بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 19 فبراير 2016

بطلة آل محمد

بطلة آل محمد 

من عرين السادة المتقّين والأمراء الصالحين أشرق نور الطهر والقداسة، وفي بيت لا شي‏ء فيه من حطام الدنيا وزخرفها، وفيه من التقى والصلاح كل شي‏ء، أبصرت السيدة زينب عليها السلام النور في هذا العالم لترى فيه ومن حولها رسول الهداية للبشرية وحماة الرسالة علياً وفاطمة، وأخويها ريحانتي رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وسيديّ شباب أهل الجنة.

فاستقبلت الحياة بأعباء الرسالة وهمومها ومشاكلها التي كلّفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكثير من التضحيات، وما كان منها إلاّ أن شاركت بكل جدارة في تحمّل المسؤوليات الجهادية التي أولاها اللّه عزّ وجلّ لأهل هذا البيت الطاهر.

وفي الوقت الذي كانت فيه دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصدر الأول للإسلام عاصفة تزلزل الأرض تحت أقدام الطغاة من أرباب الشجرة الخبيثة والملعونة حيث استطاعت الدعوة الثبات والمواجهة ضد كل محاولات القضاء عليها في مهدها، شاءت الأقدار أن تعايش السيدة زينب عليها السلام وتواكب كل الأحداث والمصائب التي تعرّض لها الإسلام بدءً من عصر رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وما تركته وفاته من بصمات أليمة ألقت بظلالها على التاريخ مروراً بحياة أبيها وأمّها وجهادهما، إلى وقفتها في كربلاء وما جرى فيها من أحداث.

فكل تلك المعايشة للأحداث والمعاصرة للتطورات..

 كانت لإعداد السيدة زينب (ع) لتؤدي امتحانها الصعب ودورها الخطير في نهضة أخيها الحسين (ع) بكربلاء.

وما كان للسيدة زينب (ع) أن تنجح في أداء ذلك الامتحان، وممارسة ذلك الدور، لو لم تمتلك ذلك الرصيد الضخم من تجارب المقاومة والمعاناة، ولو لم يتوفر لها ذلك الرصيد الكبير من البصيرة والوعي.

ولم تكن واقعة كربلاء مجرّد حدث عابر في حياة السيدة زينب بقدر ما كانت عنواناً ندخل منه إلى العديد من المواقف التي عبّرت من خلالها عن صرخة الضمير علَّها بذلك تنقذ ما تبقّى منه في عقول المسلمين ونفوسهم التي تلوّثت وتدنّست برذائل الخبث والكيد الأموي الحاقد على الدين وأهله.

لقد أظهرت كربلاء جوهر شخصية السيدة زينب (ع)،وكشفت عن عظيم كفاءاتها وملكاتها القيادية، كما أوضحت السيدة زينب للعالم حقيقة ثورة كربلاء، وأبعاد حوادثها..

فلمواقفها  في كربلاء وخطاباتها في المرحلة التي تلتها الأثر الكبير في حفظ الثورة الحسينية وحمايتها وإيصال صوتها إلى مختلف أرجاء العالم الإسلامي الذي استفاق على صوت زينب وهي تحاول إيقاظه من سباته العميق، وأبرز هذه المواقف كانت في 

١/ أرض كربلاء،

٢/  الكوفة 

٣/في مجلس ابن زياد 

٤/ قصر يزيد بن معاوية في الشام إلى حين رجوعها إلى المدينة.

فما هو الدور الذي قامت به؟ وما هو الأثر الذي أحدثته مواقفها وخطاباتها في تلك الحقبة من الزمن؟

فعندما نراقب مجريات الأحداث بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام ونلقي نظرةً على ما حدث في هذه الأماكن ، وبالتحديد مواقف وكلمات السيدة زينب عليها السلام نكتشف مدى الصدى الواسع الذي ألقته في ذلك المجتمع المهزوم حيث تحوَّل ذلك إلى مجتمع ملتهب ضدّ الحكّام الظالمين المتمثّلين ببني أميّة.

هذا مع الأخذ بعين الاعتبار الحالة التي كانت عليها، والمصيبة التي حلّت بها وبالهاشميات من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهي التي شاركت الإمام الحسين عليه السلام في مصائبه، وانفردت عنه بالمصائب التي رأتها بعد شهادته والنهب والسلب والضرب وحرقِ الخيام والأسر. وفي قراءتنا لهذه المواقف نلاحظ ما يلي:

على ارض كربلاء: 

١/ السيدة زينب (ع) قدمت ولديها إلى لميدان الطف وقال اللعين عمر بن سعد : ما أعجب محبة هذه الأخت لأخيها ترسل فلذتي كبدها إلى الميدان 

وقد خرجت لجميع الشهداء إلا أولادها لكي لا تظهر الجزع وقلة الصبر فيذهب أجرها

 ومراعاة لمشاعر الحسين حتى لا يراها في هذه الحالة لما نزل بها من مصيبة عظيمة.

بعكس ذلك كانت اول من خرج بعد مصرع الاكبر وشهادته المفجعة لتكون مع الحسين وهل هناك غير الحسين في قلبها وحياتها ووجودها 

٢/ حينما حدثت الفاجعة الكبرى بمقتل أخيها الحسين (ع) بعد قتل كل رجالات بيتها وأنصارهم خرجت السيدة زينب تعدو نحو ساحة المعركة، تبحث عن جسد أخيها الحسين بين القتلى غير عابئة بالأعداء المدججين بالسلاح،  وقفت على جثمان أخيها العزيز الذي مزقته سيوف الحاقدين وهي تراه جثة بلا رأس مقطع إرباً إرباً، تصور العدو أنها سوف تموت ،تنهار ،تبكي ،تصرخ أو يغمى عليها، لكن ما حدث هز أعماق الناظرين، فأمام تلك الجموع الشاخصة بأبصارها إليها جعلت تطيل النظر إليه فوضعت يدها تحت جسده الطاهر المقطع وترفعه نحو السماء وهي تدعو بمرارة قائلة (اللهم تقبل منا هذا القربان).

 أعظم وأصعب موقف، مشهد يهدّ الجبال ويضعف الأبطال.

إلا أنها كلمات كبيرة وعميقة في مغزاها ومحتواها 

بهذا الكلام هزت الجيش الأموي، عاصفة دمرت الطغاة القتلة  كانت صامدة وصابرة ولم تنهار وإنما أعطت الأمة دروساً قيمة في التضحية من أجل العقيدة 

في الكوفة:

عندما رأت السيدة زينب الناس يتباكون ويتعاطفون (التعاطف الملعون) صاحت بهم لتعلّمهم أنَّ البكاء وحده لا ينفع بل لا بدّ من التعبير بغير البكاء والصياح لرفض ظلم الأمويين، وفي نفس الوقت أرادت أن تشعرهم بمسؤوليتهم الكبيرة تجاه ما حصل وممّا قالته: "أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل (الخداع) والغدر... أتبكون؟".

وكان لخطبتها الأثر الكبير في نفوس الكوفيين وهزّ ضمائرهم التي كانت مخدّرة، بالإضافة إلى موقفها من أهل الكوفة عندما وصل إليها ركب السبايا واجتمع أهلها للنظر إليهنّ ومحاولة تلك المرأة الكوفية التصدّق عليهنّ...

في مجلس ابن زياد:

حاول الطاغية ابن زياد التهجّم على أهل بيت النبوة الأطهار، والشماتة بما حصل لهم في كربلاء عندما أدخلوا السبايا على ابن زياد كان يعلم اللعين أن السيدة زينب موجودة مع النساء فأراد إذلالها في مجلسه وأمام الملأ، فالتفت نحوها قائلاً: من هذه الجالسة؟.

فلم تجبه استهانة به واحتقاراً لشأنه، وأعاد السؤال، عندها قامت إحدى السبايا وقالت له: هذه زينب ابنة فاطمة بنت رسول الله.

عندها انفعل من ترفّع السيدة زينب عن إجابته واندفع يخاطبها غاضباً متشمتاً: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.

هنا برزت مع أنها كانت تحبذ التسامي والتعالي على مخاطبة ابن زياد، إلا أن الموقف كان يتطلب منها ممارسة دورها الرسالي في الدفاع عن ثورة أخيها الحسين، وأيضاً تمزيق هالة السلطة والقوة التي أحاط بها ابن زياد نفسه لذلك بادرت إلى الرد عليه قائلة:

(الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد (ص) وطهرنا من الرجس تطهيراً إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا يا ابن مرجانة.. ).

لقد هزت كيان ابن زياد بهذا الرد الشجاع القوي مع أنها تمر بأفظع مأساة وأسوأ حال، فأراد ابن زياد أن يتشف بها فقال لها: كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟.

لكن العقيلة زينب أفشلت محاولته وانطلقت تجيبه بكل بسالة وصمود:

(ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلاح يومئذٍ ثكلتك أمك يا ابن مرجانة!! ).

إنه لموقف عظيم لقد تجاوزت السيدة زينب بإرادتها وبصيرتها النافذة كل ما أحاط بها من آلام المأساة ومظاهر قوة العدو الظالم، فقد واجهته بالتحدي وجهاً لوجه أمام أعوانه وجمهوره، معلنة انه لا ينتابها أي شعور بالهزيمة والهوان، فما حدث جميل بالنظر للرسالة التي يحملونها وما حدث هو استجابة لأمر الله تعالى الذي فرض الجهاد ضد الظلم والعدوان، وهي واثقة من أن المعركة قد بدأت ولم تنته.

ثم تختم كلامها بالدعاء بالهلاك للطاغية المتجبر أمامها مخاطبة إياه بقولها: (ثكلتك أمك يا بن مرجانة.. ).

فكان ردها قاسيا عنيفا أسقطت هيبته الزائفة . ولم تأبه بحالة الأسر كيف لا وهي ابنة علي الكرار (ع)، لا تفر أبداً..

في الشام‏:

 من أروع مواقف الدفاع عن الحق والتحدي لجبروت الطغاة والظلم. فيزيد كان أمامهم متربعاً على كرسي ملكه، وفي أوج قوته، وزهو انتصاره الزائف تحف به قيادات جيشه، ورجالات حكمه وزعماء الشام، كما أن أجواء المجلس كانت مهيأة ومعدة ليكون الاجتماع مهرجاناً للاحتفال بقتل أهل البيت.

وكانت السيدة زينب (ع) في ظروف بالغة القسوة والشدة جسدياً ونفسياً فهي ما زالت تعيش تحت تأثير الفاجعة المؤلمة، كما أن هناك أجواء الشماتة والإذلال والتنكيل إلى مالا نهاية، كل ذلك لم يشغل العقيلة زينب عن أداء دورها البطولي أمام هذا الأموي اللعين فعندما سمعت يزيد يترنم بهذه الأبيات:

ليت أشياخي ببدر شهدو جزع الخزرج من وقع الأسل

إلى آخر الأبيات..

فكان جوابها عليها السلام:

الحمد للّه رب العالمين، وصلى اللّه على رسوله وآله أجمعين صدق سبحانه حيث يقول: "ثم كانت عاقبة الذين أساؤوا السوء أن كذبوا..." أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول اللّه سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد... إلى آخر الخطبة.

لاشك أن خطبة السيدة زينب (ع) قد فضحت يزيد عليه اللعنة وهي تتكلم بكل فصاحة وطلاقة دون أن ترتعد فرائصها أو ينتابها الرعب أمام هذا الحاكم الظالم وهو محاط بجلاوزته وحاشيته.

مرغت كبرياءه بالوحل وفضحت مخططاته التي استهدفت الإسلام ووقفت ابنة علي كاللبوة في مجلس الظالمين، إن هذه الكلمات النارية التي رددتها بنت الرسالة أماطت اللثام عن الوجه الحقيقي للأمويين، وكشفت للناس زيفهم وكفرهم، وعرفوا الناس الحقيقة المرة، هنا انعكس الأمر على يزيد وتحول المجلس إلى ساحة محاكمة لجرائمه وفوجئ يزيد بهذا الانقلاب المفاجئ وفقد السيطرة على نفسه ولم يعد يدري كيف يواجه هذا الأمر فكان يتهرب من الموقف بقطع الكلام على السيدة زينب (ع) إلا أنها كانت تسمو أكثر فأكثر..

من خلال تلك المواقف والأحداث تجلت لنا كفاءات السيدة زينب وعظمة شخصيتها، فهي قائدة الثورة الحسينية بعد الإمام الحسين وبعدها جاءت لتدلي إلينا بدروسها العظيمة، فدروس خطبها (ع) تعلمتها من جدها وأبيها وأمها وأخويها ومن تطلعها التاريخي.

فكانت نعم الأخت المواسية المساندة لأخيها الحسين (ع) فقد شاركت أخاها في ثورته العظيمة الخالدة، وقادت بعده ركب النهضة المقدسة تلك هي ابنة علي وفاطمة (السيدة زينب (ع)).

بكلمات بيّنت  للناس الغافلين عن حادثة كربلاء وعن السبايا حيث كان اعتقاد أهل الشام أنهنّ من المارقين عن الدين، بيّنت لهم الحقائق، وأجلت لهم المواقف وفضحت أفعال يزيد وجرائمه التي ارتكبها بحق أهل البيت عليهم السلام.

لذا كان من الواضح جداً أنّ ما فعله يزيد بن معاوية لم يلاقِ من أهل الشام إلاّ زيادة الحبّ له

 لولا دخول موكب السبايا إلى الشام والفضيحة التي تعرّض لها من خلال مواقف الإمام السجاد والسيدة زينب (عليهم السلام).

ونظراً لاستفحال الأمور في الشام حيث دوّت أصداء الجريمة الأموية في أرجاء الشام، عند ذلك لم يجد غير إرجاعهم الى المدينة 

ومما يكشف لنا عن الخطر الذي شكّله دخول السيدة زينب إلى المدينة على الحكم الأموي، رسالة والي المدينة عمرو بن سعيد الأشدق إلى يزيد والتي يقول فيها: "إن كان لك بالمدينة شغل فأخرِج ابنة علي منها، فإنّها قد ألّبت الناس عليك"، وهكذا استطاعت السيدة زينب عليها السلام من خلال مواقفها وخطاباتها وجرأتها أن تُكمل مسيرة الحسين عليه السلام، فكانت الكلمة الواعية استكمالاً لعطاءات الدم والجهاد التي بدأت في كربلاء.

.........
الاخت
زكية ال جعفر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق