بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 10 مايو 2015

بـــَوح

بـــَوح

خلف بوتقةَ الزمان،وأستار المكان، هناك بعيداً حيث اللاحدود،على مسرحٍ من خيال،وفي حلبةٍ كان البقاء فيها دُوماً للأقوى،تناهى صوتٌ يُنذر بالبدأ،وبدأت الجولة الأولى( ثرثرةٌ وصمت)ْ.

وكما هو ديدنُ الكثير من مُبارزاتنا راحت الثرثرةُ وبإعتبارها الأقوى تتباهى بعضلاتها في إستهزاءٍ مقيت بالصمت.

وبدا الصمت مُنزويا،ً كمن يُعلن الاستسلام قبل البدء ،في إنهزاميةٍ متعمدة ،لكنه سُرعان ماقرر الخوض في معركة خُيِّلَ له أن نتيجتها باتت واضحهٍ .
وبعد لحظاتٍ طويله من الإنتظار نطق أخيراً ،ليخرج من بوتقته الضيقة ظاهراً،الرحبة واقعاً،وأفصح عن مكنوناته ليُعري الثرثرة كُلياً أمام الملأ،قائلاً بكل ثقة:
لن أحذو مسلك الجدل،فهو لاريب عقيمٌ هاهُنا ،سأنحى منحىً آخر مختلف،رُبما لايُحبذه كلينا، لكن رسالتي لابُد أن تصل لأسماعكم.
يلتفت ناحية الثرثرة مُكملاً :تُرى مارأي مُبارزتي أن نبوح بخفايا ضيّقت حدَّ الخناق علينا،أثقلت كواهلنا وأرقت مضاجع قومٍ كُنا ذات يومٍ مصاديق جلساتهم.
سأبددُ صمتي، وأصرخُ عالياً، فقد ضُقت ذرعاً وهاقد آن أوان بوحي .
مُنْذُ بداياتي،وأنا ألْمُسُ جوانبَ مظلمةً كانت ديدن الكثير من الصامتين، تلك الثلة التي فهمت الصمت خلاف واقعه، أو لنقل خِلاف ما يستوجب.
فثمة من إنزوى عن الحديث،مُنهزماً من أول لقاء ،في حِين يتوجب على ذوي العقول نُصْرَةَ الحق، فالصمت في غير موقعه لاشك خاطئ.
وآخر كان بجواره من يَطْرُقُ مكامن الروح في حاجةٍ ماسةٍ لإستنطاقه، فقابله بصمتٍ مُطْبِقْ، لاشيء سِوى بقايا روحٍ تتحدث داخله،كمن يُصارعَ الحروف لتنطق، لتخبوا ذُبالةَ الأمل فيه بعد حين ،فغدا كمن يستنطق حجراً أصم.
أما مسلكَ الأغلب فالتقهقر والتراجع وإيثار الصمت في خُنوعٍ واستسلام،حين يغدوا المتحدث كسيافٍ يقْتَطع من أحشاء الغائبين مالذَ وطاب.
أما كتمان مايختلج القلوب من مشاعر فتلك أشد آلامي.
وكمن أُسْقِط من شاهق،طأطأ رأسه ،وراح يُتمتمُ : آااااه ماأسوأ حالي حينئذٍ ،،فهل للصمت هاهُنا من طريق!! ؟

من البعيد وفي حُنْوٍ، يتناهى صوتٌ يهمس للصمت: لمَّ تكيل لنفسك كل هاتيك الإتهامات؟ ،أين الخجل؟ روح الانهزامية؟ إنعدام الثقة… وماشئت فسمي،أليست بأجمعها كفيلةً بلحظاتِ الصمت تلك؟!
الصمت: رُويدك ياصاح!!إن ماذكرت من أسباب رُبما اجتمعت أو تفرقت لن يُغير النتيجة، فهي واحدة يجمعها عنواني لا غير.

وكمن أذعن لحديثٍ لابد من بوحه.
بدأت الثرثرة حديثها بإمتعاضٍ شديد :إن كُنت وأنت مشهودٌ لك بالفضل تمتلك من السيئ ماتطأطأ له رأسك،فما حالي ياتُرى؟

نماذِجُ تتكرر تِباعاً كل حين تنوء بجراحاتٍ لوقع ثرثرتي ،باتت مشاعر الآخرين أسفل قدمي أدوسها حيثما شئت وكيفما أردت،مُتغافلةً وقع الكلمات الجارحة وإرتسامها في الذاكرةِ وإن تطاولت السنين، أما ثرثرة الباطل ولغو الحديث فحدث ولاحرج.

كمن يستدرك الحديث.
الصمت: إاااايه ياصاح! لكلٍ منا جانبٌ مظلم،رُبما لانُبصر سِواه ،كنا وسنبقى رهن إشارةِ بني البشر ،والعاقل الحصيف من يُدرك أسرارنا ويُحسن استخدامنا.

تُرى هل للبوح من بقية!!

خيّم سكونٌ رهيب أثار جلبةَ الحكم والجمهور، فهاهي الثرثرة لاتنبسُ بِبنت شفه،كمن إختارت أن تكون النقيض!
تُرى أين سرح بها الفكر؟! أتَراها إنشدت لحديث الصمت وأثرت فيها كلماته الأخيره؟!
أخالُها تذكرت لحظات السعادةِ ،قهقهات الفرح وجلسات السمر،حيث يحلو البوح وتتعالى الضحات..
أما صاحبنا الصمت،فكان هو الآخر يسترجعُ ذكرياتٍ من ماضٍ قريب،ليُبْحِرَ بين نظراتٍ كان لِبَوحها حديثٌ لاتستوعبه كل الحكايا والكلمات، وبين إغْضاءٍ عن محادثةِ لغوٍ لا طائل من المشاركة فيها.

همسة..

عندما لا تستطيع رؤية الجانب المشرق من الحياة، لمّع الجانب المظلم.

                           زينب علي غلاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق