بين دفتي الحرب
بقلم: فاطمه القصاب.
إن الله تعالى جعل للمعصوم حق الطاعة على الأمة، وترك لكل امرئ حرية السير في الطريق الذي يريده ويختاره فمن اختار طريق الصلاح بطاعة المعصوم وجد المنفذ اليه، ومن اختار طريق الفساد بالكُفران والتمرد على الله تعالى ورسله سار إليه.
فالله سبحانه وتعالى لم يجبر أحداً على انتهاج طريق معين، بل أوضح له طريق الخير والشر بإرسال الرسل وبَعْثِ الأنبياء وإقامة الأوصياء، فقد قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) إبراهيم / آية 4. وكذلك وهب الله الإنسان العقل ليحكم على الأشياء ويختار ما بدا له، وعلى هذا يكون بلوغه بحسب اختياراته في الدنيا اما رضوان الله او سخطه قال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا). الانسان /آية 3.
وعلّق الاختيار على طبيعة علاقة العبد بربه، فمن أناب وتوجّه إلى الله عز وجل وأخلص إليه سدده في دروب الحياة إلى النجاة. قال تعالى: (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ) الرعد /آية 27
ولما كان للإمام المعصوم حق الطاعة على الأمة وجب على كل فرد من أفراد الأمة الوصول إلى ذلك الإمام ومراجعته ومعرفة أوامره وتوجيهاته في كل صغيرة وكبيرة.
فخيار الأمة حين نهض الإمام الحسين عليه السلام يفترض أن يكون القيام معه ومساندته وحمايته والسعي لتحقيق أهدافه، لكونه إماماً مفترض الطاعة وصاحب حق، حارب لهدف ربّاني. فقال عليه السلام «إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر»
ومع ذلك لم يُجبر أحداً على القتال بل استحث الناس حتى الساعات الأخيرة فكان يهتف بقوله "أَمَا من ناصر ينصرنا، أما من ذابٍّ يذب عن حرم رسول الله (ص)".
ذكّرهم في كل موضع تسنح فيه الفرصة في مكة حين قام فيهم خطيباً ساعةَ قد عزم على الخروج إلى العراق فقال "من كان باذلاً فينا مُهجته ومُوَطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا فإنني راحل مصبحاً إن شاء الله".
وفي منطقة زُبَالا حين أتاه خبر استشهاد ابن عمه مسلم ابن عقيل وجد فسحة ليعيد فيها تذكير من سار معه على ما هم مقبلين عليه دون إكراه أو إجبار فأخرج الى الناس كتاباً وقرأه عليهم وفيه "بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد فأنه قد أتانا خبرٌ فظيع؛ قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر] بُقطر[وقد خَذَلَتنا شيعتُنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف، ليس عليه منّا ذِمام" تاريخ الطبري المجلد الثالث.
ثم في مساء اليوم التاسع من المحرم، حين جمع عليه السلام أصحابه وقال "أمّا بعد فإني لا أعلم أصحاباً أصلح منكم ولا أهل بيتٍ أبرّ ولا أفضل من أهل بيتي فجزاكم الله جميعا عني خيرا. وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جَمَلاً وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرقوا في سواد هذا الليل، وذروني وهؤلاء القوم، فأنهم لا يريدون غيري."
لم يحارب إلا بعد الإبلاغ "لا تعجلوا حتّى أعظكم بما هو حق لكم عليَّ" والنصيحة والدعوة إلى الحق " إنما أدعوكم إلى سبيل الرشاد، فمن أطاعني كان من المرشدين، ومن عصاني كان من المهلكين " حتى شهد له عدوه معاوية بذلك أمام يزيد حين طلب منه أن يبيّن عيباً للحسين عليه السلام، فقال: (ما عسيتُ أن أعيب حُسيناً، وما أرى للعيب فيه موضعاً).
في ظروف الحرب التي يَصعُب فيها ضبط التصرّفات والتعاملات وفق الضوابط الأخلاقية والإنسانية، أثبت عليه السلام أن الالتزام بالقواعد الإسلامية المثالية التي وردت في كتاب الله ليست ضرباً من الخيال، بل هو أمر ممكن وقواعد واقعية يمكن تطبيقها، قال حميد بن مسلم: فو الله ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه.
نقيض ذلك نراه من أهل الباطل كمعاوية ويزيد وزمرته، فكان من أعمالهم:
• تكميم الأفواه، فلا يسمح بقول الحق أو الاعتراض على مظاهر الفساد
• استخدام المنطق الفرعوني (ما أُريكم إلا ما أرى) والذي اتضح في خطاب معاوية بعد صلح الامام الحسن عليه السلام حين قال للناس "يأهل الكوفة أترونني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون؟ ولكنني قاتلتكم لأتأمّر عليكم وأَلِيَ رقابكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون).
• الإجبار على البيعة فحاول معاوية اتخاذ البيعة لابنه يزيد في حياة الإمام الحسن عليه السلام رغم العهود والأيمان والمواثيق، وحين فشلت لوجود صاحب العهد حياً قام بدس السم للإمام الحسن عليه السلام تمهيداً لبيعة ابنه يزيد. وبعد استشهاد الإمام الحسن عليه السلام أجبر معاوية البيعة ليزيد بأساليبه الظالمة، فعزل مروان عن المدينة حين عجز عن أخذ البيعة على أهلها ليزيد، وولى المدينة سعيد بن العاص، فأظهر الغلظة وأخذهم بالعزم والشدة، وسطا بكل من أبطأ عن البيعة ليزيد، فأبطأ الناس عنها إلا اليسير، لا سيما بنو هاشم، فإنه لم يجبه منهم أحد. وقام معاوية أيضاً بإسكات مروان بإغداق المال عليه وفرض له ألف دينار في كل هلال. وقدم معاوية الى المدينة، ومعه جيش من أهل الشام عدهم بألف فارس. وكان قد بلغ أنه ذكر الحسين وأصحابه وقال: لأقتلنهم إن لم يبايعوا. ثم خرج معاوية الى مكة، وسبقه الحسين بن علي وعبد اللّه بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وابن عمر إليها. ولما كان آخر أيامه بمكة، أحضر هؤلاء وقال لهم: إني أحببت أن أتقدم إليكم، أنه قد أعذر من أنذر. إني كنت أخطب فيكم، فيقوم إليَّ القائم منكم فيكذّبني على رؤوس الناس، فأحمل ذلك وأصفح. وإني قائم بمقالة، فأقسم باللّه لئن ردَّ عليَّ أحدكم كلمةٌ في مقامي هذا، لا ترجع اليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف الى رأسه، فلا يبقينَّ رجل إلا على نفسه!
ودعا صاحب حرسه بحضرتهم فقال: أقم على رأس كل رجل من هؤلاء رجلين، ومع كل واحد سيف، فان ذهب رجل منهم يردّ عليَّ كلمة بتصديق أو تكذيب فليضرباه بسيفهما !!
ثم خرج وخرجوا معه، حتى أتى المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه!! ثم قال: إن هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم، لا يبتز أمرٌ دونهم، ولا يُقضى إلا عن مشورتهم. وإنّهم قد رضوا وبايعوا يزيد !! فبايعوا على اسم اللّه! فبايعَ الناسُ..
وبعد هلاك معاوية كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة وكان أميراً على المدينة يأمرهم بأخذ البيعة على الإمام الحسين عليه السلام ويقول له: إن أبى فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه.
• شراء أبدان الناس بإرهابهم رغم اعتراض القلوب، حين جنّد يزيد عشرات الآلاف بعد الاعتقال والتعذيب والقتل حتى عُبِّر عنهم للإمام الحسين عليه السلام بـ (قلوبهم معك وسيوفهم عليك).
• إغلاق جميع الطرق التي يمكن من خلالها أن يتسلل من يحاول اللحاق بركب الإمام عليه السلام، فعن هلال بن أساف قال: (أمر زياد فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام إلى طريق البصرة فلا يترك أحداً يلج ولا يخرج).
هذا هو التفاوت الذي نجد تجلياته بين محارب وآخر، بين من يسعى في الأرض فساداً ويُهلك الحرث والنسل كيزيد وجنده، وبين من يراعي أن الإسلام نظام الحياة في جميع جوانبها السلمية والحربية فيجعل للحرب دستوراً وأخلاقاً يذكرها ويُذكر بها فيطلب من أصحابه قائل "اسقوا القوم، وارووهم من الماء، ورشفوا الخيل ترشيفاً " حين التقى مع جيش الحر بالرغم من علمه صلوات الله عليه بأنّهم قتلته، وأنّهم لا يسقونه قطرةً من الماء.
كما يمتنع عن البدء بالقتال كما ورد في أكثر من موقف، منها خلال المسير إلى كربلاء حين وصل الإمام الحسين عليه السلام إلى نينوى ومانَعَه الحُرّ من السير فقال زهير بن القين: إني والله ما أراه يكون بعد الذي ترون إلا أشد مما ترون يا ابن رسول الله! إنّ قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا بعدهم ما لا قبل لنا به!
فقال الإمام عليه السلام "ما كُنت لأبدأهم بقتال".
هذا وغيره من مظاهر أخلاق الإمام مما أوردته كتب السّيَر فعن نافع بن هلال البجلي رأيت الحسين عليه السلام في ليلة عاشوراء يدور حول المخيم ويلتقط حسك السعدان من الأرض فقلت له سيدي لعلي أكفيك هذا فقال لي يا نافع غداة غدٍ تهجم الخيل على المخيم ويضرموا فيها النار فتفر النساء والأطفال وأخشى عليهم من أن يصيبهم حسك السعدان وأريد أن أُولي هذا الأمر بنفسي
كلها تنبئ بالأخلاق العظيمة التي ترافق المعصوم في حِلّه وترحاله في حال الحرب والسلم ليُربّي الناس وليوصل رسالته إلى العالمين.
من بعد ذلك أيقن الناس على مر العصور أنّ ثورته عليه السلام مع أصحابه جاءت لإصلاح الواقع وتغييره، بعد أن جسّدت هذا الإصلاح وهذا التغيير في أخلاقياتها بل في كل مفاصلها وأبعادها. وبذاك آمن الناس بالحُسين؛ وبذاك استطاع أن يحقق النصر الحقيقي.
سلامٌ على الحسين يوم وُلِد وسلام عليه يوم استُشهد وسلام عليه يوم يُبعث حيّاً.
FairPlay Casino | Play With $1,000 Welcome Bonus
ردحذفFairPlay is a brand new online casino that was established in 2018, and it's 메리트카지노 owned and deccasino operated by 제왕 카지노 Evolution Gaming. The casino is located in