لنطلق سلاح الحب
في كتاب الخالدون المئة للدكتور مايكل هارت عالم الفلك المسيحي الذي عمل في مركز أبحاث الفضاء في غرين بلت في ميريلاند الذي صنف فيه الرجال الأفذاذ الذين تركوا تأثيرهم علی حركة التاريخ والزمن . أن الذي يحتل المرتبة الأولی بلا منافس ويتصدر القائمة .. هو الرسول الأعظم محمد صل الله عليه وآله وسلم .
د .هارت لم يأتي بجديد علی من سبقه من المفكرين والباحثين وعلماء الشرق والغرب الذين أبهرهم الإنجاز العظيم الذي حققه رسول الله ص في مدة لا تتجاوز ربع قرن من الزمن .
لقد صاغ رسول الله محمد ص الدستور ووضع النظام العادل فأهتم بالفرد وأهتم بالمجتمع وركز علی روح الفرد وقلبه كما ركز علی حاجاته وغرائزه في خلق التوازن في الشخصية الإنسانية
وكما أهتم بالدولة الوليدة ، إهتم بالدول الأخری ولعب دور الأب النموذجي والمثالي الفريد من نوعه في حنانه وعطفه ورحمته .
لقد جاء رسول الله ص بدعوته المنفتحة علی الحياة والوجود
وقام بنشر ثقافة الحب ونبذ أحقاد الماضي ببناء القيم الحضارية والعودة إلی إنسانية الإنسان وإنسانية القيم وإنسانية الأهداف والتطلعات .
لقد جمع بسياسته السلمية بين الأبيض والأسود والحر والعبد والرجل والمرأة في مجتمع القلب الواحد وهم يؤمئذ أشتات وفرق ، وبينهم تاريخ ملطخ بالدماء والأحقاد ، ليكون بهذه الأطياف المتعددة مجتمع الرسالة ودولة الإسلام الكبری .
ففي مكة تعرض أصحابه لأشد أنواع الإيذاء وأبشع طرق التعذيب فاستشهدت سمية أم عمار ثم لحقها زوجها وعذب عمار وبلال وخباب وغيرهم الكثير ولم يكن منه ص الإ مطالبتهم بالصبر وتحمل الأذی من الصدمات الموجعة من الكفار وعدم مواجهة العنف بالعنف والقسوة بالقسوة .
وفي المدينة أسس أروع القوانين المدنية لحفظ المجتمع من الإنفلات فوضع يده علی السيف ليضع حدا فاصلا" للفوضی والإعتداءات الوحشية لضبط حالات الطيش والتعدي ، ولم يكن يرفع السلاح إلا في حالات رد الإعتداء لإن أساليب العنف وسائل اضطرارية استثنائية كأكل الميته للمضطر .
لقد مثل رسول الله محمد صل الله عليه وآله التجسيد الحي للسلمية التي كان يهتف بها ويدعو إليها . وما يثير الدهشة ان عدد القتلی في كل المعارك والحروب والغزوات التي خاضها والتي قاربت المائة لم يتجاوز عدد القتلی فيها إلی 1000قتيل . وهذا مما يدل علی حرصه الشديد في حفظ الارواح وعدم اراقة الدماء .
إن حياته صل الله عليه وآله رسالة حب كلها فلم يلمس منه طيلة حياته أن خرق هذه السياسة الرحيمة ولم يستخدم يوما" اسلوب العنف والشدة ولم يدعو الی الدموية والممارسات الوحشية بل سلك اسلوب المرونة واللين بقلب ينبض بالحب والرحمة ، فلا مجال للغضب والانفعال . بل انتهج مبدء التهدئة بسعة الصدر وضبط النفس والصبر علی المكاره ومقاومة الالم والوجع والإيذاء .
لقد وصل في رسالة الحب التي يحملها إلی مرحلة الأسطورة ليرسم بذلك أجمل لوحة إنسانية حانية رحيمة عرفتها البشرية ذات يوم لقائد غير وجه التاريخ كله .
ومن صور الحب المقدس الذي يحمله لاعداءه قبل أصدقاءه ، ما جاء في كتاب الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني .. أنه ص إذا أراد أن يبعث بسرية دعا أفرادها ليقفوا بين يديه موجها لهم قائلا :
سيروا باسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلی ملة رسول الله ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخا" فانيا" أو صبيا" ولا إمرأة ولا تقطعوا شجرا إلا أن تضطروا إليها .
وكما كان رسول الله ص منبعا للحب والتسامح .. كان المسلمون من خلفه ، ففي معركة بدر الكبری اتضحت صورتهم .. فهؤلاء المؤمنين الذين ذاقوا العذاب الأليم علی أيدي المشركين في تلك التجربة المريرة القاسية معهم ، لا تزال الرحمة تحتفظ ببريقها وجوهرها في أعماق قلوب هؤلاء المؤمنون انهم يظفرون بأعدائهم بعد رحلة العذاب التي تختزن في ذاكرتهم .
ماذا عسانا نتوقع منهم
التوقعات كثيرة لكن ما حدث اذهل الجميع !!
لقد غضوا الطرف عن أخذ الثأر منهم وكان الواحد يؤثر أسيره بحصته من الطعام ولقد أطلق رسول الله قيد الأسری مقابل تعليم عشرة من غلمان المسلمين.
وهو بهذا يحول الحرب الدموية إلی منهج تربوي يساهم في بناء المشروع الرسالي للأمة . ولقد أمر أصحابه في معركة بدر ايضا أن لا يبداوا القوم بالقتال حيث وجه خطابه للمشركين قائلا :
يا معشر قريش إني اكره أن أبدأكم فخلوني والعرب وارجعوا ، لقد كان ذلك توجيها لهم لترك الأمر والإنصراف دونه .
ومن عظيم مواقفه في بدر كذلك أنه قام بدفن موتاهم وأمر بتفريق الأسری بين المسلمين وقال استوصوا بهم خيرا" .
اليوم .. ومع تفشي ثقافة الكراهية والحقد والانتقام والدموية تشتد الحاجة إلی ترسيخ ثقافة الحب والعفو والتسامح ، لأننا أمام حرب شاملة تحرق الاخضر واليابس ، ثم لا تبقي ولا تذر ، حرب خرجت عن إطارها التقليدي ،
انها بحق حرب ابادة لكل القيم المحمدية ، وحرب اختراق وتشويه للرسالة التي جاء بها رسول الله محمد ص . وامام هذا الخطر الحقيقي الذي يستوعب كل الامة علی الامة.. كل الامة قياداتها ورموزها وكوادرها ومؤسساتها ومراكزها أن تكون بمستوی هذا التحدي وبمستوی هذه المواجهة ، بأن ترسخ وتنشر ثقافة الحب في سماءها وارضها وبرها وبحرها وبيوتها ومدارسها وشوارعها وشواطئها
تحتاج الأمة إلی خطوات نقدية لتقييم مسيرتها ومناهجها وأساليبها وثقافتها .
نحتاج اليوم وأكثر من أي يوم مضی بأن نطلق سلاح الحب ، هذا السلاح السحري الذي يصنع العجائب ، علينا أن نشعله من الداخل ليزيل صدی الحقد والكراهية من أعماقنا ، ليضيء حاضرنا ومستقبلنا . ولتكون رسالة الحب هي سلاحنا الحقيقي لمواجهة ثقافة الموت والحقد والكراهية .
صباح عباس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق