(تبيان حق)
هدى المسلم
حينما تجتمع الحكمة مع الخطاب ويتجلّى المنطق بالمعنى ، ليصوّر الجميل و ليعبّر عمّا هو أجمل ؛ ففي قوة الكلام مايجذب الناس ويؤثّر فيهم ، ففي الحكمة مخاطبةٌ لأصحاب العقول الواعية
(وتعيها أذن واعية)1ومن أفضل مايستبصر به الناس الخطابة.
(وآتيناه الحكم وفصل الخطاب)2 فالخطابة :هي القابلية على صياغة الكلام بأسلوبٍ يمكن به التأثير على المخاطب.
والخطبة مثل الرسالة التي لها أول وآخر.
و فيها يستطيع الخطيب ان يوضّح رسالةً مهمةً ، وتكون ذات عمقٍ وإدراك بأسلوبٍ وصياغةٍ مهمة.
يقو ل هرقليطس(تغذية الفكر هي شمس ثانية)3
لذلك كانت الخطابة اللسان المعبر لفكر وتراث أهل البيت
(ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)4
وفي ساحة الأمة هناك صراعٌ مابين الحق والباطل ، و مابين أفكارٍ صائبة واخرى خاطئة ، حتى شعّ نور الحق وبزغ بظهور الحقيقة ، وتبيان ماهو غائبٌ عن الناس وماهم يحاولون إخفاءه ، يقول سيد البلغاء :(ينبئ عن عقل كلّ امرىءٍ لسانه ويدلّ على فضله بيانه)5
وهذا يثبت ماكان حينما خرجت كالشمس بنورها ، خرجت مولاتي الزهراء معلنةً بالحق مناديةٌ به .
خرجت في لمّةً من نساء القوم خاطبةً بين الناس بخطبتها المعروفة بفدك ، التي تعدّ دستورًا كاملًا ومنهجًا واضحٌا .
ولكن إلى ما كانت ترمي في خطبتها؟ومامقصدها منها ؟
هل كانت تطالب بفدك !؟
وماهي فدك؟
فدك هي: بلدةٌ تقع شمال المدينة وقد حصل عليها الرسول دون محاربة اهلها.
بل إنّهم هم من أعطوها إيّاه حقنًا لدمائهم لذلك كانت فدك من حق الرسول ،وبعد نزول اية القربى (وآت ذا القربى حقه )6
وهبها رسول الله لابنته فاطمة ، وأصبحت فدكًا ملكًا للزهراء عليها السلام.
وبعد غياب نوره صلى الله عليه وآله اغتصبت فدك كما اغتصبت الخلافة ؛
لذلك خرجت الزهراء وخطبت خطبتها التي تعدّ مفخرةً للشيعة ، فما كان ألمها على فدك، بل كان ألمها وبكاؤها من أجل إثبات حقٍ لابدّ من إثباته ، ولا احد يستطيع ذلك غيرها .
وفي تلك الظروف لايمكن إثبات الحقيقة التي هي الخلافة الربانية إلا بهذه الطريقة.
فكان قصدها أن تعرّف الناس أنّ الحقّ لمن ومع من ، ففي خطبتها استطاعت أن تبيّن ملامح خطّين : خطّ الحق وخطّ الباطل .
استطاعت أن تثبت في جملة كلامها أنّ الخلافة الربانية من نصيب الإمام علي (تجدوه أبي دون نسائكم وأخ ابن عمي دون رجالكم )7
هنا تخاطب العقول القاصرة الجاهلة، المنكرة لفضلها ومكانتها ، يامن تنكرون مكانتي فأنا بنت محمد ولا احد يدّعي غير ذلك .
وفي قولها أخ ابن عمي، ردًا على عمر عندما أتي بامير المؤمنين لمبايعة أبي بكر
وقال له :بايع وإلا أقتلك ، فقال علي: أتقتل عبد الله واخ رسول الله، قال عمر : أما عبد الله فنعم ، وأما أخ رسول الله فلا)8
تريد أن تثبت حقًا جهلوه وضيعوه بان عليًا اخ رسول الله.
وأنّ وقوفه ضدّهم لم يكن طمعًا في الدنيا وجاهها، وهو الذي طلّقها ثلاثًا لارجعة فيه تاركًا لأهلها ، ومن يتشبّث بها من عبدة الدنيا وأصحابها ،وماكان من كدّه وتعبه إلا لأجل احياء سنة الله في أرضه ، كان عمله كلّه لأجل الله وفي الله.
(وكان مكدودًا في ذات الله)9
وبذلك شرعت في ذمّهم وتوبيخهم ، وماكانت عليه من شدّةٍ وغلظة إلا لإثبات حقٍ من الله لولي الله ، فخطابها كلماتٌ بنت للدين صرحٌ قويم.
استطاعت من خلاله التّأثير على الأمة وصحوتها ،؛فقد كان لها الفضل الكبير فاستيقاظ القلوب الغافلة ، كما أنّ لها الأثر الكبير في رقي الأمة ورفعة شأنها ،في الوقوف ضدّ الباطل ومانراه اليوم ماهو إلا درسٌ من دروس فاطمة في الوقوف ضد الظالم بكلماتٍ هي بمثابة سلاحٍ يرهب العدو.
نعم فعلماؤنا اليوم استطاعوا أن يقفوا في وجه الظالم رغم أنّهم لايملكون السلاح إلا أنّهم يملكون ماهو أقوى منه.
فبوقوفهم يصدحون بكلماتٍ أرهبت ذاك الجبان. . وماهذا إلا نذرٌ يسير ممّا نادت به مولاتي.
فسلامٌ على أرواحٍ سارت على نهج فاطمة.
-----
المصادر
1سورة الحاقة اية(12)
2-سورة ص الآية(20)
3-هرقليطس
4-سورة آل عمران اية(104)
5-نهج البلاغة
6-سورة الاسراء اية(26)
7-الخطبة الفدكية
8-حياة الزهراء بعد ابيها. العلامة فضل القزويني
9-الخطبة الفدكية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق