بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 12 ديسمبر 2014

إضاءات في حياة حواري الإمام الرضا عليه السلام..

إضاءات في حياة حواري الإمام الرضا عليه السلام..

لطالما أولى أهل البيت عليهم السلام إهتماما كبيرا وواضحا في تربية الكوادر الرسالية التي تحمل نهجهم حتى تكون خير مبلغ للرسالة السماوية التي أرادها الله ، فكانوا بذلك يريدون صياغة الإنسان صياغة جديدة تجعله يكتشف الكنز والطاقة الكامنة بداخله ، حيث أن الله جعل هذا الانسان خليفته في أرضه .
لذلك كانوا عليهم السلام يقومون برعاية البعض منهم رعاية خاصة ويُولوهم اهتماما بالغا لأنهم وجدوا فيهم النقاء والإخلاص والصفاء فكانوا بذلك نعم السند والعون لإمام زمانهم.
فقد أعطى الأئمة عليهم السلام هذه الفئة دورا مميزا لكي يحملوا الرسالة ، فالمجتمع الذي توجد فيه قوة الإنسان الحامل للقضية لايمكن أن يُقهر.

🌟 معنى الحواري والصحابي..
كلمة حواري:
في المعجم جمعها حواريون ، الحواري مبيض الثياب ، الذي أخلص واختير ونُقْيَّ من كل عيب ، الحواري هو الناصر والصاحب والمؤيد ، هو الصديق المخلص .
الحواريون هم أنصار عيسى عليه السلام  (كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله ).
من هم الحواريون؟!
هم أناس نورانيين مهمتهم إخراج الناس من الظلمات إلى النور ، وهم طاهرون يطهرون من حولهم من الذنوب والمعاصي ، ووظيفتهم الإخلاص في طاعتهم لله ولأنبياءه وأولياءه.
قال بعض الأفاضل: أن أصل هذا الإسم لأصحاب عيسى عليه السلام المختصين به وكانوا اثني عشر ،ولنبي الله عيسى أصحاب وتلامذة سموا بالحواريون لصفاء قلوبهم ونقاء سرائرهم وهؤلاء من أنصار السيد المسيح والمصدقين بما جاء معه ، وقد ذكرهم القرآن وأثنى عليهم في قوله تعالى: 
" فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأننا مسلمون".
فالحواريون هم أنصار النبي عيسى عليه السلام وهم اثني عشر يكملون الرسالة الإلهية بعد أن رفع الله سبحانه وتعالى النبي عيسى كانوا هم المكملون لهذه الرسالة السماوية.
ومن هنا جاء ذكر الرقم اثنا عشر كدلالة واضحة  تبين حقيقة حواريي النبي صلى الله عليه وآله.
عن أنس بن مالك قال: سألت رسول الله عن حواري عيسى فقال: كانوا من صفوته وخيرته وكانوا اثني عشر مجردين مكنسين في نصرة الله ورسوله لا رهو فيهم ولا ضعف ولا شك ، كانوا ينصرونه على بصيرة ونفاد وجد وعناء ، قلت: فمن حواريك يارسول الله؟ فقال: الأئمة بعدي اثنا عشر من صلب علي وفاطمة هم حواريي وأنصار ديني عليهم من الله التحية والسلام.
إذن حواريي النبي صلى الله عليه وآله هم أهل البيت عليهم السلام والصحابة الخلص للنبي.

كلمة صحابي..
لغة هو الملازم ، المعاشر للإنسان ، يقال فلان صاحب فلان أي معاشره وملازمه وصديقه.
وقال بعض اللغويين : إن الصاحب لا يقال إلا لمن كثرت ملازمته ومعاشرته ، وإلا فلو جالس أحدا مرة أو مرتين لايقال إنه صاحبه أو تصاحبا ، وتطلق الصحبة على المعاشرة في الزمن القليل والكثير.
ولذلك يقال صحبت فلانا حولا وشهرا ويوما وساعة .
والصحبة تقع بين المؤمن والكافر كما تقع بين المؤمن والمؤمن، قال تعالى في محاورة بين مؤمن وكافر: "قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك" ، وقال تعالى لكفار المشركين "ما ضل صاحبكم وما غوى".
كلمة صحابي أطلقت كذلك على كل من أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وآله ولقيه مسلما.
ومن خلال معنى الحواري والصحابي .. نستنتج أن الحواري هو أقرب منزلة ومكانته لها خصوصية ، فيكون ملازما وملاصقا للمعصوم ويعمل بكل مايوكل إليه من قبل المعصوم بعد التربية والعناية ، لكي يقوم بعد ذلك بنشر نهج محمد وآل محمد ويكون خير مؤمن ومدافع عن خطهم الرسالي عليهم السلام.

🌟 حواريي الإمام الرضا عليه السلام..
عاصر بعض الحواريين الإمام الكاظم والرضا معا ، ولعل السبب يعود إلى قصر الفاصل بين حياة الإمامين حيث توفي الإمام الكاظم عام 188 ، بينما توفي الإمام الرضا  عام 203 ، فالفاصل بينهما 15 سنة فقط.
بالإضافة إلى أن حواريي الإمام الكاظم عليه السلام هم من آمنوا بالإمام الرضا وأصروا على بيعته في الوقت الذي انتشر فيه مذهب الواقفة الذين وقفوا على الإمام الكاظم وأنكروا إمامة الإمام الرضا ، بينما هؤلاء الخلص أصروا على بيعة الإمام الرضا وقاوموا التيار الواقفي.
من هؤلاء الحواريين محمد بن أبي عمير الذي سجن 4 سنوات وكانت له منزلة عظيمة لدى الأئمة فقد كان يعرف أسماء الشيعة وطُلب من قبل الحاكم العباسي ليعترف بأسمائهم فلم يفعل فضُرب مائة سوط ، كذلك صفوان بن يحيى الذي يقول فيه الجواد عليه السلام: ( رضي الله عنهما برضاي عنهما فما خالفاني وماخالفا أبي عليه السلام قط).
الحسين بن محبوب ، عبدالله بن المغيرة ، أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، يونس بن عبد الرحمن الذي يقول فيه الرضا عليه السلام ( يونس في زمانه كسلمان في زمانه).
وسأتطرق هنا إلى شخصيتين بارزتين من الحواريين ..

🌟 يونس بن عبد الرحمن..
مولى علي بن يقطين ،وكان وجها من وجوه الشيعة وعلما من أعلامها.
بعد استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام انتشرت عقائد وأفكار من ضمنها مذهب الواقفة فكان من الضروري علاج هذه الأفكار المنحرفة وضمان استمرار خط الإمامة في الأمة وإبطال مخططات الحاكمين والطغاة ..
هنا ينقل يونس هذه الحادثة يقول:
مات أبو الحسن الكاظم عليه السلام وليس أحد من قوامه إلا وعنده المال الكثير وكانت سبب وقفهم وجحودهم ، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار وعند علي ابن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار ، فلما رأيت ذلك وتبين الحق وعرفت من أمر أبي الحسن ماعلمت تكلمت ودعوت الناس إليه ، فبعثا إلي وقالا : مايدعوك إلى هذا ؟ إن كنت تريد المال فنحن نغنيك ، وضمنا لي عشرة آلاف دينار وقالا لي : كف! فأبيت وقلت لهم: إنا روينا عن الصادقين أنهم قالوا: إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه فإن لم يفعل سلب نور الإيمان وماكنت لأدع الجهاد في أمر على حال ، فناصباني وأظهرا لي العداوة.
مع العلم أن علي ابن أبي حمزة وزياد القندي كانا من وكلاء الإمام الكاظم وكانت تأتيهم الأموال ليوصلوها إلى الإمام ، إلا أنهم باعوا دينهم بدنياهم بثمن بخس.
شهد يونس بداية تكون مذهب الواقفة الذي يقضي بأن الإمام الكاظم لم يمت ولا زال حيا ، فهم غير ملزمين بتسليم الأموال والحقوق الشرعية إلى الإمام الذي يليه وهو الرضا عليه السلام ، لذلك كان مهمته تقتضي نشر الوعي والثقافة الدينية بين عموم الناس كي يُلغى وجود هذه المذاهب وتُعاق حركتها بين الناس.
وكان محورا لجماعات الشيعة بل زعمائهم في تثقيفهم وتعريفهم بأمور دينهم ، قال الفضل بن شاذان: حدثني عبد العزيز المهتدي وكان خير قمي رأيته وكان وكيل الرضا عليه السلام وخاصته فقال: إني سألته إني لاأقدر على لقائك فعمن آخذ معالم ديني؟!
فقال: خذ عن يونس بن عبد الرحمن
بعد أن استوعب يونس الكثير من علم الأئمة  بدأ ينشره فزكاة العلم تعليمه ، حيث ألف مجموعة كبيرة من الكتب معظمها في الفقه وبعضها في تفسير القرآن ، من كتبه: (كتاب الإمامة ، كتاب يوم وليلة ، كتاب جوامع الآثار) ، وغيرها الكثير .
وقد حازت هذه الكتب على تأييد الأئمة عليهم السلام لمحتوياتها ، فقد عرض أبو هاشم الجعفري كتاب يوم وليلة على الإمام الهادي فنظر فيه وتصفحه كله ثم قال: هذا ديني ودين آبائي وهو الحق كله.
ولقد كان يعاني يونس كثيرا من جهل عامة الناس لمنزلته لأنه كان على منزلة متقدمة في فهم علوم أهل البيت عليهم السلام وكان يتحمل أسرارا وأمورا عظيمة .. ولعل هذا وجه الشبه الذي شبهه فيه الإمام الرضا بسلمان الذي كان بدوره من هذه الفئة. 
لذلك كان الإمام يوجهه باستمرار إلى عدم التأثر من المواقف السلبية التي يواجهها من قبل بعض المؤمنين غير الواعين.
فكان يقول له الإمام الرضا ( دارهم فإن عقولهم لا تبلغ).
توفي عام 208 في المدينة المنورة ودفن فيها.

🌟 صفوان بن يحيى..
هو أبو محمد البجلي ، كوفي ثقة روى عن الإمام الرضا عليه السلام ، وكانت له عنده منزلة شريفة.
كان شريكا في تجارة بيع الأقمشة ( السابري) ، مع عبدالله بن جندب وعلي بن النعمان حيث كانا صديقان حميمان إليه .
وقد تعاقدوا في بيت الله الحرام على الأخوة فإذا مات أحدهم يؤدي من بقي بعده صلاته ويصوم عنه ويحج عنه ويزكي عنه ، فمات عبد الله وبعده ابن النعمان وبقي صفوان ، فأوفى بالعهد الذي تعاهدوه فكان يصلي في اليوم مائة وثلاث وخمسين ركعة ( فرائض الثلاثة ونوافلها ) ، ويصوم ثلاثة أشهر في السنة ويحج عنهما ، حتى في الصدقة المستحبة كان يعطي ثلاثة أمثال ما لوكان وحده.
كان يقوم بذلك كله رغم أنه تاجر ووكيل ويتحمل مسؤوليات الإدارة للاتباع والمنتمين.
لذلك كان شخصية فريدة من الرجال ، صاغه منهج أهل البيت حسب القياسات المثالية ؛ فكان يبين لكل من يعيش في زمنه ومن يأتي بعده أن ضغوط الواقع ليست حتميات أقدار ولا مكتوبة على الجبين لمن أراد أن يتكامل.
ولم يكن يسعى لحب الظهور والرئاسة أبدا ، كذلك في العلاقات الاجتماعية وأداء الحقوق كان حريصا جدا من هذه الناحية .
نذكر له هذه الحادثة:
استأجر جمالا إلى الكوفة ، فجاء أحد إخوانه طالبا منه أن يحمل دينارين إلى أهله فقال له: إن جمالي مكرية وأنا استأذن الأجراء .
فهو هنا لايريد أن يضيع ثواب قضاء حاجة أخيه المؤمن  ولكن في الوقت نفسه ورعه لا يسمح له أن يضيف شيئا لم يكن منظورا عند استئجار تلك الجمال ، فعليه أولا أن يستأذن من أصحاب الجمال.
روى الكثير من الأحاديث عن الإمام الرضا ثم عن ابنه الجواد وكان وكيلا له.
أخرجها بعد ذلك في مصنفات عدت بثلاثين ، منها: 
(كتاب الشراء والبيع ، كتاب المحبة والوظائف ، كتاب الوصايا).
أما عن نشاطه التبليغي والتربوي فقد كان داعيا إلى منهج أهل البيت سواء لأولئك الذين كانوا في خط أهل البيت أو البعيدين عنه .
وقد استطاع أن يؤثر على بعض الذين كانوا في خط معادٍ لخط الأئمة ، منهم محمد بن خالد الذي كان بالإضافة إلى معاداته  يمارس نشاطا إعلاميا مضادا.
توفي سنة 215 ، حيث بعث إليه الإمام الجواد حنوطا وكفنا ليكفنوه به وأمر من يصلي عليه.

مصادر البحث:
- موقع شبكة الكفيل العالمية.
- كتاب بناء القادة في منهج أهل البيت عليهم السلام/للشيخ فوزي السيف.
- معجم المعاني الجامع والمعجم الوسيط.
- كتاب معالم الفتن الجزء الأول.
- كتاب مفاهيم القرآن ، ال مجلد الخامس.
- كتاب في رحاب الإمام الرضا /الشيخ فوزي السيف.
- كتاب الإمام الرضا أضواء من سيرته / الشيخ محمود السيف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق