بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 6 مايو 2018

عالمة آل محمد

عالمة آل محمد
بقلم:  مزدلفه الخليفه

قرانٌ عظيمٌ يدعو إلى تحصيل العلم إذ تكرر ذكره في سبعمائة آية فجاءت بخطاب عام ، بالإضافة إلى وسائل تحصيله لما فيه من مصلحة حتى يتحقق البناء والإعمار ، فيرقى نحو الكمال ؛ لكنه يحصل بالكسب والجد خلافا للعلم الحضوري الذي لايمنحه الله لأحدٍ إلا من ارتضى "كالعلم بالغيب".

قال الله تعالى: (ومايعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ومايتذكر إلا ألو الألباب).

علمٌ قسمه العلماء إلى :
علم حصولي ، وعلم حضوري.

فكان من نصيب العلم الحصولي تعريف يدعى:
بحضور صورة المعلوم لدى العالم وهو يحتاج إلى:
واسطة فأصبح يعتمد على ثلاث ركائز هي:

المدرك، والخارج ،والصورة.

وهو علم ناتج من النظر ، والمعرفة لابالبداهة بل بالحصول .

وكان من نصيب العلم الحضوري اللدني كذلك تعريفاً يدعى:

بحضور نفس المعلوم لدى العالم فلا يحتاج إلى واسطة بل يعتمد على طرف واحد وهو المدرك "بذاته"

كعلم الإنسان بذاته ، وأحاسيسه ، ومشاعره (علم بديهي).

فمثاله: كشعور المريض بالألم علم حضوري "حاضر" ، وعلم الطبيب بألم المريض "حصولي"  لأن صورة الألم وماهيته تكونت وحصلت لدى الطبيب وليس نفس الألم الذي يشعر به المريض!

فلذا فالعلم اللدني "الحضوري" هو العلم الذي يتوصل إليه من دون واسطة بل يُلهَم إلهاماً.

بينما العلم الكسبي الحصولي:
لايحصل عليه الإنسان إلا بالتعلم
والآية خير دليل على أن النبي والمعصومين -عليهم السلام- من الراسخين في العلم يعلمون علماً حضورياً ؛ لذلك قرن الله علمهم بالتأويل بعلمه.
ولو لم يكن علمهم حاضراً لما صدق عليهم أنهم أوتوا العلم، وماثبت في صدورهم ، وهل يكون غير الموجود ثابتاً أصلاً؟!
وهل يحجب الله علمه عن حجته؟!
فكيف تكون له الحجة البالغة إذاً وليس لديه علم بالحوادث والأعمال؟!

ولو أمكن وصف علمهم بأعلى من الحضوري لوصف ، ولكن سمي بالحضوري لقصورنا عن إدراك وصفهم ولجهلنا بحقيقة ذلك العلم
فعلم الله => علم مطلق
            و
علم المعصوم => علم نسبي.

أي أنه يعلم ماكان ، ومايكون ،وماهو كائن بمقدار ماأطلعه الله تعالى عليه.

فالمعصوم لايعلم الغيب بالأصالة بل بسبب إلهي.

إذاً: علم المعصوم -عليه السلام- علمٌ حضوري "لدني" الذي يلقيه الله في قلب من يشاء أي عنده علم ماكان ومايكون .
من قبيل قولهم عليهم السلام :
(إن عندنا علم ماكان ومايكون وماهو كائن إلى أن تقوم الساعة).

فلايتعارض علمه مع علم الله فهو -عليه السلام_ عنده
(علم بالغيب) لا (علم الغيب)

أي أن ماأطلعهم الله عليهم بواسطة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فهم يعلمون بهذه الأمور عن تحديد وتعليم بما علمه الله لنبيه صلى الله عليه وآله.

أما علم الغيب:هو علم أختص الله به { قل لايعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله }

"فالله هو الذي بيده مفاتيح العلوم كلها عالم بكل شيء ومحيط به ، وهو الذي يفتح أبواب العلوم لمن يريد ويشاء من الأنبياء والأوصياء والأولياء ومالديهم هو " علم بالغيب" أطلعهم الله عليه.

إذ أن هناك فرق كبير بين علم الغيب، والعلم بالغيب وكذلك مايقتضيه التركيب اللفظي ، واللغوي.

فالغيب: هو ماغاب وخفي عن الحس والعقل غيبة تامة كيوم القيامة،

فقد أشار أمير المؤمنين -عليه السلام- له حيث قال له بعض أصحابه:
لقد أُعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب!
فضحك وقال: يا أخا كليب ليس هو بعلم الغيب ، وإنما هو تعلم من ذي علم ، وإنما علم الغيب علم الساعة)

فما عندهم -عليهم السلام - إنما هو بإطلاع من الله وتعليم منه لهم فإنه يستحيل
في حقه تعالى أن يفرض الخلق طاعتهم وثم يحجب علمه عنهم
وهكذا بالنسبة للرزق والخلق
"في الجملة"
فالله يعطي القدرة لأوليائه على ذلك فيرزقون أو يخلقون بإذنه ، فعلمهم الحضوري " اللدني" وعلمهم بالغيب لاينافي كونه مستمداً من الله سبحانه

فعلم الله سبحانه علم مطلق ، وعلمهم نسبي

فما كان غيبا عند زيد قد يكون شهادة عند عمر ،وما كان غيبا عندنا قد يكون شهادة عند الملائكة ؛ فإن الملائكة تعلم كثيرا مما نجهله نحن ،

ويعلم الرسول صلى الله عليه وآله مالا يعلمه جبرائيل عليه السلام وعلى هذا القول نقول:
إن الله عز وجل قد شاء أن يعلم المعصومين -عليهم السلام - وسيدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  ما خفي عن الناس وهذا حاصل قطعا.

عن عمار السابطي قال :
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الإمام يعلم الغيب ؟ قال: لا .
ولكن إذا أراد الله أن يعلم الشيء أعلمه الله ذلك .

فنجد في حياة فاطمة الزهراء -عليها السلام- خير دليل على ذلك.

ونرى  الكثير من الجوانب المشرقة المثيرة للإهتمام ؛ بل كل جوانب حياتها وهذه الجوانب تدعونا للتوقف عندها بمزيد من التأمل، والتدبر، والتفكر، والتي توصلنا إلى الخصوصيات الإلهية، والفيوض الربانية التي أكرمها الله عز وجل بها ولا عجب فهي التي جعل الله عز وجل مظهر رضاه رضاها ،ومظهر غضبه غضبها.
فهي "روح النبوة بين جنبي رسول الله وهي أم النبوة لأعظم نبي ، وهي قرينة الإمامة حيث كانت للإمامة كفؤ وكانت لحجج الله مهدا وحجرا"

نعم..
هي فاطمة سر الله الأعظم وبضعة النبي وعدل الوصي فمّما خص الله به "قديسة الإسلام الكبرى" فاطمة الزهراء -عليها السلام -أن جعلها مجمعا لعلوم الأنبياء والأوصياء ومستودعاً لما خصها به من العلوم الإلهية والمعارف الربانية ، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة
فهي " عالمة آل محمد"

يقول السيد محمد الشيرازي "قدس سره" :
إن الصديقة الزهراء- عليها السلام- كانت عالمة بالعلم "اللدني" من الله  فقد أوتيت من العلم والمعرفة قدراً لا يضاهيها فيه أحد سوى والدها وبعلها .

ويقول السيد الآملي :
"والعلم الإرثي الإلهي يكون تحصيله بالعلم الرباني وهذا العلم يتم تحصيله

من خلال ثلاثة أنحاء:
• أما وحياً
•أو من وراء حجاب
"أي إسماع الكلام من غير أن يبصر السامع من يكلمه.
•أو إرسال ملك.
وقد حفظ التاريخ الكثير من المواقف التي تدلل على أعلمية السيدة الزهراء -عليها السلام- وتفوقها على أقرانها وأنها كانت تفتي النساء وتعلّم الرجال ما يصعب عليهم من أمور الدين فهي التي لا تقاس إلا بالأنبياء ولا يستر عنها شيء من الأسرار الإلهية حتى ولو ستر عن الأنبياء ؛ لأن الله اختارها وأهلها حججاً على العالمين وأظهر فضلهم على عامة الأنبياء والمرسلين فالله يعطي الأنبياء وعامة العباد على قدر الإستحقاق ، و الإستحقاق على قدر المعرفة بالله والقرب منه وإن نبوة الأنبياء ما تكاملت بل لم يحصلوا على النبوة إلا من خلال محبة السيدة -عليها السلام-  وولايتها ، والإقرار لها بالفضل، والعظمة عن الله ،
فلا يحجب الله عنها أسرار خلقه ،وتدبير مملكته مع أنه تعالى حجب الكثير منه عن الأنبياء والمرسلين ، وليس ذلك إلا لأن الإستحقاق بالفضل والكرامة إنما هو بالقرب من الله ومن وليته الكبرى فاطمة -عليها السلام- فمقامها كذلك يفوق مقام الأئمة -عليهم السلام -ولولا المرآة الفاطمية لم تظهر الصورة المحمدية العلوية .
كذلك العلم الإلهي الموجود في القلب المحمدي ، والعقل العلوي فلولا الجسم الفاطمي لم يظهر ذلك العلم منهما صلوات الله عليهم أجمعين.

فالزهراء كالمرآة عكست النور المحمدي العلوي عكسته لنا من العالم السابق إلى عالم الدنيا ؛ لأننا لا نستطيع الوصول إلى ذلك النور!

كما أنني لا يمكنني الوصول إلى قلبك وعقلك ولا أعلم ما فيهما إلا إذا أظهره جسمك لي باللسان أو اليد أو شبه ذلك.
فلولا أن الزهراء أظهرت نور أبيها وبعلها لما وصلت التكاليف الشرعية لأي موحد لله تعالى .

كما قال إمامنا الحجة -عجل الله فرجه الشريف- في دعاء كل يوم من شهر رجب :
(فبهم ملأت سماءك وأرضك حتى ظهر ألا إله إلا أنت).

وقال الامام الصادق عليه السلام:
(نحن حجج الله على عباده وجدتي فاطمة حجة الله علينا)

فلم يظهر التوحيد في جميع العوالم الإمكانية و الأكوانية إلا بنورهم.

فكما يقول السيد الشيرازي :
الدين مثله كالمثلث المتساوي الأضلاع ،وأضلاعه الثلاثة هي :
التوحيد ،النبوة ،الإمامة
فلا يقبل الله تعالى الدين إذا كان فيه التوحيد والنبوة بلا الإمامة والولاية!

فورد عنهم -عليهم السلام -بأن الله خلق محمدا وعليا لأجلها وكما يقول جابر الأنصاري : قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم:
( يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك ولولا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما )

في هذا الخبر الشريف يشير إلى :
مقام النبوة ،والإمامة، والولاية

فرسول الله صلى الله عليه وآله كان مأموراً بالتبليغ بمقام "النبوة" ، وأمير المؤمنين علي -عليه السلام- كان مأمورا بمقام "الإمامة" وفاطمة-عليها السلام - كانت مأمورة بمقام "الولاية الإلهية"

وكما نجد كذلك في زيارة سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء :
(وأرخيت دونها حجاب النبوة ).
كناية عن:
نزول الوحي في بيتها ، وكونها مطلعة على أسرار النبوة ؛ فهي حليفة النبوة والإمامة ، وأن ولايتها مرقاة لوصول الأنبياء إلى النبوة ومقام الرسالة!.
فمصحف فاطمة عليها السلام أكبر دليل على علمها لما يحويه من مختصات وأسرار علوم أهل البيت -عليهم السلام- والذي لم يطلع عليه أحد سواهم وأنه ميراث الأنبياء والأوصياء ، وهو الآن عند صاحب العصر والزمان  (عج) -عليه السلام-
وفيه تفسير القرآن وعلم ما هو كائن إلى يوم القيامة وكانوا صلوات الله عليهم يراجعونه وينظرون إليه لوصف حال الزمان والإخبار بالأحداث المستقبلية.
فاختصاص الزهراء عليها السلام بهذه التحفة الربانية لدليل يضاف على امتيازها وفضائلها وعلمها،
وأنها لاتقاس إلا بالأنبياء ، ولاتقارن إلا بمن قدستهم السماء..
فسلام الله على من أطلعها على غيبه وأودعها علمه واختصها بفضله سلام لاينقطع ذكره ولاينضب أثره.

الهوامش:
____________
*سورة آل عمرآن آية (7)
*سورة النمل (65)
*مقال ماجد عبد الهادي الفردان
*كتاب أمهات المعصومين آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي
*بيت الأحزان للشيخ عباس القمي
*فاطمة بنت محمد قدوة للنساء للسيد علي عاشور
*محاضرات السيد محمد رضا الشيرازي الأولياء وعلم الغيب، علم المعصوم بالغيب
* مقال الأستاذ رضي العسيف
*علم الأئمة بالغيب شبكة الامام الرضا ع
*يسألونك عن الأئمة للشيخ أكرم بركات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق