بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 5 مايو 2018

نورُ تجلى

*نورُ تجلى
فاطمة الكبرى المطرود

هي كلمات تسطٍر في شخصية أثارت اهتمام مختلف المفكرين ،والباحثين ،والعلماء ،
من مسلمين وغيرهم ،في مختلف العصور ،لما تحمله هذه الشخصية من قيم ،وما تركته من أثر اخترق جداران الزمن التي امتدت لأكثر من أربعة عشر قرناً ،فهل لمعرفته من سبيل؟

وهاهي الروايات jتخبرنا أنّه ليس لمعرفة الإمام حد محدود ،بمعنى ،أنّه لا يمكن للإنسان ،غير المعصوم أن يدرك حقيقة الإمام ،لأنّه في قمةٍ لا يمكن لأحدنا أن ينال هذه القمة ،فلا طريق لذلك إلا ،أن يعرفنا هو بنفسه.
عن الإصبع بن نباتة في جواباً للإمام رداَ على الحارث الهمداني بعد أن اختصم الأصحاب فيه بين مفرطٍ غالٍ ومقتصدٍ قال ومترددٍ مرتاب،لا يدري أيقدم أو يحجم قال عليه السلام :
{ إني عبد الله وأخو رسوله وصديقه الأول ،قد صدقته وآدم بين الروح والجسد ثم إني صديقه الأول في أمتكم حقاً،فنحن الأولون ونحن الآخرون } (1)
{ ألا وإنّي عبد الله وأخو رسوله } 1) إنّ أول خصوصية ،هي إثبات العبودية للمولى) السر إلى ذلك أنّه صديقه الأول (والسؤال أين ومتى ؟ الجواب ـ وآدم بين الروح والجسد (وفي عالم هو سابق لعالمنا ثم إني { صديقه الأول في أمتكم حقاً } فالتصديق له (ع) تصديقان &تصديق للنبي قبل هذا العالم و&وتصديق للنبي في هذا العالم فأينما كان محمد فعلي كان ،لأنه الأقرب إليه خلقاَ ،علماً ،أدباً ،تربيةَ .                                   

كان هذا في العالم السابق ،فقد كان هناك ظهور نوراني لأهل بيت العصمة يسمى < بالحقيقة المحمدية > (أول ما خلق نور نبيكم) (2)
جاء في الحديث القدسي : { إنّ محمدا ً وعلياً ،كانا نورًا بين يدي الله ،قبل خلق الخلق بألفي عام ،وإنّ الملائكة لما رأت ذلك النور ، رأت له أصلاً قد انشعب منه شعاع لامع ،فقالوا : إلهنا وسيدنا من هذا النور ؟ فأوحى الله إليهم :
{ هذا نور من نوري *أصله نبوة * وفرعه إمامة * فأمّا النبوة فلمحمدِ عبدي ورسولي *وأمّا الإمامة فلعلي حجتي وولي ولولاهما ما خلقت خلقي} (3)           

إنّه عالم الوحدة إذ ليس فيه تكثر ،فلا يصح القول بأنّ هذا نور محمد،هذا نور علي ،.... فليس هناك إلا نوراً واحداً مجملاً ،له اشراقات،ثم انفصل فتجسّدت ،فصار هناك محمد ،هناك علي...
وفي لباس البشرية الضيق،ليس من حق أحدٍ أن يحصر المعصوم فيجعله بشراً فحسب،وليس من حق أحدٍ أن يصوره نوراً فقط ،الصحيح أنه نورٌ وبشرٌ كما قال تعالى :" قل إنّما أنا بشر مثلكم (يوحى إلي ) "(4)
فأهل البيت عليهم السلام هم أجلى مصداق لتلك الحقيقة ،خلقهم الله تعالى بهذه الكيفية لأنّه أراد سبحانه أن يقيم هذا الوجود على نظام حكيم متقن ،مبدع ،على نظام الأسباب والمسببات ،لتحقيق الهداية للبشرية ،إذ كيف للبشر التحدث والتعامل مع النور ،فكان لا بد من لباس البشرية، وهذا مقتضى الحكمة الإلهية قال تعالى"ولو جعلناه ملكًا لجعلناه بشراً وللبسنا عليه ما يلبسون "(5)
هذه دعوى من الله لنتمكّن من معرفة المعصوم من غيره ،فبشريّته أكمل من بشريّتنا،هو العلة وبكلام أدق المعصوم صلوات الله عليه قمة البشر وكمال الإنسانية،فهو كالعين والمخ بالنسبة إلى سائر الجسم والبدن ،ولبيان عظيم قدرته وصنعته ،جعل من الموجودات البسيطة دالةً عليه ،وجعل السبب العظيم الرئيس علياً ، جاء في الحديث عن الإمام الصادق: 
{ أبى الله إلا أن يجري الأشياء إلا بأسبابها ... } (6)
وهذا واجب في الحكمة الإلهية،فهذا النبي مصداق للبشر ،وكذا علي،والزهراء ،والأئمة عليهم الصلاة والسلام هم بشر لا يسع لأحد أن يقول أنهم ليسو كذلك،لذا وجب علينا التعرف على نوع البشرية التي ظهروا بها ،والطريق إلى ذلك سهل ،فلا نقيس أنفسنا بهم كما قاسها كفار قريش فقالوا "مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق " (7) فهم لم ينظروا إلى فرق الرتبة ،ولم يسمحوا لعقولهم أن تستوعب النوع ،المميز الراقي الكامل ضيّقوا مفهوم البشرية لذا جاءهم الرد من القرآن عليهم بقوله "قل أنما أنا بشر مثلكم"
نعم هو بشر ،ولا يمكنه مخالفة النواميس الطبيعية ،فهو كغيره محتاجٌ للطعام والشراب ،لكنه في أكمل المراتب،فمرتبته في القرآن "يوحى إلي " (8) فنفس النبي ووصيه بالحق في المرتبة سواء .
جاء في نهج البلاغة {  أرى نور الوحي والرسالة ،وأشمّ ريح النبوة.،ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله ... حتى قال : إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي ... } (9)

ولأنٍ القوى البشرية لا تتحمّل رؤية الملك ولا سماع صوته ولا ما يخبر به إلا أنّه استسقى عروقه من منبع النبوة ونشأ في دار الوحي وربي في بيت التنزيل ولم يفارق النبي صلى الله عليه وآله في حال حياته الى حال وفاته لذا فهو لا يقاس بسائر الناس،كل هذا وذاك للطف عنصره وشخصيته المفتوحة على الغيب .

قال رسول الله { لله درّ أبي طالب لو ولد الناس كلهم لكانوا وشجعان... } (10)                                                                                         
إنّ الصفات البشرية،كالبطولة ،الشجاعة ،
الكرم ،النبل ،ورفعة النفس ،تورث من الآباء إلى الأبناء جيلاً بعد جيل ،وكذا الصفات الروحية،و المرجع فيما يرتبط بانتقال الصفات الروحية هي الديانات السماوية التي تؤكد هذه المسألة.
هذا يعني أنّ الطيبين هم غالباَ كآبائهم ينجذبون إلى طاعة الله ،وكما الحسنة كذلك المعصية تنقل،فمتى كانت الروح مشبعةً بالمعاصي فنسبة انجذاب الأولاد إلى ما انجذب إليه آبائهم نسبة كبيرة جداَ،والعكس بالعكس،إضافة إلى الجو العام ،ونحن نعرف أنّ في داخل كل إنسان كامن للخير والشر ،فبحسب الجو يستثار ما في الإنسان،إما إلى هذا أو ذاك،ولا نغفل عن تأثير التربية ،فبالبحث عن تاريخ أمة أو عائلة نلحظ ذلك السيلان لتلك الصفات ،من هنا الحديث عن آباء النبي صلى الله عليه وآله إذ لا يجوز القول بشرك من هو على اتصال مباشر به،لأنّ الله يجلّ أن يرسل خاتم أنبيائه،وسيدهم ،وقد ورث من آبائه صفات المشركين ،فما عند أمير المؤمنين ،هي من تلك الصفات التي أرادها الله لآدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران ،فحفيد نبي الله إبراهيم ومن عاش في آل إبراهيم هو ممّن يحمل تلك الصفات التي يحملها خليل الرحمن سلام الله عليه ،كجد ،وأب ،وأم ((علي)) حينها فقط نفهم ،تلك التصرفات والفضائل والمواقف التي ظهرت وكان يعمل بها أمير المؤمنين من أين جاءت إليه! كقلع باب خيبر حين عجز عن قلعه الآخرون فلم يكن لها إلا علي.                                                                                           
نعم إنها الشخصية الربانية التي تربت في أحضان الرسالة ،وارتوت من معينها ،فتربيته ثم مصاهرته إنما هو الاصطفاء ،وكما تم اصطفاء الرسول فعليًاَ تم اصطفاءه،فرسول الله نور النبوة ،وعلي نور الإمامة ،وكلاهما من نور التوحيد ،فعلي جوهرةٌ خلقها الله ،وصاغها محمد ،بل علي هبة الله لمحمد صلى الله عليه وآله ومنّة إلهية منٌ بها على هذا الوجود ،فبعد ثلاثين عاماً من ولادة النبي الأكرم ،تجلّى في صفحات الزمن وأزهر ،من صلب أبي طالب ورحم فاطمة بنت أسد ،ليكون عونًا لابن عمه ،فمنذ اللحظة الأولى ،كان يرفض أن يفتح عينيه إلا في وجه النبي محمد صلى الله عليه وآله،وقد جاء في إحدى خطبه عليه السلام [ وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة ...ويشمّني عرفه ،وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه ...ولقد كنت أتّبعه اتباع الفصيل أثر أمه ... [(12)
هذه حقيقة علي نورٌ تمثل في قالب بشري،مثال لن يتكرّر،فسبحان من منح هذا الرجل تلك  المزايا.
                 وستبقى الأقلام تعيد وترسم،جمال العشق في علي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر

1) الأمالي / الشيخ الطوسي /ص625
2) مطارحات في العقيدة / للسيد الحيدري/ كيف عرف الإمام علي (ع) نفسه (1)
3) الجواهر السنية / الحر العاملي /ص239
4) الكهف /110
5) الأنعام /ص34
6) بصائر الدرجات/ص26
7) الفرقان/7
8) الكهف / / 110
9) الخطبة القاصعة /النهج  للإمام علي /ص/373
10) الانتصار / العاملي / ص131   
11) نهج البلاغة/لإمام علي / القاصعـة/ص37

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق