مقامات السيدة فاطمة الزهراء (ع)
في عصرنا الحديث ، عصر الوعي والثقافة ، عصر التقدم والإنفتاح العقلي ، هل يعد التصديق لبعض الأمور الخارقة للعادة تخلفاً ورجعية ؟!
وهل يتنافى ذلك مع الوعي والثقافة ؟!
وهل كل ما لا يستوعبه العقل هو باطل ولا بد من رفضه بدعوى التعقل والثقافة ؟!
الإسلام دين العقل يدعو للتفتح الذهني وعدم الإنجرار خلف العادات والموروثات ، ويذم في آياته أقواما زهدوا في استخدام عقولهم كما يحث في كثير من آياته على التأمل والتفكر وإعمال العقل ،وعلى ترشيح ما يسمعه أو يقرأه الإنسان واختيار ما يراه مناسبا .
وفي الوقت ذاته يدعو الإسلام للتسليم لكل ما تطرحه الشريعة السمحاء وإن لم تستوعبه عقولنا " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما"
لذا وجب التسليم والإنقياد المطلق لله ولرسوله الذي ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، ولأهل بيته الذين لا يخالفون رسول الله قيد أنملة.
ومن الأمور التي يجب التسليم بها هي مقاماتهم سلام الله عليهم إذ أنها مقامات سامية قد لا يدركها العقل
في حديث عن أمير المؤمنين يصف مقامتهم سلام الله عليهم : " لا تجعلونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته فإن الله قد أعطانا أكبر وأعظم مما يصفه أوصَفُكم أو يخطر على قلب أحدكم "
ولا عجب إن كرمهم ا لله تعالى وفضلهم وأعطاهم من الكرامات والمقامات العالية فقد أعطى من هم دونهم فمن باب أولى أن تكون لهم الأفضلية في الحظوة بهذه المقامات .
يقول الله سبحانه وتعالى في حديث قدسي مخاطبا نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم : " يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما "
مقام سامي نالته سيدة نساء العالمين هو كونها علة غائية لخلق الكون .
فما معنى هذا الحديث الشريف ؟!
بداية قد يستغرب السامع لهذا الحديث ولكن هي ليست علاقة مفاضلة بين الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، والإمام علي عليه السلام ، وفاطمة صلوات الله وسلامه عليها وعلى بنيها ، إنما هي علاقة تكاملية ( تعدد أدوار ووحدة هدف ) ولبيان معنى الحديث نسأل سؤال مهم :
ما هي العلة من خلق الكون والأفلاك ؟
القرآن يجيبنا على هذا التساؤل وهو أن الله سبحانه خلق الكون والحياة من أجل الإنسان " وسخر لكم الشمس والقمر وسخر لكم الليل والنهار"
وإذا سألنا: لماذا خلق الله الإنسان ؟
يأتينا الجواب أيضا من القرآن " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " خلق الله الإنسان ليدرج في مدارج
ولأن الكمالات أمر معنوي فإنه من الصعب على الإنسان أن يصل بمفرده ، وأن يكتفي بإرشادات عقله إلى الطريق الصحيح فكان لا بد من قائد وكان هذا القائد هو النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلولاه لما خلق الله الأفلاك,ولايتكامل هذا الدين إلا بولاية أمير المؤمنين (ياأيها الرسول بلغ ماأنزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) فكان كمال الدين بولايته (ع) وذلك بتنصيبه يوم الغدير ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) فلو لم ينصب الرسول علياً خليفة فكأنه لم يبلغ الرسالة لأن إيمان الفرد وعبوديته لا يتحقق إلا بولاية أمير المؤمنين وبهذا يتضح معنى ولولاعلي لما خلقتك .
أما معنى ( ولولا فاطمة لما خلقتكما ) ذلك لأنه لو لا فاطمة (ع) لما قام بعد النبي (ص) للدين عمود ولااخضر له عود وذلك من عدة وجوه :
أولا : لكونها الوعاء الوعاء الطاهر للأئمة وصلاح العالم يكون بأبناءها والمهدي الذي يصلح العالم كله من أبناءها
ثانياً : كان لها دور أساسي في حفظ الدين والرسالة حيث أن رسول الله (ص) قد خطط لحفظ هذه الرسالة بتنصيب أمير المؤمنين (ع)خليفة ولكن الأمة انحرفت عن مسارها بما حدث في السقيفة فكان لابد للإمام علي من وسيلة لحفظ الرسالة فاختار أن يقوم بعمل سلمي سياسي اتباعا لوصية رسول الله حيث أن الثورة والسلاح ستؤدي لمعركة لن تكون نتائجها في صالح الدين فاختار العمل السلمي السياسي لتعرية السلطة الحاكمة فكانت فاطمة الزهراء عليها السلام هي المتصدية لهذا الدور بحسب الخطة العلوية التي خطط لها الإمام علي والحكمة في ترشيحها لهذا الدور هو ماكانت تتمتع به من مكانة خاصة عند المسلمين باعتبارها حبيبة رسول الله وابنته الوحيدة ولكثرة ماأورده رسول الله (ص) في حقها أمثال ( فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني )
(إن الله ليغضب لغضبها ويرضى لرضاها) وغيرها من الروايات فكان لها دور رئيسي في الدفاع عن خلافة وولاية أمير المؤمنين (ع) عن طريق مواقفها المتعددة كخطبتها الفدكية وغيرها من مواقف معارضة بينت فيها اعتراضها ومن ضمن ماقالت (ع) :(ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة والدلالة ) وبهذا تكون الزهراء قد ذادت عن الإمامة التي بدونها لايتم هذا الدين وهكذا اتضح كيف أن الزهراء هي علة غائية في ارساء قواعد هذا الدين
ثالثاً: كونها حجة على الأئمة يقول الإمام العسكري (ع)):نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة الله علينا) ولتوضيح معنى الحديث الشريف نبين أولا معنى الحجة : الحجة هي كل شيئ يصلح أن يحتج به عى الغير
والحديث يحتمل ثلاث معاني :
1/المعنى الأول:
إن الله احتج بها على الأئمة قبل أن يحتج بها على الخلق وبيان ذلك إن حجية الحجة على قسمين
*بين الله وبين خلقه كما في سائر الأنبياء حيث احتج بهم على الخلق
*أوسع وأعمق وهو حجية النبي والأئمة والزهراء حيث احتج الله بهم على الرسل قبل أن يحتج بهم على الخلق وهنا أراد الإمام العسكري (ع) أن يقول أن لفاطمة درجة من الحجية بحيث احتج الله بها على الأئمة المعصومين
2/المعنى الثاني:
أن المراد بحجيتها (ع) هو حجيتها في بعض العلوم التي لم تصل إلى الأئمة إلا عن طريق السيدة فاطمة عليها السلام حيث ورد في الرويات الصحيحة أن الزهراء (ع) بعد وفاة النبي (ص) غم وهم شديدين فنزل عليها ملك يسليها ويحدثها عن معلومات تاريخية بما سيحدث مستقبلا وبما سيحدث لأبنائها وذريتها ليوم القيامة
وبعض هذه الروايات ظاهرها إن هذه المعلومات كانت (علم تأويل القرآن ) ثم انتقل هذا العلم للإمام علي عن فاطمة ثم إلى باقي الأئمة وهكذا كانت حجة على الأئمة
3/ المعنى الثالث :
إن هذه الرواية تتعلق بعالم الأنوار بمعنى أنه عندما خلق الله نور النبي (ص) والإمام علي (ع) وهما أول نورين خلقهما الله عز وجل أودع في هذين النورين جميع مظاهر أسمائه وصفاته ( الرحمة ,العزة , العلم ,الحلم وغيرها من الأسماء والصفات فأصبح النوران مظهرا لأسمائه وصفاته ثم جمع النورين في البتول (ع) فكانت مجمع نور النبوة ونور الإمامة ثم خلق الأئمة فأطلعهم على نور فاطمة فكان نور فاطمة مظهرا لأسماء الله وصفاته بالنسبة للأئمة المعصومين فلذلك عندما يقول الإمام العسكري (ع) (وجدتنا فاطمة حجة الله علينا ) فمعناه أن نورها كان حجة علينا بلحاظ مضهريته لأسماء الله وصفاته من عالم الأنوار وتدرج لعالم الملكوت ثم لعالم المادة
ومن مقامات الزهراء (ع) مقام الشفاعة الكبرى فاذا صارت عند الجنة تلتفت فيقول الله عز وجل يابنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي فتقول يارب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم فيقول الله يابنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه الجنة قال أبو جعفر (ع ) والله ياجابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديئ فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا يقول الله عز وجل ياأحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي فيقولون يارب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم فيقول الله ياأحبائي ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة ,انظروا من أطعمكم لحب فاطمة ,من كساكم لحب فاطمة ,انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة ,انظروا من رد عنكم غيبة في حب فاطمة خذوا بيده وأدخلوه الجنة قال أبو جعفر (ع) والله لايبقى في الناس إلا شاك أو كافر أو منافق فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال الله تعالى فمالنا من شافعين ولاصديق حميم فيقولون لو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين
اللهم صل على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك وأحصاه كتابك وارزقنا شفاعتها ورضاها واجعلنا من الفائزين بكرامة خدمتها
المصادر:
في محراب فاطمة (ع)الشيخ حسين الكوراني
الأسرار الفاطمية الشيخ محمد فاضل المسعودي
الكوثر في أحوال فاطمة (ع) السيد محمد باقرالموسوي
............
الاخت
ندى الخلف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق