بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 6 ديسمبر 2014

قراءة في حياة الامام السجاد علي السلام

قراءة في حياة الامام السجاد ع

إن الحديث عن الإمام زين العابدين يتطلب الحديث عن القضايا التي لعبت دورا كبيرا في بناءه المعرفي ودوه القيادي في الأمة .

القضية الأولی : حقيقة الأوضاع الأمنية والسياسية السائدة في العالم الإسلامي

القضية الثانية :  المشروع العلمي الإستراتيجي الذي تبناه وتصدی له

إن أبرز ملامح الاوضاع السائدة في العالم الإسلامي علی امتداده وتنوع شعوبه وثقافاته 

1 -  إن الناس ارتدوا عن الدين إلا قليل منهم ورجعوا إلی الضلال والعمی .

يقول الإمام الصادق عليه السلام :
إرتد الناس بعد الحسين إلا قليل
كما ارتد الناس بعد وفاة الرسول محمد صل الله عليه وآله  .

2  -  تميزت الفترة الزمنية في عهده عليه السلام  بالتوسع المناطقي واخترقت الأفاق وذلك بضم مناطق إلی مناطق وضم سكان وشعوب جديدة بدون نقل للثقافة والفكر مطلقا  .

3  -  ان ثقافة معاوية وأفكاره هي التي تحكم العالم الإسلامي بأسره  ، ومن يخالف حكمه وأوامره فهو كافر يجب قتله .

4-   إن مدينة يثرب .. مدينة رسول الله صل الله عليه وآله حولها الأمويون إلی مدينة للفساد والمجون والغناء ، وكانت تعج بالمغنيات ولا يستطيع أحد أن يعترض علی ذلك ابدا .

5-   إن المنطقة التي عاش الإمام السجاد فيها تزدحم بالأسری من كل حدب وصوب  ، فصار الزواج من الإماء والجواري ، وهذا ساهم بشكل كبير في إمتزاج الثقافات وتداخل الحضارات واصبحت جداول معرفية كثيرة وتوسعت العلوم وتفرعت الثقافات المعرفية والعلمية والفكرية  ، فتطلب ذلك مواجهتها بالنقاشات العلمية والموضوعية التي مارسها الإمام لتتضح الحقائق للناس وتصحح المفاهيم لديهم .

6-   بعد حادثة الطف ومعركة كربلاء استمر شلال الدم في الجريان وذلك بسبب استمرار الحروب والثورات فبعد الطف بعام واحد  حدثت  ثورة أهل المدينة علی والي يزيد فيها فأرسل يزيد جيشا"  أمره بإستباحة المدينة ثلاثة أيام وقام بافظع الكوارث الإنسانية من قتل وسلب وهتك للحرمات وذبح وترويع وتدمير شامل .
انها  واقعة الحرة التي راح ضحيتها عشرة الاف انسان بين رجل وإمرأة وطفل وشيخ وقتل من أصحاب رسول الله أكثر من سبعين شيخا حافظا للقرآن الكريم وقتل من المهاجرين والأنصار قرابة سبعمائة رجل .

..  هذه لمحة مختصرة لحقيقة الأوضاع والظروف الأمنية والسياسية  العامة التي عاشها الإمام السجاد عليه السلام

اما المشروع العلمي الإستراتيجي للإمام عليه السلام فتمثل فيما يلي :

1--  تغيير البنی التحتيه  :

المجتمع الذي ارتد عن الإسلامي يحتاج إلی إعادة بناءه من العمق إنها عملية  تطهير شامله بحيث  تلامس روح الإنسان  وعقله وقلبه

لقد عمل الإمام علی إعداد برنامج شامل لإعادة توازن الشخصية الإيمانية والروح الرسالية  إلی الواقع من جديد .

لقد قام الإمام ع بصياغة الصحيفة السجادية وهي عبارة عن 54 دعاء في مواضيع مختلفة وجوانب معرفية ونفسية شتی . واستطاع أن يواجه المد المعرفي والتداخل الثقافي بإسلوب علمي تربوي خاص .
لقد واجه كل تلك التقلبات والتلونات العقائدية  والتراكمات الفلسفية المغايرة للإسلام بالدعاء والمناجاة والتقرب إلی الله  .
ففي الصحيفة السجادية وجوه متعددة  للأخلاق والفلسفه والمنطق ورد الأباطيل والضلالات ومواجهة الأفكار الفاسدة  والتوجيهات الإرشادية لحركة الإصلاح وعدم مهادنة الظالمين

كما نشم في بطون الصحيفة  عبق الحياة الكريمة وثقافة الحياة الحقة
إن الصحيفة السجادية تمثل زبور آل محمد وهي كانت ولا زالت مرجع للناس  .  ولا زالوا يواظبون علی الدعاء بأدعيتها في ليلهم ونهارهم ووصلت في مراحل زمنية ليست ببعيدة إلی أن خطت بماء الذهب وعلی الحجر وترجمت إلی غير العربية  .

2-  إطلاق النهضة الحقوقية

رسالة الحقوق ، وهي ما رواه الإمام السجاد عليه السلام إلی تلميذه أبي حمزة الثمالي وتشتمل علی خمسين حقا .. اولها حق الله وآخرها حق أهل الذمة .

إن الإمام السجاد رائد النهضة الحقوقية فكرا وعملا وتطبيقا ، لقد طبق ابسط  تفاصيلها وأدقها  .
فالإمام السجاد عليه السلام عندما يعطي الفقير مالا يقبله اولا ،  وهذا سلوك لم نعهده من غيره قط إنه يعطي الفقير عطائين ..
مادي ومعنوي  ، وأما عطاؤه في الليل فهو سلوك مختلف ، كان يحمل الدراهم والدنانير وما لذ وطاب من الطعام ويضعه في الجراب ويحمله علی ظهره ليجوب الطرقات والبيوتات ويعطي هذا ويتصدق علی ذاك  تحت أستار الظلام ،  ومن وراء حجاب دون أن يعرفه أحد ، حتی أنه لم يعرف بأنه هو إلا بعد شهادته عليه السلام

3-  صناعة القدوة

انطلق الإمام  عليه السلام من نفسه كمعلم للأمة ومربي وقائد لها  .
يقول عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي للإمام السجاد ع :

أنت سراج الدنيا وجمال الإسلام

لقد اشتق لقبه عليه السلام من عبادته وتقواه وورعه إنه ..
سيد الساجدين وهو ما سماه به رسول الله صل الله عليه واله
حيث قال :
في يوم القيامة ينادي المنادي أين زين العابدين ، وإذا بولدي علي بن الحسين ينبري بين الصفوف

كان الإمام عليه السلام عندما يقبل علی الصلاة  يصلي صلاة مودع وكأنه يصليها آخر صلاة

ومن عبادته حجه لبيت الله الحرام عشرين سنة ماشيا علی قدميه .

فعن فتح الموصلي قال :

كنت أسيح في البادية مع القافلة ، فعرضت لي حاجة ، فتنحيت عن القافلة فإذا أنا بصبي يمشي فقلت : سبحان الله بادية بيداء وصبي يمشي ، فدنوت منه وسلمت عليه . فرد  (ع ) فقلت له إلی أين ؟ فقال أريد بيت ربي ، فقلت : حبيبي أنك صغير ليس عليك فرض ولا سنة ، فقال : يا شيخ ما رأيت من هو أصغر سنا" مني مات !!؟
فقلت أين الزاد والراحلة ، فقال : زادي تقواي وراحلتي رجلاي وقصدي مولاي فقلت : ما أری شيئا" من الطعام معك ؟! فقال : يا شيخ هل يستحسن أن يدعوك إنسان إلی دعوة فتحمل من بيتك الطعام ؟ قلت : لا . قال : الذي دعاني إلی بيته هو الذي يطعمني ويسقيني  
             
المصدر :كتاب الكشي

ان التربية بالقدوة هي من أجمل وأروع النماذج التربوية وهذا عينا " ما فعله الإمام السجاد عليه السلام   .
4-  بناء الكوادر الرساليين

قام عليه السلام بتربية نخبة من  الطلائع الإيمانيين ليقدم للعالم  النماذج الرسالية ذات مؤهلات علمية وخصائص معينة لا يوجد مثلها .
أمثال :  الشهيد سعيد بن جبير الذي كان يختم القرآن في ليلة واحدة وقيل أنه كان يختمه في ركعتين وهو البطل الذي  قتله الحجاج بن يوسف الثقفي لعنه الله

ومن الأمثلة علی اولئك العظماء  ايضا..  إبنه الحسين بن علي بن الحسين الذي كان شديد الخوف من الله تعالی وكانت مواقفه وسيرته من أروع مصاديق النبل والأخلاق   .

5-  الحركة التربوية الشاملة

استطاع الإمام أن يكون محور الإرتكاز لثقافة السماء وثقافة اهل البيت عليهم السلام  ، ولقد كان حملة القرآن والحديث يلتفون حوله كما الفراشات حول النور  ، وكانوا يتزاحمون علی مجلسه والمداومة علی حضور حلقات علمه وبحوثه في مكة  ، ولا يمكن لأحد منهم الخروج منها  وهو لا يزال عليه السلام  فيها .

في الجانب الآخر تحرك الإمام لنشر الوعي والبناء الروحي والأخلاقي والنشاط الثقافي النير  بغطاء طبيعي جدا" حتی لا يثير حفيظة الدولة الحاكمة بأن تحرك عبر شراء العبيد والإماء ، فلقد كان يشتري منهم أعدادا " كبيرة كل عام ويعمل علی تربيتهم وتهذيب أخلاقهم ثم يعتقهم في آخر ليلة من شهر رمضان  ، وكان يربيهم ويعلمهم بالحضور والمشاهدة .
لقد تجاوز عدد من اشتری من العبيد مائة ألف أو يزيدون وكان منهجه البناء العلمي والفكري ولم يكن للتجارة والمال والربح .

لقد قدم  الإمام عليه السلام صورة ناصعة البياض لكل العاملين والمجاهدين  المخلصين السائرين علی نهج الحق .. بإن لا يتعثروا في مطبات الحياة ومنزلقاتها   ، وأن لا تستوقفهم الكوارث والأزمات مهما تفاقمت  فالإمام عاش أصعب الفواجع والنكبات وعاش فاجعة كربلاء ورأی أهل بيته كالأضاحي مصرعين علی الأرض ولم يزده ذلك إلا إصرارا" علی العطاء ومواصلة طريق الحق
بلا توقف أو تبأطیء

كما اعطانا الامام السجاد دافعا قويا لنعمل بروح الحب لا الكراهية من مواقفه التي سطرها مع أشد المبغضين له ولأجداده وعلی رأسهم مروان بن الحكم  ، الذي كان من اشد الحاقدين علی أهل البيت ع ، وكيف فتح داره وبيته لعائلة مروان وحفظ عياله وحريمه أثناء ثورة أهل المدينة علی والي يزيد وكيف حصنهم وآمنهم واحتضنهم برعايته الكريمه ، 
علينا ونحن لازلنا في أجواء مدرسة الإمام السجاد أن نستوعب أجمل الدروس بأن نزرع بذور الحب  والأخوة والتسامح  في كل ارض وكل مكان  .
...................
بقلم الاخت
صباح عباس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق