بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 5 مايو 2018

الزهراء عليها السلام الاعلام المحظور

الزهراء عليها السلام الاعلام المحظور.
مريم فريد.

مع بداية القرن الحادي والعشرين شهِدنا تقدماً مهولاً في وسائل الاتصال والاعلام ،من خلال البرامج والتطبيقات الالكترونية فلا نكاد نُتقن برنامجاً حتى نُفاجأ ببرنامجٍ أكثر تطوراً وسرعة، فأصبح تبادل المعلومات أسرع من النار في الهشيم.

باختصار نحن نعيش ثورة الكلمة، الكل يتحدّث والكل يُنظِّر ،الطالح قبل الصالح أصبح له منبره الخاص، يتحدّث بما يشاء وكيفما شاء.

الكلمة أسيرةٌ في عقل وقلب صاحبها ؛ لكن ما إن تنطلق فلا مجال لاسترجاعها أو محو أثرها، وهي ذات حدّين إمّا رصاصةً موجهة تقتل من تصيبه ، أو بلسماً شافياً ترتقي بمن تعنيه.

أصبح الأعلام اليوم هو القوة المحرّكة لتوجّهات المجتمع، يفكّر ويقرّر عنك ،يتدخّل في أخص خصوصيات حياتك، يختار طَعَامِك وشرابك وملابسك، وسائله لاتُفارقك لحظةً من لحظات يومك ،يقتحم أحاديثك وجلساتك العائلية، بل تعترف بعض الشركات المصنّعة للتلفاز أنها تتجسّس على حياتك الخاصة فتُسجّل كل كلمةٍ تنطق بها بحجة التعرف على اهتماماتك حتى ترضي ذوقك.  

ومع تطور وسائل الإعلام أصبح قادراً على قلب الحقائق ليصبح الظالم مظلوماً ، ولعل أصدق مثالٍ نستحضره تصيير العدو الصهيوني كضحيةٍ من ضحايا الهولكوست أي المذابح التي قام بها هتلر لتصفية الجنس السامي!
أطفال فلسطين هم من يقتلون المحتل الصهيونى بالحجارة !!

وإن ابتعدنا عن السياسية قليلاً ، غيّر الإعلام حتى نظرتنا الأخلاقية فعلى سبيل المثال لا الحصر فازت راقصة مصر الأولى بجائزة الأم المثالية على مستوى الدولة،وأصبحت العلاقة المحرمة بين الجنسين صداقة، والشذوذ له إسمٌ آخر (مثلية)، كلّ ذلك حتى لا نجرح مشاعر الشاذين وننتقص من حقوقهم.

في خضم هذا السيل الإعلامي هل وظّفنا الإعلام لصالح قضايانا؟
هل اقتدينا بسيدة نساء العالمين التي نعيش هذه الأيام ذكرى استشهادها؟ 
السيدة التى قادت حرباً لانزال نعيش صداها إلى يومنا هذا!  
السيدة التي وقفت أمام حزب الشيطان فواجهتم وكشفت زيف إداعاآتهم وفضحت مخططاتهم.  

قادت مظاهرةً نسائيةّ ضد جبهة الباطل بعد أن ارتدت كامل حجابها،اتّجهت مع جملةٍ من نساء قومها وحفدتها يحيطون بها إحاطة السوار بالمعصم ،دخلت المسجد وهو يمثّل مقر الحكم والقضاء في تلك الأيام فوضع القوم بينها وبينهم ملاءة ثم جلست رعايةً منها للستر والحجاب.

ابتدأت خطبتها بأنّةٍ أجهش لها القوم بالبكاء ، وهنا نقف لنتأمل ،كيف كانت هذه الأنّة؟
وكم استغرقت من الوقت؟
هل كانت تعبيراً عن الألم الجسدي نتيجة الضرب والعصر؟
أم عن الألم الأقوى التخاذل والخذلان والرِّدة عن البيعة!   

ثم خرجت كلماتها كالسيل الجارف في خطبةٍ طويلة لا في كلماتها فقط بل ماوراء ذلك من معانٍ لا نستطيع حصرها إلاّ في نقاط : 
أولاً ـ ابتدأت بالحمد والثناء والشكر لله على نعمه ، ومنها نعمة الرسالة والنبوة.  
ثانياً ـ عرّفت بنفسها بقول ( اعلموا أني فاطمة وأبي محمد)1أي أنّها الأحقّ به وأنّها فقط وفقط ابنته(أبي دون نساؤكم)2.
ثالثاً ـ وجّهت خطابها للمهاجرين عامةً وللجبت والطاغوت وأتباعهم خاصة ،مطالبةً بحقها في الإرث ونفت حديثهم الموضوع "أن الأنبياء لايُوّرثون" وأنها ترث كما ورث سليمان داوود.
رابعاً ـ وجّهت خطاب عتابٍ للأنصار لأنهم حضنة الإسلام.  
وأخيراً وضّحت حق ابن عمها وزوجها وصي النبي. 

إنّ مطالبة الزهراء بحقّها في الإرث صرخةٌ في وجه كلّ مظلومٍ قبل الظالم، أن لا يسكت عن المطالبة بحقّه وأن لايتنازل طالما به نَفَس.

وقد يُطرح هنا سؤال : لماذا كانت فاطمة هي من قادت تلك الحرب وليس علياً ؟؟
عندما يتخاذل الجميع ويحوم الخطر ويحدق الشر بإمام الزمان، وتتعرّض حياته للخطر ومن ثمّ يتعرّض الكون كلّه للزوال، تقف فاطمة عليها السلام في المواجهة حمايةً له، تتلقى الضربة عنه.
فعندما تتجمّع قوى الشر لكسر مصباح الإمامة..  تتهشّم الزجاجة حمايةً للمصباح..

أين قبرها ؟
هذا السؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهن كلّ زائرٍ لمدينة أبيها.
أين قبر فاطمة؟
سؤالٌ يسأله الجميع، الموالي وغير الموالي،وقد يتوقّف من هداه الله ليبحث عن الإجابة ، فتتوالى من بعده عشرات الأسئلة بل المئات على ذهنه.
لم دفنت ليلا ؟
من شيّعها؟
ولمّ ؟
وكيف؟
فيعرف الحقيقية المرّة..
أخفت قبرها حتى يبقي الإعلان عن ظلامتها مستمراً..
حتى لاتُطفأ نار ثأرها..

أين قبرها!
صرخةٌ مدوية من ذاك الزمان " يوم الشهادة " إلى يومنا الحاضر تعلن مظلوميتها ومظلومية أبنائها .

لقد قادت مولاتنا الزهراء عليها السلام حرباً إعلاميةً من الطراز الأول، ظروف تلك المرحلة هي من فرضت هذه الحرب ،فلا مكان للسيف بل لا إمكانية لرفعه حيث لم يبقى مع الإمام إلاّ ثلاثةً من الأصحاب فوجب تنفيذ الوصية.

لذا رفعت عليها السلام سلاح الكلمة ،الكلمة التي هي أمضى من السيف وأسرع من السهم، لذا أصبح أسم الزهراء وقضيّتها محظوراً محرماً.

اسمٌ محظور من مناهج التدريس إلاّ من حديثٍ موضوع "لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت" مع استحالة هذا الفعل من سيدة نساء العالمين.  

ففي مناهجنا الدراسية نجد قصةً واحدةً عن فاطمة عن حياتها، طفولتها ،زواجها ،أمومتها ،هذه الأمور ركّزت في أذهان الكل رغماً عنهم أن للنبي أربع بنات آخرهن فتاةٌ تدعى فاطمة تزوّجت علي بن أبي طالب، غُيّبت كما غُيّبت أمها خديجة أحبّ النساء إلى قلب نبي الأمة لتحلّ مكانهن صاحبة الجمل وصويحباتها ثم بنت عبد الملك وزبيدة والخيزران وغيرهن.  

وإن اتّجهنا للمنابر على المستوى الإسلامي والشيعي غُيّب دور الزهراء عليها السلام إلاّ من دور الزوجة، الأم ،الابنة.   

ولكن أين الصورة الأخرى التي نحتاجها جميعاً؟

المجاهدة، المناضلة، المدافعة عن إمام زمانها عندما خذلها الجميع، المطالبة بحقوقها مع حفاظها على حجابها وعفتها.

لماذا لانركّز على هذه الصورة؟
ألسنا في قمة الحاجة إليها؟ 
أليس أبناء وبنات هذا الجيل بأمسّ الحاجة لإظهار هذه الصورة الرائعة للسيدة الزهراء!  

لكن هل انتهت كلمات فاطمة؟
هل انتهت حربها على الظلم؟
هل فقدت " لا" فاطمة  قوّتها وشموخها !!
هل حُوصرت بين طيات كتب التاريخ ؟ فنسيها الجميع أو تناساها!
هل أُخفيت وراء الجدران الأسمنتية الخرساء كمحرابها وموضع ولادتها ،فغدت غير مرئيةٍ إلاّ بعين البصيرة لا البصر!
هل انتصرت جبهة الباطل وكسبت الحرب!
أم أنّ فاطمة كسبت المعركة في حرب الحق الطويلة ؟
هيهات أن تنتصر جبهة الباطل وقد وعد الله {ان يتم نوره ولوكره الكافرون }3،وعدٌ سماويٌ بالنصر وإن طال الزمان..
   
رحلت ورحلوا..
لكن بقيت مظلوميّتها في حربها المفتوحة التي ينهيها حفيدها يوسفها الغائب المغيّب.

المصادر:
1 الخطبة الفدكية بحار الانوار ج ١٤٣
2 الخطبة الفدكية بحار الانوار ج ١٤٣
3سورة التوبة آية ٣٢

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق