الدم المقدس
فاطمه الكبرى المطرود
صرخة المطالبة بدم الحسين،شعار الملائكة الملازمين لقبره (1)،نداء يرفعه إمامنا الحجه عجل الله فرجه حين خروجه (2)،راية أنصار المهدي الموعود،وصفٌ وإسمُ ولقب من ألقاب أبي عبد الله عليه السلام السلام(3).
ثار الله...(4)
الثأر في الغة: يأتي بمعنى الدم،ليس كل دم ،بل دم المقتول،وهو الذحل ومعناه إنسان يقتل ولايؤخذ بحق دمه ،أما في الفقه والشريعة فهو(القصاص) أي أنّ ولي المقتول وأقرب الناس لحمه،له حق الأخذ بالقصاص من قاتل قتيله،فهو عبارة عن إدراك القاتل والمعتدي حتى الأخذ بثمن دم المقتول (ظلماً). هذا ماحملته معاني اللغة لهذه العبارة ،إلا أنّه يبقى ماهو أهم وأعمق وهو المعنى العقائدي لكلمة (الثأر) وماتعتقد به مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
كما هو معلوم أنَ الإمام الحسين عليه السلام لم يخرج إلإ من أجل إعلاء كلمة الحق وقمع الباطل كما قال هو عن الداعي لخروجه من مدينة جده: [ماخرجت أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ...] (5)من أجل ذلك كان دمه الشريف ونفسه الزكية ثمناً إذ مُنع من تطبيق شرع الله وإقامة دولة العدل، فهو ثار من أجل الله،حينها نُسب الثأر إليه،والسبب في ذلك ناشيء من أمرين:
❖ لعلو ورفعة ومكانة ومنزلة الإمام عند الله سبحانه ،وقرب الله من عبده الأمر الذي جعل ظلامته مضافةً إليه تعالى.
❖ شدة مظلوميته لعظم مقامه.
فمظلوميته لم يكن لها مثيل فهي وجع التاريخ وما حدثت أذية مثلها على أحد من البشر ،بل وحتى قيام الساعة ،فلهدم الكعبة حجراً حجراً أهون على الله من إراقة دم المؤمن ،فأقل إهانة لصاحب المكانة الرفيعة تكون أشدّ عند (الحبيب) وهو الله من غيره ،كما جاء في الحديث القدسي:
{ من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي ... } (6)
حينما صار الثأر منسوباً إلى الله وليس هناك من يسد المطالبة بحق هذا المظلوم إلاّ هو سبحانه لا سواه،كان الإعتداء على الإمام الحسين اعتداء على الله ،فمعنى العبارة عقائدياً كما يقول الأستاذ الشيخ مكارم الشيرازي: [ أن الله هو الذي يأخذ ثمن دم الإمام الحسين الشهيد ] فالإمام لاملكاً ولا تابعاً لعشيرة أو قبيلة لتطلب بدمه بل هو تابعٌ للذات الإلهية المقدسة لذلك فهو من يتولى ذلك قال تعالى: " الله ولي الذين آمنوا..." (7)
ولكن لماذا عنوان الثأر؟
أوليس الثأر كموضوع يتعارض مع السلم والتسالم البشري؟
هل هو انتقام شعوبي قبلي فاشي ؟
إذن كيف يُضاف إلى الله وهو ليس عنده محاباة ولا نسبة له مع أحدِ؟!
من البديهي أنّ ما في الوجود هو من الواجب سبحانه فمنه المبدأ وإليه كل شيءِ يعود : " إنا لله و إنا إليه راجعون " (8)ولكن الموجودات متغايرة في الأهمية والمقام،فمنها ماهو في غاية الشرف والرفعة لأنها كلمات الله ومظاهره وأسماؤه وصفاته حتى صارت تُنسب إليه مباشرةً مثل ذلك قولنا: ولي الله/ حجة الله/ نبي الله/ روح الله/عبد الله، ومنها(ثار الله) وهو يعني أنّ المعتدي على ولي الله وحجته ومظهر أسمائه هو معتدٍ على الله بالقطع واليقين،علماً أن لا أحد في هذا الوجود يتجرّأ ويتعدّى على الذات الإلهية و أقصى مايملكه من قوى شيطانية هي تلك التي يستطيع من خلالها التعدي على من هم رموز وإشارات معبرةَ عنه جلّ شأنه ،جاء في الزيارة الجامعة:{ السلام على محال معرفة الله } وفي جزء آخر{من عرفكم فقد عرف الله ~ ومن والاكم فقد والى الله ~ومن عاداكم فقد عادى الله ...} (9)ومثلَ ذلك القرآن الكريم فهو لم يمس ولم يحرف ولكن ماحُرف وبُدِل هو ذلك المعنى الدًال على الآية فمن اعتدى على معاني القرآن فهو قطعاً معتدٍ على القرآن مباشرةً،وبالنتيجة يكون قد تجرّأ واعتدى على الله لأنه مُنزلٌ من عنده قال تعالى: " يحرفون الكلم عن مواضعه..." (10).
ومثل ذلك في دنيانا كـ( السفير والدولة ) فمتى أاعتدي عليه فقد تم الإعتداء على الدولة بذاتها مع الفارق الكبير طبعاً، وهو السر في التعبير الإلهي بكلمة عدو الله وأعداء الله ،إذن فالله مؤكداً هوالآخذ بثأره من أعدائه وذلك لأنّ الله تعالى: "ولي الذين آمنوا..." (11)كما أنه هو أيضاً من يدافع عنهم وهو قوله تعالى "إنّ الله يدافع عن الذين آمنوا..." (12)
والحسين خليفة الله في أرضه ،خرج من أجل الله وفي سبيل إقامة حكمه وتشييد دينه ،فقتلوه بتلك الطريقة ،مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيتها في الإسلام وفي جميع السماوات والأرض مصيبة أثّرت في الكون كله ،فما رفع حجر ولا مدر إلاّ وتحته دم عبيط دلالة على غضب الباري، لذا صار الله تعالى هو ولي الدم وهو من ينتقم له، في الواقع أنّ الله رحيم بعباده ولكن ليست الرأفة مطلوبة في كل الأوقات والأحوال فبعض الأمور تحتاج إلى الحزم والعقاب وكما أنّه غفور ُرحيم فهو المنتقم أيضاً،ففي قرآنه يُهدّد من يصطاد مرتين في الحرم المكي بالإنتقام منه قال تعالى" يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم... ومن عاد فينتقم الله منه" (13) فكيف بمن قتل ابن بنت رسول الله و أهل بيته وأصحابه أيضاً.
و يبقى السؤال! وكيف سيثأر الله لدم الحسين ؟
نستطيع القول هنا بأنّ الثأر نوعان: الأول: ثأر شخصي يقوم به ولي دم المقتول ظلماً قال تعالى:" ومن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنّه كان منصوراً " (14) والإمام الحجة هو ابن الإمام الحسين الشهيد المقتول ظلماً وهو أولى بأخذ الثأر من غيره.
الثاني:ثأر ديني رباني عقائدي وكلاهما من صلاحيات الإمام [بقية الله] عليه السلام فهو يدّ الله التي يبطش بها،ومع انتصار المختار إلاّ أنه قد أخذ بجزء من الثأر وكان مرضي الفعل ،حتى قال إمامنا زين العابدين في حقه: { الحمد لله الذي أدركني ثاري من أعدائي، وجزى الله المختار خيراً } (15) ومع ذلك نقول أنّ تمكّن المختار من قتل القاتلين هذا في الواقع ليس ثأراً ،فهو إنّما قتل رجلاً قبال رجل ،أما أنه قتل رجالاً قبال إمام معصوم فلا وألف لا،ممّا يعني أنّ الثار للإمام ليس من مسؤليته، إذ لابد أن يرتقي إلى مراتب حتى ينسب نفسه إلى أنّ الله تعالى أذن له وأمره بالثأر وهذه المسألة ليست متاحة له ولا لغيره فهو لم ينتصر للمشروع الحسيني ولا لقيمه ولا لمبادئه ومن تصوّر أنّ مفهوم ثأر الحسين أمراً شخصياً فهو بذلك قد أساء الأدب مع الله ومع الحسين، فإمامنا ليس شخصاً بقدر ماهو قضية إلهية بحتة قد رسمت معالمها وجسدتها كربلاء.
إذن الثأر الفعلي يكون لمن له علاقة ورابطة وثيقة بالله سبحانه ووليه بالحق، فثأر الإمام الذي من أجله أُريقت تلك الدماء الزاكية لم يتحقّق بعد ولا يوجد من له ارتباط به سبحانه سواه عجل الله فرجه، والله قد جعل من ثأر الإمام الحسين هدفاً لصاحب الزمان فإما لكون [بقية الله] عليه السلام يدّ الله التي يبطش بها،فثأره عليه السلام يكون بمشروع إصلاحي هو المشروع الحسيني مشروع عاشوراء مشروع السلام والعدالة والإنسانية وبالحسين يتحقق هدف المهدي فهو يبدأ بمن سبقه ومن ثم تُفتح أبواب دولة الحق والعدل وتنشر رايتها، تلك هي الدولة المحمدية الخاتمة.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم طلب ثاره مع إمام منصور من أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
(1) بحار الأنوار 44/286 و98/103
(2) منتهى الآمال 1/542
(3) بحار الأنوار52/308
(4) زيارة عاشوراء/ كامل الزيارات لإبن قولويه
(5) بحار الأنوار 44: 329؛ العوالم ،للإمام الحسين عليه السلام
(6) الكافي/الكليني
(7) سورة البقرة /257
(8) سورة البقرة/ 156
(9) الزيارة الجامعه/مفاتيح الجنان/ للشيخ عباس القمي/ص565
(10) سورة المائدة/ 13
(11) سورة البقرة/257
(12) سورةالحج/38
(13) سورة المائدة/95
(14) سورة الإسراء/33
(15) بحار الأنوار/ المجلسي /ج45/385
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق