بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 15 ديسمبر 2014

رحلة الرأس الشريف

رحلة الرأس الشريف

لا يخلو التاريخ من حوادث قطع الرؤوس، سواءً كانت علنيّة أم سريّة، فمن قصة نبي الله يحيا  إلى واقعة كربلاء وقطع رأس الامام الحسين (ع) لا تزال الرؤوس تتدحرج حتى يومنا هذا

أمام هذه الظاهرة المتجدّدة اليوم، لا يمكننا سوى أن نتساءل عن دلالاتها والرسالة التي يريد قاطعو الرؤوس إيصالها إلى العالم؟

 

يشهد التاريخ الإسلامي كذلك على حوادث قطع الرؤوس، ولعلّ أكثرها خلودًا في الذاكرة قطع رأس الحسين في واقعة كربلاء ونقله على الحراب من كربلاء إلى دمشق. أراد يزيد من استعراض رأس الحسين على الحراب أن يجعل منه عبرةً لمن يقف في وجهه وقطع الرأس هو التجسيد المادي الوحيد لهذه الدرجات من البطش

كان النظام الأموي قد خطَّط لمراسم الإنتقام من رسول الله صلّى الله عليه وآله، عبر التشهير برأس سبطه الحسين عليه السلام، ونقلِه من بلدٍ إلى بلد،

من أبرز المحاور التي يجب أن يعتني بها  كلّ مؤمن، ما جرى على رأس الإمام الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، بعد شهادته عليه السلام في العاشر من محرّم عام 61 هجريّة

تعمُّد النظام الاموي أن يكون الرّأس الشريف محور كلّ أنشطته الإستعراضية أمر يزيد أن يطوفوا بقافلة الأسارى والرؤوس الطاهرة ، على المدن والقرى الواقعة في الطريق النهري بين العراق والشام ، ليعلن بذلك فرحة انتصاره على آل الرسول     

   وما زالت الآثار المباركة لرأس الحسين وأصحابه ، وللإمام زين العابدين وزينب الكبرى   في كثير من نقاط هذا الطريق على شكل مزارات ومشاهد يقصدها الناس ويتوسلون فيها الى الله تعالى بأهل البيت  فيستجيب دعاءهم ويقضي حاجاتهم

 

لنتتبّع ما جرى على «رأس الحسين»، بعد شهادته عليه السلام

إرساله الى الكوفة يوم العاشر من محرم

 1/ مشهد/ مسجد الحنانة: موقعه شمال شرق «النجف» على يسار الذاهب إلى «الكوفة». ومن الثابت أنّه كان قديماً عبارة عن «قائم»، أي نصب مبنيّ عموديّاً، في الموضع الذي أُودع فيه رأس الإمام الحسين عليه السلام وقيل عندما  وصل موكب السبايا إلى تخوم الكوفة ليل الثاني عشر من محرّم، فبات هناك، ولم يدخل المدينة، لِحِرْصِ عبيدالله بن زياد على أن يكون دخولهم إلى المدينة استعراضيّاً بالجُند والسلاح ومظاهر الزينة. والرّاجح أنّ الموضع الذي باتوا فيه هو الذي يُعرف اليوم بمشهد الحنانة

2/وجدَ حاملً الرّأس أنّ «قصر الإمارة مُغلَق»، فأخذه معه إلى بيته وضعَ «الرّأس الشريف» في زاويةٍ في ساحة منزله، وقد أثبتت ذلك المصادر الشيعيّة والسنيّة المُعتبرَة

صلبُ «الرّأس الشريف» في الكوفة

أمر ابنُ زياد برأسِ الحسين عليه السلام فطِيفَ به في سِكك الكوفة

إدخالُ الرّأس مع «موكب السبايا» إلى قصر الإمارة

 3/إرسالُ الرّأس إلى الشام

 1*مشهد المُوصل: وهي مدينة في شمال «العراق» اليوم على شاطىء نهر دجلة. تبعد عن الكوفة زهاء 600 كلم. وكان فيها إلى القرن السابع للهجرة/ الثالث عشر للميلاد مشهدٌ يُسمّى «مشهد رأس الحسين»،.

في (نفس المهموم )فإنّ القوم لمّا أرادوا أن يدخلوا الموصل أرسلوا إلى عامله أن يُهيّئ لهم الزاد والعلوفة وأن يزيّن لهم البلدة، فاتّفق أهل الموصل أن يهيّئوا لهم ما أرادوا وأن يستدعوا منهم أن لا يدخلوا البلدة، بل ينـزلون خارجها ويسيرون من غير أن يدخلوا فيها، فنـزلوا ظاهر البلد على فرسخٍ منها ووضعوا الرأس الشريف على صخرة، فقطرَت عليها قطرة دم من الرّأس المكرّم فصارت تنبع ويغلي منها الدم كلّ سنة في يوم عاشوراء، وكان الناس يجتمعون عندها من الأطراف ويُقيمون مراسم العزاء والمآتم في كلّ عاشوراء، وبقِي هذا إلى عبد الملك بن مروان فأمر بنقل الحجر فلم يُرَ بعد ذلك منه أثر، ولكن بنوا على ذلك المقام قبّة سمّوها مشهد النقطة

وفي (الكامل البهائي): أنّ حاملي الرأس الشريف كانوا يخافون من قبائل العرب أن يخرجوا عليهم ويأخذوا الرّأس منهم،

فتركوا الطريق المعروف وأخذوا من غير الطريق لذلك، وكلّما وصلوا إلى قبيلةٍ طلبوا منهم العلوفة وقالوا معنا رأسُ خارجيّ

- 2*مشاهد نَصيبين: وهي مدينة في «تركيا اليوم»، على نهرٍ صغيرٍ بين نهرَي دجلة والفرات،قريبة من الحدود السورية

وفيها ثلاثة مشاهد:

أ‌- مسجد الامام زين العابدين عليه السلام.

ب‌- مشهد الرّأس في أحد أسواقها، حيث عُلّق الرأس الشريف في طريق الموكب إلى الشام.

ت‌- مشهد النقطة، يُقال إنّه من دَم الرّأس هناك. قال في (نفَس المهموم): لمّا وصلوا إلى نَصيبين أمر منصور بنُ إلياس بتزيين البلدة، فزيّنوها بأكثر من ألف مرآة، فأراد الملعون الذي كان معه رأس الحسين عليه السلام أن يدخل البلد فلم يُطِعْه فرسه، فبدّله بفرس آخر فلم يُطِعه، وهكذا. فإذا بالرأس الشريف قد سقط إلى الأرض، فأخذه إبراهيم الموصلي فتأمل فيه فوجده رأس الحسين عليه السلام فلامهم ووبّخهم فقتله أهل الشام، ثمّ جعلوا الرأس في خارج البلد ولم يدخلوه به. قلت: ولعلّ مسقطَ الرأس الشريف صار مشهداً.

3*مشهد بالس/ المسكنة: هي أوّل بلدٍ من بلدان «الشام» من جهة الغرب للقادم من «الجزيرة». كانت يوم نزل فيها موكب السبايا على شاطىء نهر الفرات، لكنّ مجرى النهر صار بعيداً عنها مع مرور الزمن، ثمّ غطّى أطلالَها بعد بناء السدّ الذي أنشأ «بحيرة الأسد»، والقرية المعروفة اليوم بالإسم نفسه قرية جديدة. أمّا ما بقي من القرية القديمة، فمَشهدان:

أ‌- «مشهد الطُّرح». أي الحمْل الذي طرحته أمّه قبل أوانه. فهذا مشهدٌ بُنيَ على المكان الذي دُفن فيه أحدُ الأجنّة.

ب‌- «مشهد الحجر. يقال إنّ رأس الحسين رضي الله عنه وُضع هناك عندما عبروا بالسّبي» كما في (الإشارات) للهَروي.

وكِلا المشهدين على الضفّة اليُمنى لـ «بحيرة الأسد»، على تلٍّ تحيط به مياه البحيرة من ثلاث جهات، يتوسّط مقبرة قديمة. ممّا يدلّ على أنّ الناس كانوا يدفنون موتاهم قُرب المشهد تبرّكاً به.

4*مشهد «جبل جوشن»: هو مرتفعٌ صخريّ غرب «حلب» القديمة. كان خارجَ السّور يوم مرور الموكب، وغدا اليوم ضمن أحد أحياء المدينة المستحدَثة. وكان في الموقع -عند مرور موكب السبايا- ديرٌ يُسمّى «دير البيعتين» أو «دير مرّوثا»، ».

والظاهر أنّ واقعة تحوّل هذا الدير إلى مشهد هي أصل الرّوايات الكثيرة التي تقول إنّ الرّأس الشريف وُضع في بعض مراحل الطريق لدى راهبٍ في دير

قصّة الراهب الذي دفع عشرة آلاف درهم، ليَبقى الرّأسُ عنده، واحتمالٌ معتدٌّ به جدّاً، حول أنّ هذا الراهب نحتَ شكلَ الرّأس الشريف على صخرة، يحتفظ بها أحدُ المتاحف العالميّة.

والموجود الآن في الموقع، المشهدُ المُسمّى مشهد رأس الحسين

يتحدّث الهَروي عن مشهدٍ ثالث في الموضع عينه هو غربيّ البلد مشهد الدّكّة. به قبر المُحسّن بن الحسين رضي الله عنه».

قال المحدّث القمّي: إعلم أنّ في قرب حلب مشهداً يُسمّى بمشهد السّقط على جبل جوشن ".." وهو جبل مطلّ على حلب في غربيّها

5*مشهد حماه: وفيها مشهد للرأس أيضاً، في حيٍّ من أحياء المدينة، بالقرب من قلعتِها. والمُلاحَظ أنّ هذا أوّل مشهدٍ داخل تجمّع سكّاني كبير بحجم مدينةٍ في ذلك الأوان. الأمر الذي كان قادة الرّكب يتجنّبونه، خشيةَ اتّصال النّاس ببعض مَن كان في الرّكب، ممّا قد يترتّب عليه معرفة الهويّة الحقيقيّة لأصحاب الرّؤوس وللسبايا.

والذي يبدو أنّ العلّة في هذه الخصوصيّة هي وجود القلعة، التي يبدو أنّ قادة الرّكب نزلوها بمن معهم من نسوة أهل البيت عليهم السلام، بحيث لم يكونوا مضطرّين إلى نزول مكانٍ منعزل، لأنّ نزولهم داخل القلعة يمنع اتّصال الناس بهم.

والمشهد اليوم غدا مسجداً اسمُه مسجد الحسنين

6*مشهد حمص: مكان المشهد اليوم في شارع أبي الهول بالمدينة القديمة. عُرف لمدّة بـ «الزاوية الحسنويّة»، وهو عبارة عن قطعة أرض موقوفة.

والأمر الذي كان معروفاً بين أهل المدينة حتّى وقتٍ غير بعيد أنّ الزاوية الحسنويّة كانت مِن قبلُ مشهداً للإمام الحسين عليه السلام، ثمّ عُرف المكان باسم «جامع عليّ والحسين»، ثمّ جُعل زاوية، وانتهى قطعة أرضٍ بور، محميّةٍ لما لها من صفة وقفيّة

7*مشهد بعلبك: وفيها مسجدٌ قديم خرِب، موقعه إلى جانب البركة المتكوّنة من نبع «رأس العين» المعروف. وما بقي منه يدلّ على ما كان عليه في الماضي من عَظَمة وجلال.

والمتداول بين أهل المدينة أنّ أصلَه مشهدٌ أُنشىء في المكان الذي نزله موكب السبايا القادم من «حمص» في طريقه إلى «دمشق». ومن الثابت المؤكّد أنّ الرّكب مرّ بـ «بعلبك» ونزلها، وأنّ أهل المدينة المضلّلين استقبلوه بمظاهر الزّينة والفرح.

و الإسم المتداول على ألسِنة الناس لهذا المكان هو «مسجد/ مشهد رأس الإمام الحسين عليه السلام» ولكنّ الإسم المدوّن في سجلّات مديريّة الآثار اللبنانيّة هو «مسجد الظاهر بيبرس»ـ).

لكن الذي يؤخذ من الأدلّة والوثائق أنّ بيبرس هذا لا شأن له ببناء المشهد من قريب أو بعيد، وإنّما جرى تجديده بأمرٍ منه

إدخالُ الرّأس إلى يزيد أول مرّة،.6/

8*مَشهد دمشق

مشهد الرأس وهو في بناءٍ مستقلّ، ملاصقٍ للجامع الأموي من شرقيّه، وقد بُني مؤخّراً بناءً متقناً وزُيّن من الداخل بهندسة إسلاميّة جميلة، وهو اليوم من المزارات المعروفة المقصودة.

ومكانه جنب المسجد الأموي ، وله ذكرٌ عريض في تواريخ «دمشق»، وقد يُسمّى في بعضها القليل «مشهد عليّ بن الحسين». والظاهر أنّ تخصيص المشهد باسمه عليه السلام لأنّه كان يُشاهد فيه وهو يُصلّي أو يجلس، أثناء المدّة التي قضاها في «دمشق»..

- 7/إرسالُ الرّأس الشريف إلى المدينة المنوّرة، وما قاله بعضُ عتاة الأمويّين، عندما سمع أصواتَ النوائح، وقول الطاغية عمرو بن سعيد ما قاله يزيد قبلَه: «يومٌ بيومِ بدر».

8/إرسالُ الرّأس الشريف إلى عسقلان، ومصر

مشهدُ عسقلان الذي ذكرَه ابنُ شهراشوب، فقد ورد ذِكرُه أيضاً في تاريخ ابن خلّكان، وأيّده ابن بطوطة فذكره في رحلتِه، وقال: «مسجد عظيم سامي العلوّ»، مشيراً إلى أنّ الرّأس الشريف دُفن فيه قبل نقله إلى القاهرة [على الرواية التي تقول بذلك]، وكذا قال الهرَوي في (الإشارات)، وأنّ الرأس الشريف نُقل إلى القاهرة عندما استولى الفرنجة على عسقلان

قد اختلف المؤرخون وأرباب المقاتل حول قضية مدفن رأس الإمام الحسين عليه السلام ولكن هذا الإختلاف ليس جوهريا بقدر ماهو كان نتيجة اندثار لبعض الحقائق التأريخية والروائية وكان هذا الإختلاف على نحو الزمان والمكان.. وهناك أقوال كثيرة وأكتفي بذكر ثلاثة منها:

1/ذكروا بأن الرأس أعيد في يوم الأربعين في العشرين من صفر... وهو قول يذهب إليه بعض المحققين ويضعفه ويقول: أن المتتبع للرحلة التي قام بها الأسرى والسبايا وطوافهم بالبلاد وفي مختلف الطرق الطويلة يستبعد أن يتم إرجاع الرأس في يوم الأربعين..

2/هناك رواية تقول: بأن الرأس أعيد في شهر شعبان... وهو ما يرويه الحاج عباس القمي عن أستاذه العلامة النوري صاحب كتاب"مستدرك الوسائل" قال:أن الرأس رجع في شهر شعبان وهو قول معقول حيث تتم الرحلة الطويلة ذهابا وإيابا خلال ستة أشهر...

3/ذكروابأن الرأس وصل مع السبايا إلى كربلاء في الأربعين وهو يوم العشرين من شهر صفرمن السنة التالية لمقتل الحسين عليه السلام...

وهناك من يؤكد لقاء جابر الصحابي الجليل الكبير جابر بن عبدالله الأنصاري بالإمام زين العابدين في كربلاء ولكن في السنة التالية لمقتل الحسين عليه السلام وليس في السنة نفسها أي في سنة 62للهجرة الشريفة.

وهناك أقوال كثيرة واختلافات مكانية وزمانية متعددة في موضع دفن رأس الحسين سلام الله تعالى عليه فمنهم من ذهب أنه دفن في مصر وقول في الشام وقول آخر في النجف الأشرف ورواية تقول في المدينة المنورة إلى آخره

من خلال تتبعنا للروايات والتدقيق في صحتها وثقة رواتها الأعلام الأفاضل الثقاة نرى بأن هذه النصوص تكتفي بالحديث عن رد الرأس الأطهر للمولى الشهيد عليه السلام إلى موضع مدفنه ولحده في كربلاء المقدسة 

المصادر:
المركز الاسلامي
موقع الشيخ حسين كوراني
مجلة شعائر
.................
بقلم الاخت
زكية آل جعفر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق