بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 21 ديسمبر 2014

كخيوط العنكبوت..

كخيوط العنكبوت..

وقُدِرَّ لأسمى روح إنعتقت عن الدنيا برُمتها،أن تُبعث هاديةً مُبشرةً مُنذرة،في أسوأ أمةٍ على صعيد البشرية ،هاهي روحه تحلق قريباً بقرب من فَهِمَ الرسالة وإحتواها ،لينقلب رأساً على عقب،من النقيض إلى النقيض،بل من العدم إلى الوجود،فأيُ حياةٍ تلك التي كانت تحياها قُريش قبل ولادة محمد.

لكن ومع قُربها اللصيق ذاك ،كان التباين والإختلاف،فكلٌ ينهل بحسبه ويأخذ بمقداره لايُزاد أو ينقص،فهي قابليات بني البشر تحجبها الموانع وتنقصها الشروط ،وبذاك تنوعت الأفراد حول جسدٍ نوراني حوى أكمل روح.

وفي خضم ذاك التنافس على الحظوة بشرف القرب،كان صفاء باطن بعضهم كصفاء ظواهرهم ،لازيغ ولاتردد،في حين أظهر البعض الإسلام مُضمراً الكفر ومُبيتاً نوايا الشر.

إن قائداً مُحنكاً كمحمد جمع بين السياسة وعظيم الخلق،بين روحانيةِ المتهجد آناء الليل وأطراف النهار وبين مكنوناتِ علم إحتواها صدره الشريف،لم تكن لتغيب عن ذهنه ضرورة تباين الأفراد حوله وإختلاف وجهات نظرهم بين مؤيدٍ ومخالف،وبين من يقدم مصالحه الشخصيه على مصلحة الإسلام العظمى.

هو النفاق طريقهم الخفي،فلا سبيل لضرب الأمة وتشتيت شملها ولا ستر أقوى في نظرهم لتحقيق مآرب بيتتها نوايا قوم هو أفتك منه ،ليفتضحها وحي رب العالمين.

إذاً كيف السبيل للتعايش مع هؤلاء؟
هِي تلك القوة الخفيه،عين ماطلبه موسى من رب العباد قِبال مدعي الربوبية فرعون( قال ربِ إشرح لي صدري)،لاجيش ولاعتاد،ولاقوةَ بشر،فبسعةِ البحر كان قلبه الشريف،بل أنى للبحر أن يكون بسعةِ ذاك القلب،لكن لامناص من تشبيه المعقول بالمحسوس لتتضح الرؤيا ليس إلاّ.

البحر واسع عميق يزخر بأصنافٍ متباينة من المخلوقات يتغذى الأكبر منها على الضعيف الصغير،لكنه رغم صراعاتها لم يرمي يوماً بأحدها ،وفيه اللؤلؤ والشوك،لكنه أبداً ماقبل أحدها ورفض الآخر،وعليه تسير المراكب محملة بصنوفٍ من البشر وأنواعٍ من الذخائر والمتاع،وماإنتقى الأنفع والأصلح منها يوماً وقذف الآخر بعيداً،تلك هي رحابة الصدر( ألم نشرح لك صدرك)سعةٌ تستقبل بها  أصناف المعارضين حولك دون ضجرٍ أو ضيق،ودون تمييز أو عنصرية.

في القرآن الكريم زخمٌ هائل من الآيات التي تتحدث عن المنافقين،وصفٌ دقيق ،صفاتٌ وعلامات ،فالخطر المتواري بلاشك أشد فتكاً ،معارضةٌ ظاهرة،نوايا مُبيته،عرقلةٌ لأوامر القيادة الربانية المتمثلة في آخر النبوات،تحالفٌ مع العدو الخارجي لتكون الضربة أقوى مراساً،لكن المتتبع المتأمل في سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يلمس جوانب الخلق العظيم،فهاهم يدخلون المسجد النبوي،يصلون كسائر المسلمين،يجلسون في مجلس النبي،يأخذون نصيبهم من العطاء ومن بيت مال المسلمين،فلا تمييز ولا عُنصرية ،رغم ضرورة الحذر والتحذير.

وهاهي كتب التاريخ تمتلئ بالمواقف المخزية من البعض،وكيف قُوبلت بردود فعل من المسلمين ،في حين كانت نظرة رسول السماء هي الأبعد (كلا،إني لاأريد أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه)،(والله إني لأعلم أنه لايُغني عنه من عذاب الله شيئاً ولكني أحب أن أتألف بذلك قومه)،(لا،بل نعفو عنه).

إن مايقابل تلك الصفه هي إستبداد الرأي،ضيق الصدر،الإنفراديه،ولكن ماهي مردودات وأبعاد تلك الصفه؟
إن من يمتلك رحابة الصدر يكون ذا تأثيرٍ قوي فيمن حوله ،فوقع كلامه مختلف،وعندئذٍ يهتز الوجدان ويبدأ التغيير ،وفي المقابل نستطيع القول أنه مهما تكاملت الصفات في بني البشر وافتقر صاحبها لسعة الصدر كان أشبه بريشةٍ في مهب الريح،فهي نهجٍ حياتي شامل،لاتحده جهةٌ دون أخرى،هي نتاجُ علقةٍ لصيقةٍ برب العباد.

اليوم وقبل مايربو على ألفٍ وأربعمائة سنة رحلت تلك الروح لتغفو بسلام،لكن السلام أبى إلاّ أن يرافقها، ليُسَطِر الألم أُولى حكاياه هاهُنا ،فتُكتب الجروح بالدماء،و يبدأ ذوو النفاق بنسج خيوطم ليصنعوا بيتاً هو أوهن من بيت العنكبوت.
أن يكون النفاق مفضوحاً فذاك أهون الأمرين،لكن الأدهى أن يتقمصه من يدعي القرب،فينخدع بدعواه السذج من العامة،وهذا عين ماأبتليت به هذه الأمة،تهنئةٌ ظاهريه للوصي الموعود يحوطها حقد باطني ونوايا بالإنقلاب، ( فلما اختار الله لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) دار أنبيائه ، ظهرَت فِيكُم حسيكة النفاق ..)

وماأشبه اليوم بالأمس ، هي أمةٌ تزعم إنتمائها لآخر النبوات،أخالها إتخذت من محمداً رجل حكايات أو إعجازاً إلهياً يحده زمن ومكان،ونسيت أو تناست أن تصوغ من تلك المواقف منهجاً رسالياً قيادياً سماوياً تسير عليه،فباتت تقتل بإسم الدين،وتشرد بعنوان الإسلام،وترتكب الموبقات متشدقةً بإنتمائها لمحمد في تقولٍ مفضوح لمروايات ملفقةٍ بإسمه.

ز.ع.غ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق