلام) وإلّا سأكون من المُبعدين عن رحمةِ رب العالمين.

وبمقدار حبّنا له في الدنيا وتمسّكنا به والسير على طريقه ، واتّباع نهجه ، تكون سرعة سيرنا على الصراط ، فتزلّ أقدام المبغضين والمنافقين.

نعم ..إنّ أعمالنا في الدنيا هي التي تقرّر هل نستحقّ ذلك الختم أم لا؟
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ شأن علي عظيم،إنّ حال علي جليل،إنّ وزن علي ثقيل، ماوضع حبّ علي في ميزان أحد إلّا رجح على سيئاته،ولا وضع بغضه في ميزان أحد إلّا رجح على سيئاته)3
فعندما نقول بأنّ ولايته واجبة فذلك لأنّها ميزان قبول الأعمال.
هي الكفة الراجحة في ذلك اليوم الذي لاينفع فيه مال ولابنون إلّا من أتى الله بقلب سليم..القلب المليء بحب أمير المؤمنين.
عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله:"ياعلي لو أنّ أمتي صاموا حتى صاروا كالأوتاد ، وصلّوا حتى صاروا كالحنايا،ثم أبغضوك لأ كبّهم الله على مناخر هم في النار"4

ولكن لماذا محبة علي بن أبي طالب هي المنجية وهي الفاصلة بين الجنة والنار؟
إنّ هذا الصك أو الوثيقة إنّما هي صادرة بأمر إلهي ملكوتي ..أي أنّ محبته وولايته أمر الهي .

إنّ اختياره من قبل الله عز وجل واصطفاءه ليكون ولي كلّ مؤمن ومؤمنة  في يوم الغدير وتنصيبه أميراً للمؤمنين،لهو أكبر دليلٍ على مكانته عند الله تعالى،وهناك الكثير من الحوادث التي تثبت ذلك وهي مرويةُ عند الفريقين،كحديث الطائر الذي أُهدي لرسول الله، ورواية الراية يوم خيبر ،ومبيته في فراش النبي،وتبليغ سورة براءة...وغيرها من الأحداث.
فمحبّتنا وولايتنا له ناتجةٌ من صميم العقيدة،وهذه المحبة تُفضي إلى محبة الله تعالى ومحبة رسول الله،وهي الغاية التي يصبو لها كل مؤمن،وهي أمله ونجاته.
عن الصادق عليه السلام قال:‏ (‎بينا رسول الله صلى الله عليه واله في ملأٍ من أصحابه وإذا بأسود على جنازة يحملها أربعة من الزنوج ملفوف في كساء يمضون به إلى قبره.... فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عليّ بالأسود... فوُضِع بين يديه ..فكشف عن وجهه.. ثم قال لعلي عليه السلام: ياعلي هذا رياح غلام آل النجار ، فأمر رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بغُسلهِ ... وكفّنهُ بثوبٍ من ثيابه.. وصلّى عليه وشيّعه والمسلمون إلى قبره ... وسمِعَ الناسُ دويّا شديدًا في السماء.. فقال رسول الله صلى الله عليه واله : إنّهُ قد شيّعه سبعون ألف قبيلٍ من الملائكة ، كلُّ قبيل سبعون ألف ملك ، ونزل رسول الله صلى الله عليه واله في لحده... ثُمَّ أعرض عنه !!.. ثُمَّ سوّى عليه اللبن...فقال له أصحابُهُ: يارسول الله رأيناك أعرضت عن الاسود ساعة ثم سوّيت عليه اللبن ؟.. فقال رسول الله صلى الله عليه واله : نعم إنّ وليَّ الله قد خرج من الدنيا عطشانًا ، فتبادر عليه أزواجه من الحور العين بشراب من الجنة ، ووليّ الله غيور، فكرهتُ أن أُحَّزنه بالنظر الى أزواجه فأعرضتُ عنه
فقال علي عليه السلام : والله ما رآني قط إلاّ حجلَ في قيوده، وقال :يا علي إني أُحِبُّك
وقال رسول الله صلى الله عليه واله :مانال ذلك إلاّ بحبّك ياعلي
5

وهذا يعني أنّنا لانستحقّ ذلك الختم العلوي إلاّ إذا ترجمنا ذلك الحب وانعكس على جميع أقوالنا وأعمالنا، وكان عملنا مصداقاً لقولنا ومطابقاً له.

أن أحبّ شخصاً ..يعني ان يسيطر على تفكيري ،و أتعلّق به ،وأقلّده في كلّ حركة وسكون ، أن  أكون مرآة تعكس كلّ أعماله ،
أسعى جاهداً لنشر فكره وعلمه،وأجعل حياتي مستنيرةً باتّباع نهجه.

عليٌ..هو الفارق والميزان بين الحق والباطل ، وحبل الله المتين ومن لم يتمسّك به ويعتصم بولايته فهو من الخاسرين في الدنيا والآخرة.

ولقد أسرفت وما أسلفت
لنفسي مافيه أعذر
سوّدت صحيفة أعمالي
و وكلت الأمر إلى حيدر
هو كهفي من نُوَبِ الدنيا
وشفيعي في يوم المحشر6
........….............................
المصادر:
1-المناقب2 156
2-سورة الصافات 24
3-بحار الأنوار /ج3 ص26
4-بحار الأنوار /ج38 ص197، أمالي الصدوق/ج1 ص296
5-شواهد التنزيل ،أخرجه الحسكاني.
6-القصيدة الكوثرية/رضا الهنداوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق