الوجدان الحي
بقلم: عايده العريض.
اقتران وتشابه كبيرين بين الثقل الأكبر - القرآن الكريم - والثقل الأصغر - أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة - لذا جعل النبي الأكرم أحدهما عدلًا للآخر في حديث الثقلين ( إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهما : كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض )، فمن رحمة الله بنا أن ترك فينا أهل بيت النبوة إمتدادًا لخط النبوة والرسالة، وشعاعًا من نور يبقى مابقي الدهر ويأبى الطمس والتغييب
فنجد الإقتران بينهما متجليًا في التجدد والثقافة التي تحدت كل عوامل التطور الزماني والمكاني ، وأبرز مصاديق هذا التجلي هو الذكر المتجدد لشعاع من أشعة هذا النور الإلهي - الإمام الحسين - فحضوره دائم في حياة الأحرار وعشاق الكرامة ، يُمثل وجدانًا حيًا متدفقًا في كل حين وآن، وثورته لخصت كل رسالات السماء وكانت إمتدادًا لها وبقيت وهجًا من نور مابقيَ الزمان،و من أبرز معالمها التي منحتها الوهج والإستمرارية ( إن شهادة الحسين مثلت للخُلص من أتباع أهل البيت ، ولكل من يملك فكرًا حرًا مُنصِفًا عَبرة ودمعة ، وعِبرة وأُسوة )
- عَبرة تاريخها أرتبط بالحسين منذ بدء الخليقة ، فعندما خلق الله آدم ، ذكر له جبرائيل أسماء الخمسة الأطهار ( محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ) فقال له آدم : مالي إذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي ؟!
وهكذا بقية الأنبياء ، فلم يبعث الله نبيًا ولا وصيًا على وجه الأرض إلا وذكَّره بمصاب الحسين فبكاه قبل استشهاده وأن النبي والزهراء وجميع الأئمة بكوه أشد البكاء حتى لُقب ب( صريع الدمعة الساكبة )
وكما لهذه العَبرة تاريخ قبل الحسين فلها تاريخ بعده إمتد لزماننا الحاضر وترتب عليها الأجر العظيم ... ولكن مالا ندركه أن لها بُعدًا ووظيفة تاريخية فهي ليست مجرد طقوس وشعائر تدفعها قوة العاطفة ، فكان لزامًا علينا معرفتهما لنكون على بصيرة.
فهي تعبير عن حالة من الفزع الفردي والجماعي من سلطة جائرة تجرأت على قتل سبط النبي غير مبالية بمكانته ولا بالتمثيل به ومارست أبشع الممارسات من قطع الرؤوس وسبي النساءوالأطفال ، وهذه الحالة والتي تجسدت في الأئمة وعلى رأسهم زين العابدين سلام الله عليه شكلت فزعًا وقوة في وجه السلطة الجائرة .
ولا إختلاف أن دمعة الموالي تذكره ببشاعة وشناعة الجرائم التي ارتكبتها السلطة الأموية بحق الحسين وتمده بالقوة والإباء إن واجه سلطة شيطانية مماثلة فتجعله حصنًا منيعًا لا يُقتحم ، كما أنها تعبير صادق عن صفو النفس ومرونة القلب ليراجع صاحبها نفسه ويبنيها على أساس القيم والمفاهيم التي ضحى من أجلها الحسين سلام الله عليه .
- أما العِبرة والأسوة فنجدها متجلية واضحة في زيارة الإمام الصادق له يوم الأربعين ( وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة ، وحيرة الضلالة ) فهي ثورة إنسانية لم تختص بأمة ، ،ولا فئة، ولاجيل ،ولامذهب .
ثورة لانتشال الأمم والعباد -كل العباد - من الإنحدار والتخبط وإعادتهم لوضعهم الطبيعي ومسارهم الصحيح ، رافضة كل شذوذ وضلال ؛ ليسود الحق ، والقيم الإنسانية .
فعلينا بإلتماس مايرفع شأن الإسلام والإنسانية ويوحد السلام منها . لا أن ننجرف في تيار الظلم والضياع وإن كان موازيًا لمصالحنا .
فالحسين ليس ذكرى رجل ، بل ذكرى الإنسانية الخالدة ، أعطى للوجود قيمة ؛ لأنه ثار من أجل حق كل الشعوب مبتغيًا مرضاة الحق تعالى وحده .
المراجع :
الإمام الحسين ضمير الأديان للشيخ عبد الشهيد الستراوي
القرآن والحسين طراوة دائمة للشيخ عبد الجليل المكراني
الحسين العِبرة والعَبرة وسبيل التقدم .. لمحمد علي تقي
الإمام الحسين موسوعة الإصلاح للسيد فاروق أبو العبرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق