بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014

صناعة القادة في منهج الإمام الحسن المجتبى عليه السلام.

صناعة القادة في منهج الإمام الحسن المجتبى عليه السلام.

رُبما كان البدء بتعريف القائد أمراً لا طائل منه، لكونه أقرب للمعلومة البديهية للأعم الأغلب منا، لكن لا بأس بذكره.

يُعرف القائد لغة: اسم، وهو من يقود الجيش، ويُقال: قاد الجيش ونحوه: أي ترأسه وتدبر أمره، ولعل من أشهر تعريفاته: أنه من يستطيع التأثير في الناس ليحققوا هدفهم المشترك.

القيادة ظاهرةٌ اجتماعية ، ضرورةٌ لتنظيم أفراد المجتمع، الحاجة للقادة لا تقتصر على ميادين الحرب، بل تتعداها إلى كافة جوانب الحياة.

ما هي حاجتنا للقائد اليوم؟

الاستعمار ما راوح مكانه:

إنما تغيرت سياسته وحسب، خرج ليعود من نافذةٍ أوسع وأسرع، مُمتطياً أبناء البلد الذين تربوا في مدارسه وتشربوا مناهجه وفكره، ليعودوا وهمهم الأكبر تقليد الغرب وربط المجتمع قدر الإمكان بالفكر والنهج الاستعماري، العدو ذكي يعلم بأهمية التركيز على تربية الكفاءات والكوادر ،فلِم لا نستفيد من ذات السلاح لكن بوجهة أُخرى عن طريق تربية الشباب العامل ضمن برنامج إسلامي.

القائد حاجةٌ ثورية:

التوقُ للحرية هدفٌ ينشده الثائرون في أقاصي العالم، اليوم أينما يممنا وجهنا رأينا ثورة هنا وأخرى هناك، لكننا نرى التقهقر والاندثار بعد حين رغم قوة التحرك وضخامته وقوة الهدف وكثرة القرابين المستشهدة، لنتساءل ماوراء هذا الإخفاق؟ إن ذلك يكمن في الافتقار للقيادة الرسالية المخلصة التي تمثل الرأس وكذا الكوادر التي تمثل حلقة الوصل بين القائد والجمهور، ثم إن سرقة الثورة ديدن العدو وشغله الشاغل، عن طريق إبراز تيارات عملية على السطح جاهزةً للتصدي ساعة ما تحين الفرصة، العدو حاذق يلعب من جهتين إحداهما تشويه صورة العلماء الرساليين و الآخر تلميع صورة الشخصيات المرتبطة به.

ولاستمرار التحرك كانت الحاجة للقائد:

إن الثورة على الواقع الفاسد عملية شاقة وطويلة، قد ينقضي جيل كامل دون أن تكتحل نواظرهم برؤية رايات النصر، ثم إن العدو لن يجلس جلسة المتفرج أمام حركة الثوار، فتراه يُخطط ويقتل ولا يتورع عن أي قبيح يراه مُناسباً لفرض سيطرته، لذا كان من الخطأ الاعتماد على عدد محدود من القادة لأن ذلك سيُسهم في محدودية التحرك وعدم استمراريته، وإنما كان انتصار رسول الإسلام بداية البعثة بسبب تربيته للمسلمين حتى يتحولوا من قادةٍ بالقوة إلى قادةٍ بالفعل ساعة تطلب الأمر ذلك، وكذا الحال في بقاء حركة التشيع عبر التاريخ رغم المجازر والتنكيل.

طبيعة الصراع:

الصراع مع العدو صراع حضاري، فلا يكفي فيه هدم الأسس التي يعتمد عليها بل لابُد من إيجاد البديل الأفضل قبل وأثناء عمليه الهدم، وهذا ما يقتضي وجود صفات معينة في القادة حتى يُسدَّ النقص الكمي بزيادةٍ كيفيه في الصفات والقدرات.

إن تحديد العنصر الفعال في الثورة أمرٌ مختلف فيه ، فالبعض يعتمد على السلاح( العنف لا يرفعه إلاّ العنف) ، والبعض الآخر يتوسل بتغير وتبدل وسائل الإنتاج، أما الرؤية الإسلامية فهي رؤية مختلفة تتوجه للإنسان وتصيغه صياغة جديدة وُفق أسس خاصة، لذا نرى أهل البيت عليهم السلام يركزون على هذا الجانب ويولوه رعايةً خاصة .

المواصفات العامة للتربية الرسالية:

تربية متكاملة شاملة:

لابدَّ أن يكون التغيير جذرياً وشاملاً بدءاً بالنية ومروراً بعدد هائل من التعاليم الأخلاقية والواجبات العبادية وانتهاءاً بتقرير نوعية العمل السياسي والعسكري، وكذا السلوكيات وطريقة التعامل مع المجتمع.

رُبما من السهل جداً أن يتخصص الفرد في مجالٍ ما، لكن أن يكون مقاتلاً ثورياً وعالماً فاضلاً عارفاً بالإسلام وخبيراً بالأوضاع السياسية والاجتماعية وقادراً على الخروج من صراعاتها بنجاح، أن تجتمع في شخصيةٍ ما هذه الجوانب التي تبدو متناقضةً نوعاً ما لهو من العسير جداً، لكننا نلمس ذاك في حياة الآل وحوارييهم.

تربية واقعية:

عندما يُراد إثارة أي فرد للانخراط ضمن الثائرين هناك طريقان لا ثالث لهما، الأول: منهج الخيال حيث تُقدم الوعود المحفزة من الحظوة بمكافأةٍ ما وإن كان واقعها الوهم.

الثاني: منهج الواقع والمواجهة بالحقيقة: حيث البوح بما يُتوقع ، بانتمائك لهذا الخط الرسالي سوف تُقتل وتشرد وتُسجن ، سوف يأتيك البلاء من كل حدبٍ وصوب، وقد يطول أمده.

بلا شك فإن المنهج الأول هو الأقدر على الاستقطاب والأقرب لقبول الناس لكنه على المدى البعيد خاسرٌ لا محالة، وهو منهج الأعم الأغلب من الحركات الغير إسلامية

المنهج الثاني رغم كونه أقل قدرةً على الاستقطاب حيث الدعوة إلى ما لا رغبةً فيه، إلاّ أنه منهجٌ سليم وهو ما اتبعه الآل عليهم السلام عبر الإخبار بالواقع ، يقول الصادق من آل محمد عليهم السلام ( إن أهل الحق لم يزالوا منذ كانوا في شدةٍ أما إن ذلك إلى مدةٍ قريبه وعافية طويلة).

تربيةً حازمة:

عندما نتحدث عن أفرادٍ عاديين ربما يكون من الأفضل اعتماد مبدأ التشجيع الدائم ورفع المعنويات والتغاضي عن الأخطاء والسلبيات بعض الشيء، لكننا حين نتحدث عن قادةٍ رساليين فإن الوضع لاشك يختلف، لكونهم قادة المجتمع ، طليعة القوم ، في موضع القدوة ، فخطأ أحدهم يجر الوبال إلى الجميع وسيئة الواحد منهم قد تُسنُ في المجتمع، فلا بد أن تكون التربية حازمة تشير إلى مواضع القوة مؤكدةً عليها ومُشجعة وتشير إلى مواضع الضعف والمرض فتستأصلها وتقطع جذورها.

وما قادة جيش المولى الحسن عليه السلام في حربه مع معاوية لعنه الله إلاّ مصاديق جلية لقادةٍ باعوا آخرتهم بالأخس الأرذل من الدنيا فسار عليها بعض من كان ينظر إليهم نظرة المثل والقدوة ( الكندي- رجلٌ من مراد- عبيدالله بن العباس).

منهج الآل في إعداد القادة:

البناء الروحي للقادة:

إن بداية الطرق تكمن في تزكية الدوافع، عبر تربية روحية متقدمة ، فلا شيء يصنع القوة كالاعتماد على القوة المطلقة والقدرة المطلقة، وبنظرةٍ لتاريخ الآل نجد تجلي هذا الجانب بوضوح في تربيتهم وإعدادهم للقادة الرساليين وكان من أهم الأساليب المتبعة:

أ/ الدعاء: فقد خلفوا لنا زخماً هائلاً من الأدعية تلك الحلقة الروحية في الخطاب مع المولى عز وجل، ورغم أن الدعاء والمناجاة هي نوعٌ من علقةٍ خاصة بين العبد وربه، اعتراف بالتقصير وبوحٌ بالخطايا والذنوب وطلبٌ لمغفرةِ ربٍ رحيم، إلاّ أننا نجد أن الأئمة عليهم السلام كانوا يحرصون على نقل هذه الأدعية وتحميلها لأصحابهم  حتى عُرفت بعضها بأسمائهم ، إن تصرفهم ذاك لم يكن عبثا أو صدفة وإنما كان من صميم المنهج الذي أرادوه لبناء كوادرهم وإلاّ لكان ممكناً أن يدعوا المعصوم بهذه الأدعية في جوف الليل دون إطلاع لقريب أو بعيد عليها، وللمولى الحسن بن علي عليه السلام بحرٌ زاخرٌ من الأدعية منها(يا مَن إليه يفرّ الهاربون، وبهِ يستأنسُ المُستوحشون صلِّ على محمّد وآله، واجعل أُنسي بك فقد ضاقَت عنّي بلادُك، واجعَل توكُّلي عليك فقد مال عليَّ أعداؤك، أللّهُمَّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد، واجعلني بكَ أَصولُ، وبكَ أَجولُ، وعليك أتوكَّل، وإليك أُنيبُ ،أللّهُمَّ وما وَصَفْتُكَ من صفةٍ أو دَعَوْتُك مِن دعاءٍ يوافق ذلك محبَّتَكَ ورضوانَكَ ومرضاتكَ فأَحْيِيني على ذلك، وأَمِتْني عليه، وما كرهْتَ من ذلك فَخُذ بناصيتي إلى ما تحبُّ وترضى، بُؤْتُ إليك ربِّي مِن ذنوبي، وأستغفرُكَ مِن جرمي، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله، لا إله إلَّا هو الحليمُ الكريمُ، وصلَّى اللهُ على محمَّدٍ وآلهِ، واكفِنا مُهمَّ الدُّنيا والآخرةِ في عافيةٍ يا ربَّ العالمين).

ب/ الوصايا والمفردات الروحية: في وصايا المعصومين نجد أنهم يفتتحون وصاياهم لخواصهم بالتأكيد على عدد من المفردات تصب في قناة التربية الروحية وتعتبر إطاراً جامعاً لعمل المؤمن وحركته في الحياة كالتقوى والزهد والتذكير بالموت ، ومع أبي محمدٍ الحسن بن علي نلمس هذا الأمر بجلاء في وصيته لجنادة ،( استعد لِسَفَرِكَ، وحَصِّلْ زَادَكَ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِكَ، واعْلَمْ أَنَّكَ تَطْلُبُ الدُّنْيَا والْمَوْتُ يَطْلُبُكَ.وَلا تَحْمِلْ هَمَّ يَوْمِكَ الَّذِي لَمْ يَأْتِ عَلَى يَوْمِكَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ.وَاعْلَمْ أَنَّكَ لا تَكْسِبُ مِنَ الْمَالِ شَيْئاً فَوْقَ قُوتِكَ إِلاّ كُنْتَ فِيهِ خَازِناً لِغَيْرِكَ.وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَلالِهَا حِسَابٌ، وفِي حَرَامِهَا عِقَابٌ، وفِي الشُّبُهَاتِ عِتَابٌ، فَأَنْزِلِ الدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ، خُذْ مِنْهَا مَا يَكْفِيكَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَلالاً كُنْتَ قَدْ زَهِدْتَ فِيهَا، وإِنْ كَانَ حَرَاماً لَمْ يَكُنْ فِيهِ وِزْرٌ، فَأَخَذْتَ كَمَا أَخَذْتَ مِنَ الْمَيْتَةِ، وإِنْ كَانَ الْعِتَابُ فَإِنَّ الْعِتَابَ يَسِيرٌ.وَ اعْمَلْ لِدُنْيَاكَ كَأَنَّكَ تَعِيشُ أَبَداً، واعْمَلْ لآِخِرَتِكَ كَأَنَّكَ تَمُوتُ غَداً.وَإِذَا أَرَدْتَ عِزّاً بِلا عَشِيرَةٍ، وَهَيْبَةً بِلا سُلْطَانٍ، فَاخْرُجْ مِنْ ذُلِّ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِلَى عِزِّ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ.وَإِذَا نَازَعَتْكَ إِلَى صُحْبَةِ الرِّجَالِ حَاجَةٌ فَاصْحَبْ مَنْ إِذَا صَحِبْتَهُ زَانَكَ، وإِذَا خَدَمْتَهُ صَانَكَ، وإِذَا أَرَدْتَ مِنْهُ مَعُونَةً أَعَانَكَ، وإِنْ قُلْتَ صَدَّقَ قَوْلَكَ، وإِنْ صُلْتَ شَدَّ صَوْلَكَ، وإِنْ مَدَدْتَ يَدَكَ بِفَضْلٍ مَدَّهَا، وإِنْ بَدَتْ عَنْكَ ثُلْمَةٌ سَدَّهَا، وإِنْ رَأَى مِنْكَ حَسَنَةً عَدَّهَا، وإِنْ سَأَلْتَهُ أَعْطَاكَ، وإِنْ سَكَتَّ عَنْهُ ابْتَدَأَكَ، وإِنْ نَزَلَتْ إِحْدَى الْمُلِمَّاتِ بِهِ سَاءَكَ،‏ مَنْ لا تَأْتِيكَ مِنْهُ الْبَوَائِقُ، ولا يَخْتَلِفُ عَلَيْكَ مِنْهُ الطَّرَائِقُ، ولا يَخْذُلُكَ عِنْدَ الْحَقَائِقِ، وإِنْ تَنَازَعْتُمَا مُنْقَسِماً آثَرَكَ) .

ج/ البرامج العملية :إضافةً لما سبق هناك عدداً من البرامج العملية التي تدخل كأحد الفقرات الهامة في صلب برنامج الإنسان المؤمن ولها أثر هام في تزكية المرء وإخلاص نيته وإيمانه وبالتالي في الصمود والاستقامة في العمل الرسالي ومن أبرزها قيام الليل.

البناء السياسي للقادة:

بمقدار ما تكون الحركة واعيةً سياساً تكون قادرةً على اكتساب النصر أكثر، والعكس صحيح، وعليه فلا بد من تشخيص المرحلة ووضع النظام الحاكم ومعرفة الدور المطلوب، وهذا مايُفسر بوضوح تنوع أدوار الأئمة عليهم السلام رغم حملهم لرسالةٍ وهدفٍ واحد، ولقد سلك عليهم السلام في تربية كوادرهم سياسياً عدة نواحي منها:

أ/ توضيح الموقف تجاه الأحداث: فكان عليهم السلام يبينون لأصحابهم أبعاد الحركات التي كانت تحدث في المجتمع والموقف الذي ينبغي أن يُتخذ تجاهها، إما مُباشرةً وإما بعد سؤالٍ من أحدهم، وفي مواقف الإمام الحسن عليه السلام ضد معاوية نقرأ ذلك، روى سليم بن قيس رحمه الله  ، قال: (قام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام على المنبر حين اجتمع مع معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ، إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلاً ولم أر نفسي لها أهلاً ، وكذب معاوية ! أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبي الله . فأقسم بالله لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها ولما طمعت فيها يا معاوية . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما ولَّتْ أمةٌ أمرها رجلاً قطُّ وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ملة عبدة العجل ! وقد ترك بنو إسرائيل هارون واعتكفوا على العجل وهم يعلمون أن هارون خليفة موسى ! وقد تركت الأمة علياً وقد سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة فلا نبي بعدي . وقد هرب رسول الله صلى الله عليه وآله من قومه وهو يدعوهم إلى الله حتى فرَّ إلى الغار ، ولو وجد عليهم أعواناً ما هرب منهم . ولو وجدتُ أعواناً ما بايعتك يا معاوية ! وقد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه ولم يجد عليهم أعواناً ، وقد جعل الله النبي صلى الله عليه وآله في سعة حين فرَّ من قومه لما لم يجد أعواناً عليهم ، وكذلك أنا وأبي في سعة من الله حين تركتنا الأمة وبايعت غيرنا ولم نجد أعواناً . وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضاً .أيها الناس ، إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب ، لم تجدوا رجلاً من ولد النبي غيري وغير أخي).

وفي حديث أبو سعيد عقيصا قال : قلت للحسن ابن على بن أبى طالب عليهما السلام : يابن رسول الله لم داهنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحق لك دونه وان معاوية ضال باغ ؟ فقال : يا أبا سعيد ألست حجة الله على خلقه وإماما عليهم بعد أبى عليه السلام ؟ قلت : بلى . قال : ألست الذي قال رسول الله " ص " لي ولأخي هذان ولداي إمامان قاما أو قعدا ؟ قلت : بلى قال : فانا إذن إمام لو قمت وأنا أمام لو قعدت ، يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله " ص " لبني ضمرة وبنى أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل ، يا أبا سعيد إذا كنت أماما من قبل الله تعالى لم يجز أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة وان كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا ، ألا ترى الخضر عليه السلام لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى عليه السلام فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي هكذا أنا ، سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة ، ولو لا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل).

ب/ التأكيد على القيادة الشرعية: فقد كان الأئمة عليهم السلام يُصرحون بفساد الحكومات الجائرة والعوائل التي نزت على منبر رسول الله (ص)، مُحذرين الأمة من السير ورائها لأنها تُوردهم موارد الهلكة، وكذا كانوا ينصون على إمامة الأئمة (ع) ويخبرون خواصهم بذلك، رُوي أنَّ عمرو بن العاص قال لمعاوية : إنَّ الحسن بن علي رجل عَيِيٌّ ، وإنه إذا صعد المنبر ورَمَقوه بأبصارهم خَجَل وانقطع ، لو أذنتَ له .فقال معاوية : يا أبا محمَّد ، لو صعدت المنبر ووعظتنا .فقام ( عليه السلام ) ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمَّ قال : ( مَن عرفني فقد عرفني ، ومَن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليٍّ ، وابن سيدة النِّساء فاطمة ( عليها السلام ) ، بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .أنا ابن رسول الله ، أنا ابن نبيِّ الله ، أنا ابن السراج المنير ، أنا ابن البشير النَّذير ، أنا ابن من بُعث رحمة للعالمين ، أنا ابن من بُعث إلى الجنِّ والإنس .أنا ابن خير خلق الله بعد رسول الله ، أنا ابن صاحب الفضائل ، أنا ابن صاحب المعجزات والدَّلائل .أنا ابن أمير المؤمنين ، أنا المدفوع عن حَقِّي ، أنا واحدُ سَيِّدَي شباب أهل الجنَّة ، أنا ابن الُّركن والمقام ، أنا ابن مَكَّة ومنى ، أنا ابن المشعر وعرفات ) .فاغتاظ معاوية وقال : خُذْ في نعت الرُطب ودعْ ذا .فقال ( عليه السلام ) : ( الرِّيح تنفخه ، والحرُّ يُنضجُه ، وبرد اللَّيل يطيِّبُه ) .ثمَّ عاد ( عليه السلام ) فقال : ( أنَا ابنُ الشفيع المُطاع ، أنا ابن من قَاتَل معه الملائكة ، أنا ابن مَنْ خَضَعت له قريش ، أنا ابن إمام الخَلقِ ، وابن مُحمَّد رسول الله ) .فخشي معاوية أن يفتتن به الناس ، فقال : يا أبا محمَّد انزل ، فقد كفى ما جرى .فنزل فقال له معاوية : ظننتَ أن ستكون خليفة ، وما أنت وذاك ؟!فقال الحسن ( عليه السلام ) : ( إنَّما الخليفة من سار بكتاب الله ، وسُنَّة رسول الله ، ليس الخليفة من سار بالجور ، وعطَّل السُنَّة ، واتَّخذ الدُّنيا أباً وأُمّاً ، ملك ملكاً مُتِّع به قليلاً ، ثمَّ تنقطع لذَّته ، وتبقى تَبِعَتُه ) .

البناء الفكري للقادة:

إن حركة الإنسان رهينة ما يحمل من فكرٍ وثقافة، فإذا وُجد شخص ذا خُلقٍ حسن طيب السيرة خدوما لمجتمعه محافظاً عليه فإن ذلك إنما انعكاسٌ خارجي لما يحمل من قيم وأخلاق، والعكس صحيح، فالخوارج مثلاً لم يكن ينقصهم الشجاعة ولا العبادة بل هي الرؤية الخاطئة وقلة الوعي السياسي والديني، رفعوا شعار( لا حكم إلاّ لله) جاهلين لما يحمل من بعدٍ عميق ومصداقٍ جلي تمثل في أمير المؤمنين علي عليه السلام، لذا كان الأئمة عليهم السلام يُبينون الحقائق لأصحابهم ويحثوهم على اكتساب علوم الإسلام والتعرف على حقائق القرآن كي تكون أعمالهم ضمن الخط السليم ، وفي ذات الوقت كانوا يحذرونهم من السير دونما بصيرة ففيه تبديدٌ للجهد والطاقة وإبعادٌ عن الهدف، يقول الإمام الحسن عليه السلام ( التفكر حياة قلب البصير)، ( أسلم القلوب ما طهر من الشبهات).

أ/ الأخذ من المنبع الصافي: منابع الفكر كثيرةٌ متعددة، يُحار المرء من أيها يأخذ ومن يحيد عن منابعها الأصيلة يتخبط في الحياة ، لذا نرى أن الآل عليهم السلام خطوا لنا طريقاً واضحاً نتبعه مُنبهين أن العلم الصحيح والبصيرة الواضحة لا يتأتيان إلاّ عبر كتاب الله وسنة رسوله وأهل بيته عليهم السلام، فهما واقعاً ذات المعين فما الآل إلاّ مصداق ومنطوق كتاب الله عز وجل، يقول الإمام الحسن عليه السلام (إن هذا القرآن فيه مصابيح النور وشفاء الصدور ، فليجل جال بضوئه ، وليلجم الصفة قلبه ، فإن التفكير حياة القلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور) ، ( نحن حزب الله الغالبون ، وعشيرة رسول الله الأقربون ، وأهل بيته الطيّبون الطاهرون ، وأحد الثقلين اللذين خلّفهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أمّته ، والثاني كتاب الله ، فيه تفصيل كل شيء ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والمعوّل علينا في تفسيره ، لا نظن تأويله بل نتيقّن حقائقه ، فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة ، إذ كانت بطاعة الله عز وجل ورسوله مقرونة .قال الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ) ، ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) .وأحذّركم الإصغاء لهتاف الشيطان ، فإنّه لكم عدو مبين ، وتكونوا كأوليائه الذين قال لهم : ( لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ ) ، فتلقون إلى الرماح وزراً ، وإلى السيوف جزراً ، وللعمد حطماً ، وللسهام غرضاً ، ثمّ ( لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ).

ب/ احترام العقل وتأكيد دوره: بين إفراط المعتزلة وتفريط الأشاعرة يأتي منهج الآل عليه السلام مُعطياً للعقل دوراً ومُؤكداً على ذلك في المجالات التي يمكن للعقل أن يقول كلمته مُبعداً إياه عن المناطق التي ليست له، يقول الإمام الحسن عليه السلام (لا أدب لمن لا عقل له، ولا مروءة لمن لا همة له، ولا حياء لمن لا دين له، ورأس العقل معاشرة الناس بالجميل، وبالعقل تدرك الداران جميعاً، ومن حرم العقل حرمهما جميعاً)، ( سأل أمير المؤمنين ابنه الحسن عليهما السلام فقال: يا بني ما العقل؟ قال: حفظ قلبك ما استودعته).

البناء الأخلاقي للقادة:

إن ضرورة التربية الأخلاقية لا يحتاج إلى بيان فوضوحه كالشمس في رابعة النهار.

أ/ القدوة الحسنة: لقد كان المعصومون عليهم السلام مصداقاً جلياً لفضائل الأخلاق فمثلوا القدوة الحسنة ، وحياة المولى الحسن عليه السلام حافلةٌ بالمواقف الحاكية لكريم الأخلاق، ( رُويّ أن مروان بن الحكم شتم الحسن بن علي عليه السلام فلما فرغ قال الحسن عليه السلام إني والله لا أمحو عنك شيئاً ولكن موعدك الله، فلئن كنت صادقاً فجزاك الله بصدقك، ولئن كنت كاذباً فجزاك الله بكذبك والله أشد نقمة) ، ( قال مروان بن الحكم في حق الإمام الحسن عليه السلام إن حلمه يوازن الجبال)، (ما روي عنه (ع ) انه مر على فقراء قد وضعوا على وجه الأرض كسيرات من الخبز كانوا قد التقطوها وهم يأكلون منها فدعوه إلى مشاركتهم فأجابهم إلى ذلك وهو يقول (إن الله لا يحب المتكبرين) ولما افرغوا من الطعام دعاهم إلى ضيافته فأطعمهم وكساهم).

ب/ الدعوة إلى الأخلاق الحسنة عبر كلماتهم: قال الإمام الحسن عليه السلام ( هلاك المرء في ثلاث الكبر والحرص والحسد فالكبر هلاك الدين، و به لُعِنَ إبليس والحرص عدو النفس، به أخرج آدم من الجنة والحسد رائد السوء، ومنه قتل قابيل هابيل) .

صفات القائد الناجح:

التواضع، قضاء حاجات الناس، الجرأة، العبادة، كظم الغيظ، التأني وعدم التسرع في الأمور، استثمار الفرض، التشجيع، المشاركة في السراء والضراء، النظرة المساوية إلى جميع أبناء الأمه، الإيجابية والتسامي، تهدئة الخواطر.

اسمان لامعان في حياة حواريّ الإمام الحسن عليه السلام:

أ/ قيس بن سعد بن عبادة: شخصية دينية اجتماعية أدبيه بارزة، وفياً موالياً، قضى عمراً مديداً في صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإمام علي عليه السلام وثبت مقاتلاً صنديداً وقائداً شجاعاً مخلصاً في صفوف جيش الإمام الحسن عليه السلام.

أصله من اليمن، والده سعد بن عبادة الأنصاري زعيم الخزرج ،ولاه الإمام علي عليه السلام مصر وكتب إلى أهلها ( وقد بعثت إليكم قيس بن سعد الأنصاري أميراً فآزروه وأعينوه على الحق وهو ممن أرضى هديه وأرجو صلاحه ونصيحته)، شكر له الإمام الحسن عليه السلام موقفه المؤيد المنقاد له وقد قام قيس يؤنب الناس ويلومهم على خذلانهم لإمامهم فقال الإمام عليه السلام له ولبقية أصحابه المخلصين( مازلت أعرفكم بصدق النية والوفاء بالقول والمودة الصحيحة فجزاكم الله خيراً)، عُرف ببراءته من أعداء النبي وآله دعا معاويةُ قيسَ بن سعد بن عبادة إلى مُفارقة عليّ عليه السّلام حين تفرّق عنه الناس، فكتب قيس إلى معاوية: يا وثنُ ابنَ وثن! تدعوني إلى مفارقة عليّ بن أبي طالب والدخولِ في طاعتك، وتخوّفني بتفرّق أصحابه عنه وانثيالِ الناس عليك وإجفالهم إليك! فواللهِ الذي لا إله غيره، لا سالمتُك أبداً وأنت حربُه ولا دخلت في طاعتك وأنت عدوّه، ولا اخترتُ عدوَّ الله على وليّه، ولا حزبَ الشيطان على حزبه.ويروى أنّه: بعد محاججة طويلةٍ جرت بين قيس ومعاوية، وقعت بعد استتاب الأمر لمعاوية، قال قيس في جملتها: ولَعمري، ما لأحدٍ من الأنصار ولا لقريشٍ، ولا لأحد من العرب والعجم في الخلافة حقّ مع عليّ عليه السّلام وولْده من بعده. فغضب معاوية وقال: يا ابن سعد، عمّن أخذت هذا وعمّن رويتَه، وعمّن سمعتَه ؟ أبوك أخبرك بذلك وعنه أخذته ؟ فقال قيس: سمعته وأخذته ممّن هو خير من أبي، وأعظم علَيّ حقّاً من أبي، قال: من ؟! قال: عليّ بن أبي طالب عليه السّلام عالم هذه الاُمّة وصدّيقها، الذي أنزل الله فيه:  قُلْ كفى باللهِ شهيداً بيني وبينَكم ومَن عندَه عِلمُ الكتاب .. فلم يدَع آيةً نزلت في عليّ سلام الله عليه إلاّ ذكرها.

عُرف بتقواه وتدينه وجوده كان فاضلاً، وأحد دهاة العرب وأهل الرأي والمكيدة في الحروب مع النجدة والبسالة والسخاء والكرم، سيداً مُطاعاً.

ومن صور كرمه ما يُنقل :أنّ امرأة وقفت على قيس بن سعد فقالت له: أشكو إليك قلّة الجرذان (كنايةً عن الفقر وخلوّ البيت من الزاد)، فقال: ما أحسنَ هذه الكناية! املؤوا لها بيتها خبزاً ولحماً وسمناً وتمرا. وفي رواية ابن عبد البَرّ في (الاستيعاب) قال قيس لها: ما أحسنَ ما سألتِ! أما واللهِ لأُكثرنّ جرذانَ بيتك. فملأ بيتها طعاماً ووَدَكاً وإداما.

وأمّا ذكاؤه وبصيرته ، وحزمه وحنكته.. فقد كان عليها اتّفاق المؤرّخين وإطباقهم. وكان من عجائب ذلك أن يقول لأمير المؤمنين عليه السّلام، مبيّناً خلال كلامه ما يدور في نفس معاوية: يا أمير المؤمنين، ما على الأرض أحد أحبّ إلينا أن يُقم فينا منك، لأنّك نَجمُنا الذي نهتدي به، ومَفزَعنا الذي نصير إليه.. ولكنْ، واللهِ لو خلّيتَ معاوية للمكر لَيرومَنّ مصر، وليُفسِدنّ اليمن، وليطمعنّ في العراق، ومعه قوم يمانيّون قد أُشرِبوا قتلَ عثمان، وقد اكتفَوا بالظنّ عن العلم، وبالشكّ عن اليقين، وبالهوى عن الخير، فسِرْ بأهل الحجاز وأهل العراق، ثمّ ارمهِ بأمر يضيق فيه خناقُه، ويقصر له من نفسه، فقال عليه السّلام: أحسنتَ ـ واللهِ ـ يا قيسُ وأجملت.

توجه مع عبيد الله بن العباس في اثني عشر ألفاً لقتال معاوية فلما هرب عبيد الله نحو صفوف معاوية ، صلى قيس مكانه فسد بذلك خللاً كاد أن يقع ثم اشتبك مع جيش معاوية واكتسحه ، فلما سمع بأن الإمام قد طُعن اغتم لذلك وزحف نحو جيوش الشام.

وجه له  معاوية يبذل له مليون درهم على أن ينحاز إليه، فأرجَعَ قيس إليه المال قائلاً له: تَخدُعني عن دِيني ؟! فترك هذا الموقف وغيره من المواقف آثاره على نفس معاوية، حتّى استثنى قيسَ بن سعد من الشيعة في الأمان بعد صلحه مع الإمام الحسن عليه السّلام؛ لشدة حقده عليه.

ب/ عدي بن حاتم الطائي: سيداً شريفاً في قومه، فاضلاً كريما خطيبا، حاضر الجواب، شهد واقعة الجمل وفيها ذهبت إحدى عينيه،وشهد واقعة صفين فذهبت فيها عينه الأخرى (ذهاب العين لم يكن كاملا، لكن العرب يعبرون عن انقلاب الجفن وماشابهه من العيوب التي تصيب العين ولا تذهب بكامل البصر بالعور)، وشهد النهروان أيضاً.

كان عدي على جانب عظيم من الوثاقة ومن خلص أصحاب الإمام علي عليه السلام ومن بعده الحسن عليه السلام، له مواقف مشرفة وكلمات صادقة تحكي مدى إيمانه بالله تعالى وبرسوله وآله قد ورد في كتاب الإمام الحسن ومصلحة الإسلام العليا للشيخ فؤاد كاظم المقدادي أنه سكت الناس ولم يتكلم أحد منهم بحرف واحد، فلمّا رأى ذلك منهم عدي بن حاتم قام وقال: أنا ابن حاتم. سبحان الله! ما أقبح هذا المقام! ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيّكم؟، أين خطباء مضر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة؟ فإذا جدّ الجد فمراوغون كالثعالب. أما تخافون مقت الله وعيبها وعارها؟ ثم استقبل الإمام الحسن (ع) بوجهه وقال: أصاب الله بك المراشد وجنّبك المكاره، ووفّقك لما تحمد وروده وصدوره. قد سمعنا مقالتك وانتهينا إلى أمرك وأطعناك فيما قلت وما رأيت، وهذا وجهي إلى معسكري فمن أحبّ أن يوافيني فليواف، ثم مضى لوجهه وخرج من المسجد فركب دابته، وكانت على باب الجامع، وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه، ومضى هو إلى النخيلة.

المصادر:

بناء القادة في منهج أهل البيت عليهم السلام/ الشيخ فوزي السيف ( بتصرف)

مواقع نت: شبكة الإمام الرضا عليه السلام/ شبكة الكفيل/ شبكة السراج

سيرة الأئمة الاثني عشر/ علي الدخيل

مواقع نت: شبكة أهل البيت أون لاين/ مركز آل البيت العالمي للمعلومات/ العتبة الحسنية المقدسة

--------------------

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق