بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 5 مايو 2018

اشراقة المستقبل ...

اشراقة المستقبل ...

زينب فتاةٌ جامعيةٌ في سنتها الثالثة ، واعيةٌ بمصيرها ، يدفعها طموحها لمواكبة عجلة التطور، تسير بطريقٍ مرسوم نحو تحقيق هدفٍ منشود ، وإذا بها تقف !
أشباح المعوقات تمثّلت في فكرها  ، وكأنّ الطريق بات مسدودًا،
صمتت لتلملم أفكارها المبعثرة ، ضائعةٌ في حيرتها ، ضعفٌ يتسلّل جسدها ، إنّها بحاجة لِيَدٍ حانية تلتقطها ،  انسابت دموعها على خديها  ، وارتفع صوت بكائها المؤلم بمسمع من والدتها ، التفتت اليها بحنو ، واقتربت منها برفق لقد أحسّت بألمها وتنهداتها فــ زينب ثمرتها و فلذة كبدها.
هل يمكن أن تتركها وحدها وتصمت ؟؟
ام تحادثها بصوت حانٍ رحيم
لقد اختارت الأخير ليرتفع صوتها :
بُنيتي زينب .. !
أنتِ الشمس التي انتظرت إشراقتها بصبر وأمل  !!
ابنتي الحبيبة...
أين أحلام الطفولة ..وطموح  الصِّبا ..وفرح النجاح؟

أين شهادات التّميز و دفتر الإنجازات ، أين بريق قوتك  وطموحك لتحدّي الصعاب.
أين زينب  التي تتفجّر حماساً  وتطلعاً وعطاءً !!

لا تتعجّلي ، تريّثي
فكّري بهدوء !!

بدأت الكلمات تتسلّل في خجل ٍ إلى فكرها فشيءٌ ما ينبض ، لقد اشرأبّت كلُ العروق ، دنت منها وأخذت تمسح دموعها ، تعانقتا بحرارة وبدت ابتسامةٌ خجلةٌ تعلو محياها ، قَبّلت والدتها وقالت :أمي يا شمعةً  تضيء حياتي ، سأواصل و سأعمل بكل طاقاتي وإمكانياتي ، وسأحقّق الكثير و لن أتوقّف .

هذه الكلمات جعلت زينب  وسائر أفراد الجنس البشري يقبلون التحدي باصرار وعزيمة ، إنّه التميّز والأفضلية لبني البشر عن سائر المخلوقات ، فهي نعمٌ الهيةٌ  أنعمها الله تعالى على الإنسان دون سائر مخلوقاته ، فنعمة العقل والوعي والإدراك،  وحُب البحث والإطلاع  عِبر وسائل الحِس الفِطرية لجميع ما نملك وما يدور حولنا ؛  لنواصل السّير ونكتشف المجهول .
قال الله تعالى (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا ..........)١

نلاحظ جميعًا أنّ لكل شيٍء دورةٌ زمنيةٌ و تنقضي ، و إذا ما أخذنا هذه الملاحظة بعين الاعتبار والتي تُحتّم على جميع أفراد البشر وليس المرأة فقط المرور بمراحلٍ مختلفة ، ضعفٌ يتبعه قوةٌ ونهوض ، ثم يتلوه ضعفٌ فـ انتهاء ، ولعل الفشل الذي يصيبنا وحقيقة واقعنا المؤلم أنّنا كُسالى نبدأ مراحل حياتنا متأخرين متجاوزين في ذلك العمر الحقيقي لكل مرحلة ، و فوق ذلك نريد قطع الطريق بدون تدرّج ممّا يوقعنا في الكثير من الحفر .
وهذا ماجعل المجتمعات العربية و المرأة فيه بالذات تدخل في سُبات ، استسلمت فيه للمرض و فقدت شعورها بالألم و لكن بمجرد أن استفاقت من صحوتها أصبحت كمغناطيس تجتذب كل شيء من جميع الثقافات ، ناسيةً أنّ لكل مرضٍ تشخيصًا وعلاجًا خاصًا به . 
ولو نظرنا إلى الآية السابقة لوجدناها تحمل نِعمًا إلهية تُحمّلنا مسؤوليةً كبيرة .
و بدوام هذه النعم واستمرارها علينا العمل ، عملاً لا نهاية له في مجالاتٍ عدة أهمها النهوض بأنفسنا ثم النهوض بالمجتمع. 
ولو بحثنا في التاريخ نجده لم يكن حكراً في  تراثه على الرجل فكان هناك دورٌ كبيرٌ للمرأة في حركته وتطوره ، بل و من بداياته ، ألم تكن السيدة خديجة عليها السلام أول من آمنت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  ؟ ولتميّزها بفكرٍ ثاقب وقفت وساندت وتحمّلت ،  و أنفقت أموالها في خدمة الدين ، ونجد سُمية أول شهيدةٍ في الاسلام ، وكذلك نجد المبادرة والحراك السياسي النسوي موجودٌ في بيعة العقبة الثانية حين خرجت المرأة مع الرجال ملبيةً للدور الذي وكّلت به   فقال تعالى:

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )٢
وفِي عصرنا الحاضر رغم ذلك السُبات نجد من نسائنا من عرفت طريقها و واجهت الحقيقة ، ووقفت متحدّية جميع المعوقات وكسرت كل الحواجز ، وحوّلت من ضغوطات الحياة عطراً فاح شذاه و انتشر ، فكانت المرأة ..الأُم رمز القوة وشخصية قياديّة صاحبة دورٍ فاعلٍ في المجتمع ،  وسجّلت إنجازات عظيمة لا يمكن إنكارها ، و لم تتوقف ،  بل استمرت في شقّ طريقها، وفي ارتقاء سلم النجاح وسلم العطاء لتنطلق دون حدودٍ لسقف طموحاتها وأحلامها.

لقد أعطت درسًا للعالم  كأمٍ و مربية وكإنسانٍ قبل كل شيء، بأن طبيعتها المنبثقة من رقّتها وعذوبة عاطفتها الجيّاشة ، يضفي على سماتها الكمال لا النقص .

وفي ظلّ صيانة الإسلام لعفافها خرجت للعمل وتحدّت الصعاب ، وبتفوقٍ حقّقت  ما انُكر تحقيقه ،  بعد مواجهاتٍ ضارية ، عرف العالم من خلال النتائج من تكون المرأة وإلى أين يُمكن أن تصل ..

تقول الكاتبة هيفاء بهاء عزي، في مقال لها بعنوان "إن أكرمكم عند الله أتقاكم": الاختلاف (الحقيقي) -أي بين الذكر والأنثى- يكمن في "الناحية الفسيولوجية فقط"! وتضيف: "هناك أمثلة على أنّ الرجل والمرأة قادران على أن يقوما بنفس الأدوار إن أرادا ذلك"، فـ"نوعية العمل المكتسب لا تحدد نوعية الجنس"!
وهذه الفروق الفسيولوجية لا ينبني عليها أي فروق أخرى، فضلًا على أنّه توجد فروق سواها. ٣

إذن بإمكان المرأة حينما تمتلك قوة الإرادة ، ونفاذ الوعي ،وسمو الهدف أن تضرب أروع الأمثلة في الصبر والشجاعة أمام المواقف الصعبة و القاسية .

فكيف بمن اتّخذت من الزهراء سلام الله عليها طريقًا تنتهجه ،و قدوةً تُلهمها الكثير في العلم والعمل بصبرها وكفاحها ، و لتعطي من يبحث ويقرأ في سيرتها ولِبَنات جنسها دروسًا عميقة ، فلا يعتقدون أنّهم يعيشون لأنفسهم وفِي أوطانهم فقط ، فسلام الله عليها كانت من الصفوة التي ترفّعت عن الدنيا بنظرةٍ واسعة الأفق ، تميّزت بُحبٍ اصيل يحمل الخير للجميع  ، وإن نالها الأذى وأصابها الضّر .
تضحيةٌ وَقُودها القوة التي تنبع داخل خلجات روحها ؛ لتبثّ روح العطاء وتمنع سياسة الأنانية ، ورغم ما جرى عليها لم تستسلم بل لقّنت أبناءها دروس البطولة ؛ لأنها تعلم أنّ الكسل موت ، وهو داءٌ إذا انتشر سبّب الهلاك ،   ـقول الإمامُ محمد بن علي الباقر(ع ) :

"إيَّاكَ وَالكَسَلَ وَ الضَّجَرَ، فـإنَّهُمَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرِّ، مَنْ كسَلَ لَمْ يُؤَدِّ حَقَّاً ،وَ مَنْ ضَجَرَ لَمْ يَصْبِرْ عَلى حَقٍّ " ٤

هذه القوة والقدرة على التّحمل صنعت الشي الكثير ، وفِي مجالاتٍ عدة ، و يُدرك هذا الاختلاف والتطور الكبير بنظرةٍ بسيطةٍ لحال المرأة قبل الإسلام وبعده ، بل نجد عظمته وازدهاره في زماننا .

وبخطواتٍ واضحة على المرأة الواعية أن تقرأ المرحلة الزمنية التي تعيشها لتتمكّن من رسم صورة المستقبل المشرق ، وذلك بعدة خطوات:

١/ تحديد الهدف.
٢/ قوة الإرادة التي ترسم الطريق بوعيٍ وكفاح وعليها العمل ، فالرغبة وحدها لا تجدي نفعًا .
٣/ وجود الناصح و المعين لها من جنسها ؛ لكي لا تبدأ وتقف في منتصف الطريق لأنها لن تجد الطريق معبدًا لفترة طويلة ، بل ستواجه الكثير من المعوقات والانتقادات.
٤/ الالتزام بتعاليم وتوجيهات الاسلام للمرأة لتكون قدوةً صالحةً للأجيال . 
٥/ الرجوع إلى التاريخ والبحث عن قدواتٍ معطاءة تفتح آلافاق لكل من يقرأ سيرتها ، وتُلهِم الكثيرات من نتاج عملها وعطائها وتعلّمهم كيف يتجاوزون الصعاب .

رسالتي لكِ  كوني في مستوى المسؤولية الربانية ، واجتهدي في تنمية فكرك و تقوية كل ما من شأنه أن يجلب لك ولمجتمعك الرفعة والسعادة في هذه الحياة.

فالمستقبل نحن نصنعه بوعينا وإرادتنا ، كما صنعت الزهراء (ع) مستقبل الأمة بوعيها وتضحياتها .

ــــــــــــ
١- (النحل)
٢ (الحجرات )
٣- مركز التأصيل للدراسات والبحوث 
٤- تحف العقول

زكيه آل جعفر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق