بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 2 فبراير 2016

الوعي بالذات والمدخلية في تربية النفس

الوعي بالذات والمدخلية في تربية النفس
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين..
قال الله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
{ ونفس وماسواها*فألهما فجورها وتقواها *قد أفلح من زكاها*وقد خاب من دساها} . صدق الله العلي العظيم

- ينتمي الإنسان إلى عالم المادة ويرتبط بالكون، وينسج علاقات متأصلة مع الوجود بكل أشكاله وألوانه ،إلا أنه يحتوي على نقيض المادة أيضا ضمن جدلية(إتحاد-وتنافر)
فالإنسان عندما يدرك الموجودات( يعمل فيها الفكر ويستخدم العقل)  إلا أنه ينسحر ويندهش أمام الجمال ودقة التنظيم الكوني ،الأمر الذي يجعله يبدع النظريات والفلسفات والمفاهيم والمعتقدات.
وإذا كان الإنسان ينتمي إلى عالم المادة وهو  (الطبيعة)فإنه يملك بعدا روحيا وهو (النفس).
نجده يتكون من كمياء وفيزياء ولكنه يشتمل على بعد روحي يسمو به ويرتقي إلى أعلى مراتب الوجود من خلال (العقل، والوعي، والإرادة والأخلاق والعمل).
يملك الإنسان دماغا مركبا ومعقدا يدرك من خلاله المحسوسات والمعقولات ،ويضع مفاهيم ونظريات وآراء ،فيحتسب الدماغ كل شيء ثم يعيد احتساب الإحتساب ،ليحتسب الذات نفسها التي تعي فكرتها وتراقبها وتضبطها
تتخلق النفس البشرية وقواها من الدماغ ولكنها لاتلبث أن تتمايز عنه في الوقت نفسه ،إذ تخلق عالمها الخاص وتطورقواها مستعينة بالدماغ ثم تعيد إبداعها عبر الوعي ،والإرادة الحرة .

- تحتوي الذات الإنسانية على تركيب متعدد الأبعاد ،يثير فينا الحيرة والدهشة ، فهي تتشكل من:
نفسٍ ،ودماغ وثقافة ومثالٍ في ترابط أصيل

- تراقب (النفس-و الذات )قواها ونوازعها مستخدمة الدماغ والأعصاب في معالجة المعلومة وتطابقها مع الواقع الخارجي 

# يحدث الوعي الذاتي من التطور الأقصى للدماغ وفاعليته ،إذ تعمل المراكز المتخصصة على تبادل المعلومات وتلقي الإشارات والمرموزات المتعددة .
كما أن مليارات المشابك العصبية التي تترابط وتتواصل وتتداخل تضعنا أمام معمل (كهربائي كميائي) هائل ومعقد مما يسمح بانبثاق ذهني محير إذ أن الفكرة ترتد على ذاتها فتزدوج مع أنها تظل واحدة .

عندما ننظر في المرآة مثلا يتم تعيين الذات حضورا ، (فالوعي تلقائيٌ وفوري وحدسي)  لكن ثمة شاهد مخفي يؤكد الوعي والحضور ،
فالوعي الذاتي يعيّن الحضور ويخفي تجربة تأملية داخل الذات
كيف تتجلى خصائص الوعي الذاتي؟
تتجلى خصائص الوعي الذاتي في:
التأثير الإرتدادي على( السلوك والكائن نفسه ).

يحدث الوعي إذا:( تفكير الفكر في كل شيء ،ويؤسس المراقبة النقدية ،والتأمل،والإبداع.
كيف يتم الإدراك (الوعي الذاتي)؟

تتطلب المعرفة بكل معانيها إنقطاعا أو فصلا بين الذات العارفة وموضوع المعرفة ،
فلكي يتم الإدراك ينبغي وجود مُدرِك ومدرَك،
وبما أن الوعي الذاتي هو :إدراك الذات لذاتها فهذا يعني (أن الموضوع والذات يقعان في كينونة واحدة) ،لذلك كان لابد من خلق فصل داخل الذات لكي يتحقق وعي الوعي أي نشوء فاصل بين الذات وموضوع داخل الذات نفسها

#ماهي أصناف الوعي؟
يمكن تصنيف الوعي إلى أربعة أصناف وهي:
1- الوعي العفوي التلقائي:
هو ذلك النوع من الوعي الذي يكوّن أساس قيامنا بنشاط معين دون أن يتطلب منا مجهودا ذهنيا كبيرا بحيث لايمنعنا من مزاولة أي نشاط آخر

2-الوعي التأملي:
وعي يتطلب حضورا ذهنيا قويا مرتكزا على قدرات عقلية كلية كالذكاء ،أو الإدراك،أو الذاكرة

3- الوعي الحدسي:
وهو الوعي المباشر والفجائي الذي يجعلنا ندرك الأشياء أو العلاقات ،أو المعرفة ،دون أن نكون قادرين على الإدلاء بدليل أو استدلال

4-الوعي المعياري الأخلاقي:
وهو الذي يسمح لنا بإصدار أحكام قيمة على الأشياء  والسلوكيات بحيث نرفضهما أو نقبلهما بناءََ على( قناعات أخلاقية ) ،ويرتبط هذا الوعي غالبا بمدى شعورنا بالمسؤولية اتجاه انفسنا والآخرين
إذا:
فالوعي هو ادراكنا للواقع والأشياء إذ بدونه يستحيل معرفة أي شيء
لذلك يمكن وصف الوعي بأنه :
"الحدس الحاصل للفكر بخصوص حالاته وأفعاله" فهو بمثابة " النور" الذي يكشف للذات عن بواطنها.

#ماهي النفس ؟ وهل هنالك أهمية لمعرفة النفس؟

في حديث عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في كلام له "ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه ،احتجب بغير حجاب محجوب ،واستتر بغير ستر مستور ولاإله إلا هو الكبير المتعال ...

يوضح هذا الحديث:
أن الحجاب الأساسي بين الإنسان والله عزوجل هو نفس الإنسان ، فما دام الإنسان يرى نفسه متصرفا وينسب إلى نفسه كل أمر يقوم به ومادامت نفس الإنسان هي مدار الرحى التي يبني عليها معتقداته وتصرفاته فإن هذه النفس ستكون الحجاب الكبير الذي لايسهل اختراقه.
لذا كانت النفس وإصلاحها من أهم الأمور في علم الأخلاق ،
بل إن علم الأخلاق هو:
تهذيب النفس بالدرجة الأولى للوصول بها إلى الكمال المرجو
ولذا نذكر هنا سؤال استنكاريا سأله أمير المؤمنين عليه السلام فقال:( كيف يعرف غيره من يجهل نفسه ؟!)
فالنفس هي التي أكرم الله تعالى بها الإنسان عن غيره من المخلوقات بأنها جمعت العقل مضافا إلى الغريزة والشهوة خلافا للحيوانات والملائكة
فلا بد للإنسان أن يستخدم عقله في تقويم المتطلبات التي تُمليها الشهوة والغريزة حتى يسلك حد الإعتدال "

" ونفس وماسواها *فألهمها فجورها وتقواها"
فينبغي بالدرجة الأولى على من يريد إصلاح نفسه أن:

يرغب نفسه بالأعمال الصالحة ويكون ذلك من خلال:

التفكر في الأعمال وماتستتبع من رضا وسخط الله ومايترتب عليها من آثار في الآخرة
ولذا فإصلاح النفس يبدء من:
التذكر
والخروج من نوم الغفلة عن الآخرة بالدرجةالأولى.

ولهذا الإسلوب في إصلاح النفس ميزتين :

1-يصلح ظاهر العمل وباطنه إذ أن المراد هو الله تعالى ،والمحاسب والمجازي
2- أنه جزاء دائم لأن ماعند الله خير وأبقى

فتغيير شخصية الإنسان شبيهة كل الشبة ببرمجة الحاسوب ،فكما أن برمجة الحاسوب ضرورية للإستفادة منه ، كذلك الحال مع النفس البشرية ،إذ لابد من إعادة برمجتهاوإعادة صياغة الأفكار داخلها من جديد.
حيث أن( البدن ):
يشكل بعده الظاهري المادي ،
(والنفس):
تشكل البعد الباطن والمجرد ،
أي إنما يشكلان البعد الدنيوي والأخروي إن صح التعبير

فالنفس:
حقيقة الشيء وجوهره وبهذا المعنى يقال شيء نفيس حيث تطلق على الدم :نفس سائلة ،والروح كما يقال:خرجت نفسه ،والتنفس الذي هو الشهيق والزفير
إذا:
فالبدن يشكل البعد المادي للإنسان في الحياة الدنيا وأنه وسيلة للوصول إلى مراتب الكمال وبدونه تبقى النفس عاجزة عن الوصول إلى مبتغاها وغايتها فالمحافظة على البدن محافظة على  النفس والإنسان
فالنفس الإنسانيةمطواعة بفطرتها ،أي بمعنى أن الإنسان قادر على تربية نفسه وتهذيبها ،من خلال :
سلوكه وأعماله.
فإذا حكم عقله على نفسه انقادت وتجلت كمالاتها حتى يصير السلوك ملكة فاضلة فيه
وأما إذا تركها لإشباع رغباتها وأهوائها من دون محاسبة ومراقبة أدت إلى تقييد العقل عن التأثير فيها

إذا فمسيرة الإصلاح تبدء من داخل الإنسان ،فإذا تغير الداخل تغير كل شيء ،وإذا لم يغير بقي كل شيء على حاله (إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم).
فإذا تغيرت الذات نحو الأحسن تغير كل شيء نحو الأحسن والعكس بالعكس
إذا: ينبغي أن نفكر إذا آمنت أن بمقدوري أن أحقق معجزة فسأحقق المعجزة وإذا آمنت أن بمقدوري أن أحقق شيئا قليلا سأحقق الشيء القليل مثالا على ذلك :
كان هناك طفلا ربما في السادسة أو السابعة من العمر ،كان يعيش في بلد عربي وهو من عائلة فقيرة ،كانت ملامحه أفريقية كان مهانا في أوساط التلاميذ الصغار ،لكنه يؤمن بأن بمقدوره أن يصنع شيئا عظيما ،وذات مرة وهو في الصف الإبتدائي ،سأل الأستاذ قائلا :(ماهو هدفكم المستقبلي؟)
أحدهم قال:هدفي أصبح محاميا ، والثاني قال:هدفي أن أصبح طبيبا والثالث قال:هدفي أن أصبح معلما
أما هذا الطفل الفقير قال:هدفي أن أصبح رئيس جمهورية مصر
الأطفال والمعلم ضحكوا عليه ،لأنه لم تكن لديه الكفاءة من ناحية ظاهرية ،لكنه يؤمن في داخله بإمكانه أن يصبح رئيس جمهورية مصر وبالفعل أصبح رئيس جمهورية مصر وهو أنور السادات رغم أنه رجل سيء القلب لكنه يحمل هذا الطموح رغم ضلاله ،فكيف بالمحق ؟وكيف بولي الله؟ألا يمكن أن يصل؟
وهكذا يجب أن يحاول الإنسان بإرادة راسخة أن يذهب -مثلا- إلى المعصوم عليه السلام ويطلب منه طلبا كأن يقول:أنا صممت على تغييرما بنفسي وأن أحدث معجزة في نصرة أهل البيت عليهم السلام بلا شك سيحصل هذا التوفيق
هذه حقيقة كمياء الأنفس ؛أحيانا بكلمة واحدة تغير مسيرة أمة ،وأحيانا يدور التاريخ كله على كتفي رجل وامرأة
حيث يقول أمير المؤمنين عليه السلام :(من رام أمرا ناله) هذا كلام حجة الله على الخلق كله
من رام يعني "من قصد "
أنت قررت أن تهدين 100مليون امرأة لأمكنك ذلك
كلمة الإمام على حسب الإصطلاح الأصولي مطلقة يعيني من رام أمرا "أي أمر كان" فإنه يبلغه شريطة توافر :
النية ،والقصد ،والعزم
يقول السيد مرتضى الشيرازي نقلا عن والده السيد المرجع يقول :السيد الوالد يردد هذه الآية الشريفة :(يايحيى خذ الكتاب بقوة )، فالإنسان تارة يأخذ قضية من القضايا بضعف فيقول:(نحن إن شاء الله نحاول أن نهدي 1000شخص )لكن بترددفإن تحقق ذلك فعليها وإن لم يتحقق فلا بأس  في حين أن شرط النجاح هو أن نأخذ الأمور بقوة وعزم راسخ
فالتغيير يبدء من الداخل ،فإذا قرر الإنسان قرارا جديا حقيقيا بأن يصنع معجزة فستحدث عندئذ ،سيكون نفسه تلك الكمياء التي تحدث التغير في نفوس الملايين دونما شك.
فالمرحلة الأولى :لابد من القرار ولابد من الإيمان بالواحد الأحد (تخلقوا بأخلاق الله)
وفي المرحلة الثانية: لابد من جدولة
زمنية حتى يمكن ترجمة الأعمال العظيمة التي نحلم بها إلى خطوات ملموسة على أرض الواقع
فمثلا :في الصباح عندما استيقظ أفكر أن أنجز مهمات حتى المساء ،ومن ثم في آخر الليل أفكر في نفسي ، هل أنجزتها أم لا؟
(ليس منا "أي الأئمة" من لايحاسب نفسه )
فلا بد لكل منا يضع خطة لنفسه ،ثم يفكر فيما أنجز  ،وفيما لم ينجز ،فإذا بدأنا بهذا المنهج فسنقفز قفزات جبارة إلى الأمام ،بلطف الله سبحانه وكرمه؛ فالقرار أولا ،ثم الجدول الزمني ثانيا ،وثالثا نظرية القطرات والذرات " فكل قطرة يجب أن تستثمر ،كل قطرة من ماء الوجه ،هذا رزق من الله ،فكل امرأة تمتلك ماء وجه في المجتمع ،لها مكانة ،لها منزلة ،هذه نعمة من الله ، فترى الإنسان يتألم إذا جرحه أحد في كرامته لماذا؟!لأن قليلا من ماء الوجه أريق ؛ماء الوجه رزق من الله إلينا وسيحاسبنا عليه غدا فالآية الكريمة تقول:(ولتسألن يومئذ عن النعيم )للقرآن ظاهر وباطن فالمصداق الأجلى للنعيم هو الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام والأئمة المعصومين لكن هناك مصاديق أخرى لماذا؟لأن النعيم منه ماء الوجه ،والله سبحانه يسألني عنه يقول:أنا أعطيتك ماء وجه ،فهل أنفقه في سبيلي؟أي مقدار أفنيت منه؟
الوقت كذلك من نعم الله ؛أحاسب نفسي كم أنفقت من وقتي في سبيل الله وهل قطرة من قطرات ماء الوجه أريقت عبثا؟هل أصرف وقتي في موضع لايرضي الله؟ الوقت عليه حساب ، بل حتى الثانية عليها حساب
ينقل أن حلاقا كان مشغولا في حلاقة الرأس المبارك لأمير المؤمنين عليه السلام وتزيين محاسن وجهه الشريف ،فلما بلغ شاربه المبارك، كان الإمام ع مشغولا بالذكر، فقال له الحلاق:(حبذا لو أطبقت شفتيك لثانيتين أو ثلاث حتى أتمكن من قص الشوارب بشكل منتظم ،ولاأحدث جرحا في شفتيك المباركتين)فأجابه الإمام بجواب عجيب:قال(الوقت أسرع وأثمن من هذا أنت تريد مني أن أقطع الذكر لثانيتين ،كلا استمر فيما أنت فيه ،وأنا أستمر فيما أنا فيه !)
يقول السيد مرتضى الشيرازي
السيد الوالد كما رأيته -يستثمر كل لحظات حياته ،ولذلك أعطاه الله هذا التوفيق العظيم ،فمؤلفاته تجاوزت ال(1200) كتابا ..وذات مرة قال لي كلمة جعلتني أكبر فيه هذه الروح العظيمة ،وكشفت لي سرا من أسرار توفيقه ،حيث قال:(أنا عندما كنت شابا صغيرا طلبت من الله سبحانه ثم من الإمام الحسين عليه السلام أن يوفقني لكتابة ألف كتاب).إنه طلب أن يوفق لكتابة 1000كتاب ،فنال مايريدوزيادة ثم صار السيد الوالد يطلب من الله سبحانه ،ومن الإمام الحسين ع أن يوفقه لكتابة ثلاثة آلاف كتاب .
فينبغي علينا أن نضع هذه الآية الشريفة"ولله الحجة البالغة"نصب أعيننا فقد ورد في رواية تفسيرها يستفاد منها :أن العبد يحس غدا في حضرة الله سبحانه ،وكأنه لاشيء ،لاعذر له في تقصيره ؛فأنا عندما أقف في حضرة القدس الإلهي ،ويأتي سؤال :قد وهبناك العقل والصحة والمال وماء الوجه فكيف شكرت النعمة التي أنعمتها عليك حيئذ سأشعر بضعف موقفي ،وسأقع في حيرة لاأجد منها مخلصا
إذا يترتب علينا أن نحرص في حياتنا على أن نخلف ذكرا وأثرا طيبا وأن لانتحول إلى مجرد وجود أتى لكي ينتظر موعد رحيله وهو أمر يحتاج إلى طول المسألة من الله وكثرة الدعاء والتوسل بأهل بيت النبوة الأطهار عليهم السلام

المصادر :
البحث اﻹكتروني
محاضرات السيد مرتضى الشيرازي
........
الاخت
مزدلفة الخليفة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق