بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 5 مايو 2018

غيْبٌ لا يُدْرَك

*غيْبٌ لا يُدْرَك*

في بيوتٍ تطوف بها الأملاك وتتنزّل..
قد أَذِنَ الله أن يُذكر فيها اسمه..

تمخض الوجود عن موجودةٍ فُطِّم الخلائق عن معرفتها..
فلاعجب أن سمّيت فاطمة ..

تحفةٌ ربانية ..هديةٌ إلهية..
صفوةُ الخلق وأفضلهم طينةً..
جمالُ الله وحسنه.. نورُ الله وجلاله..

فمن هي فاطمة؟
وهل يمكن وصف فاطمة بماهي هي؟!

خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم : وهو آخذٌ بيد فاطمة فقال:  من عرِف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد)1
وفي خطبتها(عليها السلام) عرَّفت نفسها مع أنّ جميع أهل مكة والمدينة يعرفون نسبها ،فقالت :(اعلموا إنّي فاطمة)2 حيث أرادت أن توضِّّح لهم أنّها كلّ كمالات أبيها إلاّ النبوة.

فبأي مقامٍ نبدأ!
وبأي نورٍ منها نستمد؟

عندما نقول أنّ الشمس مضيئةٌ، فهي تنير في مكانٍ محدد وزمانً معين ،إلاّ أنّ فاطمة خارجةٌ عن نطاق الزمان والمكان،كان  رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم )يقول عنها:فاطمة نور عيني .. ثمرة فؤادي ..روحي التي بين جنبي..

تجلّت أنوارها في السماوات العليا ليعرف سكّان الأملاك حقيقة معدن العصمة والطهارة ، وأنّها وسيلتهم في رفع  الحاجات،جاء في الروايات أنّ الملائكة فزعت من الظلمة ودعت الله أن يكشفها عنهم،فخلق الله قناديل من نور الزهراء الزاهر وعلّقها بالعرش ، فانكشفت الظلمة وغشيت أبصار الملائكة وخرّت لله ساجدة، وقالوا إلهنا وسيدنا ماهذا النور ؟فأوحى الله اليهم : هذا نورٌ من نوري وأسكنته في سمائي.. خلقته من عظمتي .. أخرجه من صلب نبي من أنبيائي.....)3

نقرأ في الزيارة الجامعة المروية عن الامام الهادي (عليه السلام )وهي زيارةٌ جامعة لفضائل ومقامات الأئمة الإثني عشر [قادة الأمم ، أولياء النعم،عيبة علم الله ،خزان علم الله،سر الله….. ]
وهذه كلها شؤون حجة الله على الخلق ، لكنّ السيدة الزهراء لاتُزار بها ؛  فهي حجّة الله على الحجج ..إمام على ماجاء في هذه الزيارة .

-عند زيارة أيّ معصومٍ نبدأ بالسلام والتكرار، فيشعر الزائر بالاستقرار النفسي، ولكن في زيارة الصديقة الزهراء هناك نوعٌ من الاهتزاز والشعور بالقشعريرة يحدُث في الأعماق فنبدأ بـ(السلام عليك ياممتحَنة ،امتحنكِ الذي خلقكِ قبل ان يخلقكِ فوجدكِ لما امتحنكِ صابرة )
والآية تقول :(إنّمَا يُوفّى الصّابِرُون أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب)4
ثم نكمل في الزيارة( وزعمنا بأنّا لك أولياء ومصدقون وصابرون لكل ما أتانا به أبوك صلى الله عليه واله وسلم وأتانا به وصيه فإنا نسألك إن كنا صدّقناك إلا ألحقتنا بتصديقنا لهما لنبشّر أنفسنا بأنّا قد طهرنا بولايتك)5
وهذا يعني أنّها ع المسؤولة عن إلحاقنا بأبيها وبعلها ، أي بالنبوة والامامة ،لكن ذلك مشروطاً ومقيداً بتصديقها .
فهي مجمع الأنوار الالهية والمحمدية والعلوية ( ولولا فاطمة لما خلقتكما )6وكما هي حجّةٌ على الأئمة (عليهم السلام ) فهي حجةّ على الأنبياء( فما تكاملت نبوة نبيٍ من الأنبياء حتّى أقرّ بفضلها ومحبّتها) 7
أمّا المراد بالممتحَنة:  أنّ الله استخبر حالها في الأزل في عالمٍ قبل الأظلة ( الذر ) فعلم أنّها واجدةٌ لمقام الصبر على ما سينتابها ، فأَهَّلها أي أودع فيها الملكات التي تُميّزها دون سائر أقرانها ؛ لتكون جديرةً بالإصطفاء والإختيار.  

-لا عجباً إذا كان طاووس الملائكة (جبرائيل) يقبّل غبار قدمي رسول الله (صلى الله عليه وآله).. فمابالك إذا كان خاتم النبيين  يقوم إجلالاً لسيدة نساء العالمين؟
أي أنّ النبوة تقوم إجلالاً لفاطمة،(تذكر لنا عائشة زوج رسول الله .. كانت فاطمة إذا دخلت على رسول الله قام لها قبّلها و رحّب بها ، وأخذ بيدها وأجلسها مجلسه ،وكان يقول فداها أبوها ، وأحياناً يقول مرحبًا بأمّ أبيها ويقبّل يدها ) 8،عباراتٌ ليست بهيّنة كاشفةٌ عن جلالة قدرها.

-من المعروف أنّ الأم هي التي تحيط بالعناية ، وتستوعب الحنان والعطف والرعاية , ولم يكن أحدٌ في حياة رسول الله يظهر له العاطفة والحنان حتى من زوجاته،لم يكن أحدٌ يدرك أبعاد شخصيته وما يحتاج من  الحبّ غير الزهراء.

فمن الذي تحمّل أعباء الرسالة من مشقةٍ وتعب ؟
أليس هو رسول الله ؟
ومن المحتضن لهذا القائد ؟
أليست هي الزهراء الحاملة لأسراره وآلامه وهمومه!

كانت اليد الحانية والقلب الرؤوف على أبيها،
ولذلك اذا شعر ببدنه ضعفًا لجأ إلى بيتها , وإذا نظر إليها تلألأ وجهه كأنه البدر في ليلة تمامه وكماله.

ترى ما السّر في دار فاطمة ؟!
ماالسّر في فاطمة ! وفي وجه فاطمة ؟
إنّها غيب لا يدرك .

عند ولادة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)كانت هنالك الكثير من الإرهاصات والأحداث الكونية، وكذلك عند ولادة سيد الوصيين حيث انشق جدار الكعبة لأمه،وفاطمة ليست بأقل قدرًا منهما وليس بالغريب أن يتميّز ميلادها حتى قيام الساعة،فجميع المسلمين يصلّون كل يومٍ ركعةً واحدةً شكراً لله على نعمة ميلادها ، سواء علموا أم لم يعلموا،سُئل الإمام الصادق(عليه السلام): لمّ صارت المغرب ثلاث ركعات؟
فقال:(إن الله تعالى أنزل على نبيه كلّ صلاةٍ ركعتين،فأضاف إليها رسول الله لكلّ صلاةٍ ركعتين في الحضر، وقصّر فيها في السفر،إلاّ المغرب والغداة ،فلمّا صلى النبي المغرب بلغه مولد فاطمة فأضاف إليها ركعةً شكرًا لله عزّ وجل)9

-هناك حقيقتان مخفيّتان تتفقان وتتشابهان في بعضها ، بل هما وجهان لأمرٍ واحد..
فلكل شيءٍ حقيقةٌ ظاهريةٌ وأُخرى باطنية،
ليلة القدر ..وفاطمة..
مصداقٌ ظاهري،وحقيقةٌ باطنها الزهراء..

فهي كليلة القدر..
وما أدراك ما ليلة القدر ؟!

ليلةٌ مبهمة ،وهيّ مخفية القبر ،مجهولة القدر إلاّ عند أبيها جليلة القدر ،فقد رُويّ عن الامام الصادق (عليه السلام):من عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر))10
{ليلةُ القدر خيرُ من ألف شهر} ،ومحبّة الزهراء تضاعف الأعمال وتسبيحها يجعل الصلاة بألف صلاة..
ليلة القدر {فيها يفرق كل أمرٍ حكيم}، وفاطمة الفارق بين الحق والباطل..
ليلة القدر الوعاء الزماني للقرآن .. وفاطمة الوعاء المكاني له.
من أسمائها(فاطمة) المباركة { إنا انزلناه في ليله مباركة }11

لقد حوت الزهراء ع جميع المقامات الملكوتية لجميع النساء،فالسيدة مريم (عليها السلام) كانت حاملةً لروح الله ،وفاطمة حاملةٌ لحجج الله وأنوار الله بل هي نور عظمته..
-أوحى الله لمريم ، وبيت فاطمة مهبط الوحي..
-آسيا بنت مزاحم بنى الله لها عنده بيتًا في الجنة، والزهراء ع تقف على باب الجنة وتلتقط محبيها..
-كانت الملائكة تُحدّث مريم" إِنَّ  اللّهَ اصَطَفاكِ وَطهّركِ " 12ولكن على نساء عالمها، بينما الزهراء حدّثتها الملائكة بأنّ الله اصطفاها وطهّرها على نساء العالمين.

-وفي يوم القيامة بعد أن ينصّب للأنبياء والرسل منابر من نور يكون منبر رسول الله أعلاها ، ويخطب فيهم،وينصّب للأوصياء منابر من نور فيكون منبر علي أعلاها ، فيخطب فيهم"فينادي المنادي وهو جبرائيل : أين فاطمة بنت محمد ؟ فتقوم،
فيقول الله تعالى : " يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم ؟ فيقول محمد وعلي والحسن والحسين : لله الواحد القهار
فيقول الله تعالى : يا أهل الجمع إنّي جعلت الكرم لمحمدٍ وعليٍ وفاطمةَ والحسن والحسين.. يا أهل الجمع طأطؤا الرؤوس ،وغضّوا الأبصار، فإنّ هذه فاطمة تسير إلى الجنة .. ويكون عليها حلة الكرامة ، ومتوجةٌ بتاج العزة، معها سبعون ألف جارية ، تُزفّ كما تزفّ العروس فيأتيها جبرائيل بناقةٍ من نوق الجنة مدبّحة الجنبين ، خطامُها من اللؤلؤ الرطب ،عليها رحلٌ من المرجان، فتناخ بين يدي ربها فتركبها ،فيبعث الله مائة الف ملك يحملونها على أجنحتهم ، حتى يصيروا على باب الجنة ، فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول الله : يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي ؟
فتقول : يارب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم.
فيقول : يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حبٌ لك ولأحدٍ من ذريتك خذي بيده وأدخليه الجنة..... "13

هنا سؤالٌ يطرح نفسه: ماذا بعد  معرفتنا لمقامات أهل البيت (عليهم السلام)؟
الجواب:إنّ معرفتنا بمقاماتهم  ( عليهم السلام) له أبعادٌ ثلاثة:
-بعدٌ عقائدي:  نحن نحشر يوم القيامة على قدر معرفتنا لمقام الإمام فالجنة مراتب.
-بعدٌ عاطفي : كلّما عرفنا المقام الأعلى لهذا الإمام انجذبنا له.
- إذا عرفنا بُعد مقاماتهم عرفنا عظم الاعتداء عليهم.14

إنّ ماذُكر عن الزهراء لهو أقلّ القليل..
وما تلك الفيوضات الإلهية إلاّ بعض مالديها..

فكلّما بحثنا لنتعرف عن خصائصها (عليها السلام) وجدنا أنفسنا نغوص في بحر الحيرة والتعجّب..

فإذا كان كلّ إمامٍ هو بحرٌ متلاطم من المعرفة..  فكيف بمنبع هذه البحار وهي أمّهم الزهراء؟!
لايمكننا أن نستوعب أو أن  نحيط بتلك الهالة النورانية المصطفاة..

عند فاطمة تتحيّر الافهام..
فهي غير متناهية..
وغير قابلةٍ للإدراك.
___________________________
المصادر:
1-المختصر عن تفسير الثعلبي.
2-الخطبة الفدكية.
3-بحار الأنوار /ج٣٠
4-سورة الزمر١٠
5-مفاتيح الجنان.
6-موسوعة سيدة نساء العالمين(حديث قدسي).
7-الأسرار الفاطمية عن كتاب ملتقى البحرين/هاشم البحراني .
8-البخاري ،الترمذي
‎9-علل الشرائع،الكافي
‎10-تفسير الكوفي.
11-سورة الدخان
12-سورة مريم٤٢
13-وماأدراك من فاطمة/السيد صادق الشيرازي.
14-موقع القائم/أسرار المعصومين(بتصرف).

منى مسلم / أم هبه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق