*كالجسد الواحد*
سلمى الدخيل
قيمٌ ومبادئ تُميز كل قوم،، عاداتٌ وتقاليد تحكم كلّ مجتمع،، موروثات تبقى عالقةً في أذهان أصحابها..كبوابةً نفهم فيها الشخصيات
ولمّا كانت العصبية القبلية سائدة آنذاك أصبحت قطيعة الأرحام وسفك الدماء عنوانها..
شرُ ديانةٍ كما وصفها أبا الحسن ،نبعت من نفوسٍ سوداء تشرّبت الكدر و كان الجشب أكلها..
فلا عقيدة ولا إنسانية تحكمها..
حتى جاء الإسلام منيراً بأهدافه الجليّة، ورؤيته الواضحة، يتبعها سموٌ يرقى من خلاله الإنسان،
من خلال النظم والأساسات التي وضعها المنهج الالهي..
هي علاقات على المستوى المصلحي في نظر البعض..
لكنها أبعد من ذلك..
فهي علاقة خالصة في درجاتها تترك أثراً في التعامل بطبيعتها وانسجامها، بعيدةً عن النوازع النفسية.. نتاجها بناء مجتمعٍ شامخ بأفراده..
كتلةٌ مترابطة متعاضدة،، راسخة العواطف،، قوية الأسس،،
تلك هي المؤاخاة..
ففيها الحق هو القاسم المشترك بين الجميع وهو الضمان لبقائه واستمراريته والمواساة تترجم فاعليتها لتكوِّن أخوة مسؤولة منتجة «إنّ الله خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية على معرفته يوم عرّفهم نفسه فالمؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه أبوه النور وأمه الرحمة وإنّما ينظر بذلك النور الذي خلق منه»[4] بصائر الدرجات، ص 100.
فانتماء كل مؤمن لنور محمد وآل محمد هو الأصل ..
وبهم ترسمُ ملامح الحياة الإيمانية في طريقها المعهود..
وتبنىُ شخصية كل فرد وفق حاجاته ومتطلباته..
فالإنسان له حاجات جمّة، رُبما يستغني عن بعضها ولكن ثمّة البعض منها لا يمكن الإستغناء عنه. فهي تكشف جانباً عظيماً، وأبعاداً مختلفة من خلالها تكون حياة الانسان سامية راقيه نحو الكمال.
لذا كان أول مافعله الرسول صلى الله عليه وآله بعد الهجرة ( المؤاخاة) لتعمّ السكينة والطمأنينة في النفوس، فتبرز المشاعر الصادقة بين المؤمنين بعد أن كانت القلوب كالبحر الهائج أمواجه، وبالإخاء وصلت لشاطئ الأمان..
فلكل نفس مفتاحها،، ومفتاح الخيرات حسنُ الخلق،،
وحدها الفضائل من تحرِّك الانسان المؤمن تجاه مسؤولياتٍ يقدّمها لأخيه المؤمن،، ملتزماً بالآداب التي تعزز علاقته وتقويها.
هي قوةٌ خفية تحكم دواخل النفوس لتظهر علناً فتحكم المجتمع بوحدة الاهداف،،
حيث لكل فرد واجبات وعليه حقوق.. فتعزز القدرة على تحمل مصاعب الحياة ومحنها.. وتنمو ملكة العطاء والايثار،، ليكون المآل العمل بروح الجماعة لا الفرد،، حيث تجتمع الأخلاق في بوتقة الإيمان وكمال النفوس..فما أينعت الثمار الاّ بحسن الخلق.
ومااكتمل الخلق إلا
ب(الأخوة)..
هذه الرابطةٌ العظيمة بقوتها
الجليةٌ في ترابط أفرادها..
كالبنيان المرصوص يتقوّى أحدهما بالآخر..
وفي عمق الكلمة ينكشف الإرتباط الوثيق بين الاسم والمسمّى يقول الامام الصادق ع:
"إنّما سمّوا إخوانًا لنزاهَتِهم عن الخيانةِ وسمّوا أصدقاءً لأنَّهم تصادَقوا حقوقَ المودّةِ"11 بحار الأنوار، ج17، ص180.
وقد جاءت الأحاديث وفيرةً في تعزيز معاني الأخوة وتصنيفها فعندما يكون الداعي إلهي مقصداً ووجهة فهو مطلوب والاّ فهو مذموم..
قد نمتلك إخواناً في الدنيا لاتتعدّى أخوّتهم عنها، وربما تنتهي في منتصف المطاف ممّا يعني أنّها عداوة مبطنة بمصالح يرجوها كلٌ لنفسه.. ففي الحديث عن الإمام علي عليه السلام:
"الناسُ إخوانٌ فمنْ كانَت أخوّتهُ في غيرٍ ذاتِ اللهِ فهي عداوةٌ."12 غرر الحكم، ح6915.
ولكن..
كيف لنا أن نختار أخاً في الله؟
إنّ ذلك لايتم إلاّ بخطوات مدروسة في تأنٍ وتفكر، فكلّ شيٍ جميل في بدايته، زاهي المنظر بحلّته،
ووحدها المعرفة من تكشف لنا معادن الناس وأصنافهم، والاختبار وحده الميزان الحاكم.. قال الإمام علي عليه السلام:
"قدّمِ الاختبارَ في اتخاذِ الإخوانِ؛ فإنَّ الاختبارَ معيارٌ يفرِّقُ بينَ الأخيارِ والأشرارِ"16.- ميزان الحكمة، ح 283.
حيث أنّ لكل إنسان ابعادٌ تحدّد شخصيته وماهيته إمّا أن تكون على الصعيد الفردي أو الاجتماعي،، ومن خلال تلك العلقة تتجاذب الأنفس أو تتنافر..
ولكل نفس خليلٌ يتآلف معها في اليسر والعسر.. وما أقسى المحن التي كابدها النبي الأكرم تجاه كفار قريش بعد ان هدّ الموت أركانه،، بعدما كان العم المقدام والزوجة الحانية خير معين،،
ليكون علياً العضيد المساند بعدهما في مواجهة الأذى وحمله..
عندها جاء الأمر الإلهي بالهجرة..
ليبيت علياً مقامه..
أماناً وحفظاً لرسول الله..
سمعاً وطاعة من علي..
بقوة الإيمانٍ،، جعلت علياً يتحمّل قساوة الحجارة فداءً لأخيه...
فكان خير ترجمان لأخوّةٍ لا مثيل لها على وجه الأرض..
ففي ذات يوم في حرِّ الهجير يقف سيد الخلق محمد آخذاً بيد علي نحو السماء في لوحةٍ تعبر جمالاً تربّع في النفوس لإخوةٍ فعليةٍ حملت طابعاً حركياً في اتجاهٍ صحيح..
انعكست إيجابيتها فتفرّعت وامتدّت جذورها..
{من كنت مولاه فهذا علي مولاه}..
[علي أخي ووصيي وخليفتي]..
أخوةٌ ليست وليدة الأرض
بل من صنع السماء..
نُسجت في عوالم الأنوار..
وتقلّبت في الذر..
لتتجسّد في عالم الشهود...
ذات شعارٍ مقدّس خرجت من مفهومها..
لتتجلّى على أرض الواقع..
فكان علياً المرآة الصافية التي عكست الكمال والجمال المتجسّد في أعظم شخصية عرفها الوجود محمد صلى الله عليه وآله..
فكانت الأخوة بينهما
ليزيد الكمال كمالاً..
(علي) ..
أميرُ القيم الأخلاقية..
ذو النفس العظيمة..
ارتقت وارتقت حتى بلغت أقصى مايمكن الوصول اليه..
نجمةً تلألأت في سماء البشرية..
ميزاتٌ وصفات جعلته في مصاف الأنبياء العظام..
ولكأنّ العدالة مادة رُكب منها بنيان علي قلباً وقالباً في جملة ماركب منه دماً وروحاً..
هي أُطروحة الهية..اختارت علياً بعد النبي مقدّماً على المهمات الرسالية..
فالمنهج العلوي هو الضمانة الأكيدة لتقدّم البشرية وتطوّرها..
والنشأة الروحية في ذات البيت تجعل علياً القائد بعد محمد لاغير..
(علي) خير تبيان.. لخير مقال..
وما تزعزع حال الأمة إلاّ... بغياب علي...
فهو القائل.. ( غداً ترون أيامي، ويكشف لكم من سرائري، وتعرفونني بعد خلو مكاني وقيام غيري مقامي) * نهج البلاغة/ الحكمة/149.
فكم تتوق النفوس في يومنا هذا لحكم علي!! وكم تشتاق الأرواح لعدالة علي!! كم وكم ينادي العالم أين علي؟!
هو.. الإنسان
وبه عاش الانسان إنسانًا..
فسلام الله على مولى الإنس والجان علي بن ابي طالب...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق