بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 5 مايو 2018

حكايا..

حكايا..

تخيّل أن تُنجب في أرضٍ الغلبة للأقوى والعزة للأغنى، السيادة للذكر والقهر والحرمان والوأد للأنثى.

أن تكون أنموذج الحق وعنوان الحقيقة فتُقهر، أن تمارس السلام ويمارس عليك أعتى أنواع الظلم.

أن تصدح بالحق فيكمّم فاك...

وتستمر ... أملاً في القادم الجميل

هذا وصفٌ بسيط لملامح الحياة في أرض الحجاز حيث بعث النبي محمد صلى الله عليه وآله.. ومنها أُنبتت حوريةً من شجرةٍ مباركة أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء هي فاطمة.

بها وبأبيها وبعلها وبنيها أشرقت الأرض بالعدل والاصلاح..

 فهاكم الحكايا..

حكايا فاطمة..

عاشت طُفولتها بعد فِطامها محرومةً من أبسط حقوق الطفل الحرية.. ضُيّق عليها وعلى أسرتها في شُعب في وادٍ غير ذي زرع ، لا يقيها الحر ولا القر ، الشمس لاهبةً والجوع شديد ، مطعمهم وريقاتٌ يابسة من شجيراتٍ متناثرة هنا وهناك في أرجاء الوادي بعد أن نفد ما عندهم من الزاد.. الزمن يمضي ببطء وساعات المحن ثقيلة..

يمكر العتاة ويمكر الله والله خير الماكرين.. تأكل الأرضة صحيفة خطّتها أيدي آثمة.. ويبقى اسمُ الله هو الأعلى..

يُفك الحصار بعد ثلاث سنين عِجاف ،  فيعود من في الشعب إلى دورهم.. ريحانة المصطفى ذات السني الخمس تقضي الوقت بين أبويها ، وماهي إلا أيامٌ قلائل تفصلها عن فقد أمها ، فقد أودى الجوع والتعب بصحّتها ،  فتصعد روح خديجة إلى بارئها..

  فيرعاها رسول الله صلى الله عليه وآله ... يجوب أبوها خلال الديار باحثاً عن قلوبٍ طرية يربو فيها الإيمان.. فلا يجد إلا التعنّت والجحود.. رسول الله صلى الله عليه وآله سلم يحنّ إلى فاطمة حين فِراقها ويأنسُ بها عند لُقياها ،  فجمالُ روحِها ورِيحها يُنسيه عناء الدُنيا حتى لقد كانت بحق أمّاً لأبيها.. تدور رحى الأيام ويتخلّلها كمٌ هائلٌ من التنكيل ؛ فقريش تأبى دين محمد والله يأبى إلّا أن يتمّ نوره ...

يجري خطبٌ عظيم... رسولٌ من رسل السماء ينزّل وحياً.. إنّ القوم يأتمرون بك ليقتلوك.. فافعل ما تؤمر.. فيخرج في غسق الليل مؤتمناً بني والده لرعاية بضعته..  يبات الوصي على فراش النبي.. يهزم الجمع ويولوّن الدبر.. ينبلج الفجر ويصعد الوصي على ربوة الصفا :ألا من كانت له أمانةً عند محمدٍ ها أنا موصلها..

يصل الخبر من قباء أن قد حان اللقاء ، فاحمل رحلك واتني بعزيزة أبيها.. تسير القافلة حاملةً الفواطم.. حادي النياق يسوقها على وجلٍ خوفاً من أذى القوم.. فرسان قريش تجوب الصحراء بحثاً عن القافلة.. يحدث اللقاء بين الحق والباطل.. فينتصر الحقّ بعلي.. تكمل القافلة رحلتها.. الليل قد أسدل ستاره ...تنيخ القافلة ركابها لتغفو الأعين قليلاً.. يطيب اللقاء بربّ السماء ، فساعة المناجاة والخلوة مع الله قد حانت.. فاطمة ذات الأعوام التسع تبحر في ملكوت الله ، ما تفتأُ تذكره على كل حال كما يصفها الجليل في قوله:

(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (1)

 لم تخف ولم تقنط ، بل تنشّقت عبير الرضا فغدت شاكرةً ذاكرة  ..فأتاها الجواب  (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ) (2)
كذلك علي فهو الذكر في الآية وهي الأنثى.

في مدينة يثرب حيث استقرّت فاطمة مع أبيها أول الأمر ، وبعد عامٍ تزوّجت بعليٍ عليه السلام إذ لم يكن لفاطمة كفؤٌ غير عليٍ عليه السلام.

تشاركا في شؤون البيت ، لفاطمة الشؤون الداخلية ولأمير المؤمنين عليه السلام الأمور الخارجية فكان التعاون والاحترام والعطاء دأب كليهما.

 فاطمة ما بخست أنوثتها حقها ،  وما احتقرت دورها كزوجة ، وما تنكّرت لأُمومتها، أحدثت التوازن في عبادتها فلا إفراط ولا تفريط.

عطاء البتول تنوّع من رعاية للبيت وتربية للأطفال بدون خادمة تعينها.. خمس سنواتٍ أنجبت فيها الحسنين والسيدة زينب عليهم السلام.. أدارت فيها مملكتها..
ألجأتها الحروب للقيام بذلك وحدها ؛ فعليٌ عليه السلام كان عوناً لنبي الله.. فما شكت أو بكت أو تنصّلت..  فشفقةً بحالها أشار عليها أمير المؤمنين عليه السلام بطلب من يعينها من رسول الله صلى الله عليه وآله، ونظرًا لكثرة المعوزين في المدينة  آنذاك  كان من الصعب تحقيق هذا الامر ، فأنحلها رسول الله صلى الله عليه واله تسبيحة سميّت باسمها (تسبيحة الزهراء).
تمّ الفتح المبين ، اتّسعت دولة الإسلام .. فتشرّفت فضة بخدمتها، ومع ذلك لم ترمِ حمل البيت عليها بل تقاسمت معها فكان للزهراء عليها السلام يومًا تقوم به ولفضة يومًا.

بتربيتها الفذّة صنعت أبطالاً وقادة، بسلوكها وطباعها غرست القيم التربوية والأخلاقية والمعرفية في أبناءها وخدمها ومن حولها، تذكر الجار قبل الدار لتُربّي على الاهتمام بالجار وعلى الإيثار.. لم تُلزم أحدًا على العبادة كُرهًا تسعى لقيام الليل والدعاء ، وتتصدّق فيرى من حولها أثر فعالها فيمارسوها.

تدافع وتذود ، وتجهر بالقيم التي تدعو إليها الرسالة السماوية بصدق وواقعية وشمولية.. فتحت قلبها قبل بيتها لتعليم الناس أمور دينهم.

بفعالها أثبتت أنّ الحجاب يمكن أن يُمارَس فلا إجحاف ولا غبن ، بل سترٌ يمنع من طغيان طبائع الانوثة على باقي كفاءتها كإنسانة ، فعرّفت من حولها حقيقة العفاف.

 سيرتها عليها السلام الأنموذج الأمثل للفصل بين التراث الديني الموروث والمأثور فبها يعرف المأثور من الدين ويعزل الموروث.

بخطبتها وبكائها وإخفاء مكان قبرها علّمت الناس رفض الظلم والخنوع ،  وفتحت عقولهم على قضيةٍ لطالما سعى ويسعى ظالموها لطمسها والتعتيم عليها.

بألمها وأملها أحدث فرقاً في عالمنا..

فكانت منهاج حياة..

وآيةً للخلود..

......
المصادر:
1)191ال عمران
2)195 ال عمران

الاخت:
فاطمه القصاب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق