بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 5 مايو 2018

مملكة الكرامة

*مملكة الكرامة*
فاخته اليوسف

 أرخى الليل سدوله ونامت العيون وهدأت الأصوات .و غلّقت الملوك أبوابها وأوقفت عليها حراسها ، حينها أراد المسير في دياجي الغسق فناديته :

_   إلى أين تسير ياهذا.؟

حسبك هذا الظلام لن ترى الطريق ارجع أرجوك كي لا تضل الطريق.

اصغ إليّ لا تذهب!

 .أنصحك،  عد إلى هنا وانتظر بزوغ الفجر.

_ ماذا تقولين ! لن أرجع  فلا طاقة لي على البقاء هنا أبصرت مالم تبصرين .أراه هناك.، أسمعه يناديني .يهتف في أذني.

_ إن بقيت هنا  لن تراني وسط هذا الظلام .إنهم يمنعونك  من رؤيتي ،  يوهمونك بأنّ لا نور  هناك .

وإنك لن تستطيع الوصول إليّ !!... كذبوا والله.

 إنّ الصراط لواضح وإنّ النور لساطع.

 

 _ لا لن أبقى وسط هذا الظلام.

 أذهب حيث هو.

علّني أستطيع اللحاق به .

 أقتبس من نور ضيائه .

_ و لكن أين هو ذلك النور الذي تتحدّث عنه؟

 إنّني لا أرى شيئا!

يالشدة هذا الظلام. أكاد لا أرى قدماي وأنت تقول نورًا وضياءً . ماهذا الهراء ؟ 

أخبرني ماالذي تراه ؟  . لماذا تلتزم الصمت ؟  ألا تستطيع الكلام ؟ أم ذهلت لهول مارأيت ؟.أجبني .؟.

_ وبماذا أجيبك لقد غشى نوره بصري فلم أستطع أن أرى تقاسيم  وجهه النوراني .

 تجلّى ضياءه في عتمة هذه الدنيا فأكسب حروفها حقائق نورانية أضاءت سماء السالكين, فأضحت منارًا للتائهين في دروب الحياة .كان أميرًا للوجود, ومنارًا للمبادئ  والقيم ونبراسًا للفضائل ,في كل جنبة من جنبات حياته  يمثّل رسالات السماء.

  

تجلت فيه الإنسانية بأسمى معانيها . 

فأين منه هؤلاء المدعون أنهم عونًا للإنسانية .ولا أرى فيهم من يمثّلها إلا من رحم ربي . فقد غيّبوها في تفاصيل  الحياة.

أحيانًا نراهم  يفتعلون حروبا تبيد الحرث والنسل ولا تخلّف وراءها إلا دمارًا ومجاعات ,وفقر وحرمان, تصادر حقوق الشعوب الكادحة  التي تعمل ليل نهار لتؤمّن قوت يومها ،وتغتال الإنسانية بدمٍ  بارد  .كلّ ذلك بحجة الدفاع عنها....!

 وآخرين  يستولون على ثروات الشعوب ومقدراتهم بحجة تقديم يد العون والمساعدة لهم, والعمل على النهوض بحضاراتهم .ليصبحوا بزعمهم في مصاف الدول المتقدمة..!!

  لكنّ الحقيقة غير ذلك.لأنهم أعداء وليسوا كما يدعون !!

أما هو .فقد كان على النقيض من أفعالهم ، لقد كان يصبر ويسالم لمصلحة الأمة مرددًا ( لأسالمنّ ماسلمت أمور  المسلمين ). نهج البلاغة.٧٤ص١٠٢. الطبعة الأولى موسسة  المعارف بيروت.  ويتجرّع مرارة الصبر وهو المفترض الطاعة على من سواه. مناديًا .....

(صبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى أرى تراثي نهبًا.......) . نهج البلاغة٣ص١٠٢ الطبعة الأولى موسسة المعارف بيروت..

حين دخلت إلى مملكته أيقنت أنني في عالم آخر غير هذا العالم  .لقد انتابني شعوربالفخر و العزة والكرامة  حيث فقدتها  في عالم الظلام والعتمة.فيالها من سعادة أن أنتمي إليه وأهنأ بالعيش الكريم معه. 

لم أر فقيرًا معدمًا عنده .

ولاشاهدت مظلومًا لم ينصف في حكمه.

 ولامسيئًا أو مذنبًا إلا وأخذ جزاءه.

دستوره في الحياة ليس كما يدّعون ويحرّرون في قراطيسهم وأدبياتهم ، فأقلامهم  لم تملأ حبرًا وإنما ملئت دمًا عبيطًا من أرواح الأبرياء التي اغتالتها كلماتهم قبل أسلحتهم.

رسم دستورًا مغايرًا لهم حيث اتّصل بالسماء فأمدّته تبيانًا وعلمًا فرفع صوته عاليًا مندّدًا بمن يبثّون الفرقة بين المسلمين ويعمّقون الطائفية بينهم...

فكتب إلى مالك الأشتر حين ولاه على مصر :

 ( ولا تكونّن عليهم سبعًا ضاريًا تغتنم أكلهم ،فإنّهم  إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) .نهج البلاغة621/53 . الطبعة الأولى موسسة المعارف بيروت

.  وتراه حين يشتري لباسًا يفضّل خادمه قمبر على نفسه فيعطيه الأغلى ثمنًا ويرتدي الأقل وهو الرجل الأول في الدولة .

وتراه  يأكل خبز الشعير  ويطعم الفقراء السمن والعسل .

 وإذا قيل له لم تفعل ذلك؟.

  _  يجيب   (هيهات أن يغلبني هواي ،ويقودني طمعي إلى تخيّر الأطعمة ولعل  بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له  في القرص ولاعهد له بالشبع .أو أبيت مبطانًا وحولي بطونًا غرثى وأكبادًا حرّى ....) نهج البلاغه 45/606
الطبعة الأولى. موسسة المعارف. بيروت

عاشت في عهده الإنسانية أزهى عصورها ، وارتدت من مقوّماتها حللاً سندسية ، تختال في مشيتها على من أنكروها .حين أعطى لها جميل الصفات..

 لم يفرّق بين المسلمين وغيرهم.  فتراه يغضب حين يرى شيخًا عجوزًا قد هرم. يتسوّل في أزقة الكوفة .فيتساءل متعجبًا ماهذا؟.

لأن كرامته تأبى أن يهان إنسان في دولته ،ثم يؤمّن عطاءه من بيت مال المسلمين .

يجبى إليه خراج دولته المترامية الأطراف وتصبّ بين يديه الأموال فيقسّمها بين مستحقيها ولا يترك له درهمًا ولا دينار .

يرى المرأة ومن أخرجها من بيتها إلى حرب الجمل ، فينادي على اخيها عبدالله ويأمر أربعين أمرأة أن يرتدين  زي الرجال ويركبن معها محافظًا على كرامتها وإنسانيتها ،  ثم يخاطبها   مؤنّبًا لها بلغة لم تعرف لها البشرية تترجمانًا غيره .(ماأنصفك الذين أخرجوك  إذ صانوا عقلهم وأبرزوك ).وأمر أخاها محمدًا فأنزلها في دار صفية بنت الحارث بن طلحة العبدي).مروج الذهب ج2ص376

تأبى مروءته أن يستمع إلى قومٍ من أصحابه يسبّون أهل الشام أيام حربهم بصفين فيقول  إني أكره أن تكونوا سبابين. ولكنكم لو وصفتم اعمالهم  وذكرتم حالهم كان أصوب في القول .،وأبلغ في العذر...... نهج البلاغة ٢٠٤/ ٤٩٢ الطبعة الأولى. موسسة المعارف بيروت.

 

فأيّ ظلامٍ  بعد هذا النور يبقى وايّ طريقٍ لم يكن واضحًا مستقيمًا للوصول إلى مملكته . مملكة الكرامة والعزة. 

وأيّ أميرٍ ترتجيه الإنسانية وتؤمّنه على إنسانيتها وعز؟تها وكرامتها  لتجعله أميرًا لها يأخذ بأيديها الى دار السلام .فأنت لا سواك أميرًا للمؤمنين ياعلي.....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق