السيد الصدر
مراحل حياته العلمية والجهادية
إن العقول الكبيرة كثيرة، والأفهام المشهورة موفورة، أما النفوس التي تقاد بزمان العقول، والقلوب التي تملك أعنتها الأفهام، والسلوك الذي يصنع على عين اللب وبيده، فتلك نوادر قلت، وشوارد قد استعصى طلبها، وأعيت على سعي الطالبين.
إن شهيدنا الغالي الثمن استحوذ على القلوب، وكان له موضع الإعظام قبل لعمله قبل علمه، ولتقواه قبل فهمه، ولنزاهته وقداسته قبل عبقريته وإحاطته، لذلك عشقه من لا يعرفون العبقريات ليقدروا أهلها بقدرها، وشغفت به حباً من لا يدركون العقول النافذة والأفكار المبدعة ليعظموا أصحابها، ويدينوا بالإكبار لذويها، ويخفضوا لهم جناح الذل طاعة وانقياداً
ولادته ونشأته :
هو السيد محد باقر بن السيد حيدر بن السيد إسماعيل الصدر الكاظمي الموسوي، ويُكنى بأبي جعفر
ولد ـ قدس سر ـ في مدينة الكاظمية المقدسة في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 1353 هـ،
وكان جده لأبيه وهو السيد اسماعيل الصدر; زعيماً للطائفة، ومربياً للفقهاء، وفخراً للشيعة، زاهداً ورعاً ظالعاً بالفقه والأصول، وأحد المراجع العِظام للشيعة في العراق.
أما والدته فهي الصالحة التقية بنت المرحوم آية الله الشيخ عبد الحسين آل ياسين، وهو من أعاظم علماء الشيعة ومفاخرها.
فقد السيد الشهيد والده وعمره أربع سنوات إذ توفى السيد حيدر الصدر عن عمر يناهز الثامنة والأربعين،
وبعد وفاة والده تربى في كنف والدته وأخيه الأكبر، ومنذ أوائل صباه كانت علائم النبوغ والذكاء بادية عليه من خلال حركاته وسكناته.
دراسته :
* شرع بحياته الدراسية في منتدى النشر في الكاظمية، ابتدأ دراسته في السنة الخامسة من عمره، وأنهي الدراسة الابتدائية في سن الحادية عشرة من عمره، ثم اتجه إلى الدراسات الدينية في الحوزة العلمية؛ حيث أكمل دراسة السطوح بفترة قياسية
* أخذ يدرس الكتب الدراسية وحده وذلك بدون أستاذ فأكمل معظمها بهذه الطريقة، ودرس الأسفار بطريقة خاصة كان قد اشترطها على أستاذه في الفلسفة الشيخ صدر الباوكوبي ، بحيث يقرأ هو المطالب ويسأل أستاذه الإشكاليات التي يواجهها فقط، وقد أكمل الأسفار بهذه الطريقة في مدة ستة أشهر
*في سن الحادية عشرة من عمره، بدأ بدراسة المنطق وفي نفس الفترة كتب رسالة في المنطق، حيث كان يطرح بعض الإشكالات على الكتب المنطقية و في أوائل الثانية عشرة من عمره ، شرع بدراسة كتاب معالم الأصول عند أخيه السيد إسماعيل الصدر، وكانت لديه الاعترضات ذاتها على صاحب المعالم التي اعترض بها صاحب كفاية الأصول على صاحب المعالم.
*قبل بلوغ الرابعة عشرة من عمره ، هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1367 هـ فحضر دروس البحث الخارج لنخبة من أساتذتها كخاله الشيخ محمد رضا آل ياسين، والسيد الخوئي.
*برز بكونه علماً من علماء الحوزة في وقت مبكر، حيث كان الشيخ عباس الرميتي يطلب من السيد الشهيد أن يجلس إليه عندما كان يكتب حاشيته على بعض الرسائل العلمية
*حصل على الاجتهاد في سن الثامنة عشرة، فأصبح أحد الأعلام الكبار في الحوزة العلمية و ارتفع اسمه في الأوساط العلمية، وقيل إنه قد حصل على الاجتهاد قبل البلوغ؛ فكان ذلك سببا في عدم تقليده لأحد من المراجع .
* معدل مطالعته العلمية في اليوم الواحد كان ست عشرة ساعة خلال سنوات تحصيله الأولى على طوال سبع عشرة أو ثمان عشرة سنة
* بدأ في إلقاء دروسه ولم يتجاوز عمره خمس وعشرون عاماً
* اخذ المرجعية التي وافق عليها السيد ابوالقاسم الخوئي و هو في سن الواحد و العشرين
أساتذته:
تتلمذ الشهيد السعيد على أيدي اساتذة عديدين نذكر منهم :
1 ـ أخاه حجة الإسلام والمسلمين السيّد إسماعيل الصدر.
2 ـ خاله آية الله الشيخ محمّد رضا آل ياسين.
3 ـ آية الله الشيخ عباس الرميثي.
4 ـ آية الله العظمى السيّد أبوالقاسم الخوئي.
دروسه:
1. بحث الأصول، وكان يلقيه في مسجد الجواهري بعد أذان المغرب بساعة في الأيام الدراسية في الأسبوع.
2. بحث الفقه، وكان يلقيه في جامع الطوسي في الساعة العاشرة صباح كل يوم من الأيام الدراسية.
العمل الفكري:
١/ التصدي الفلسفي والفكري للاستعمار الكافر الممثل بمذاهبه المختلفة. لقد عانت الساحة العراقية في الخمسينات من اشتداد الحركة الشيوعية التي كانت تركز على حرب المعتقدات الدينية وتسعى بجد لانتزاعها من قلوب الأمة. وقد نجحت حينها نجاحاً شديداً لعدم وجود المبارز القادر على ردها حتى جاء الشهيد رضوان الله تعالى عليه فعارض الدليل بالدليل والحجة بالحجة فسطع نور الحق.
٢/ لم يغب عن ذهن الشهيد صورة العمل النسوي في أوساط الأمة فتعاهده على طول عمله الجهادي وأعد له أخته المجاهدة العالمة آمنة حيدر الصدر "المكناة ببنت الهدى"، وقد مارست السيدة الشهيدة العمل للإسلام منذ صغرها، وكانت تسير مع أخيها في تحركاته، وتكملها على الصعيد النسوي.
وينبغي للمتابع لمسيرة السيد الصدر الجهادية أن ينظر إلى بنت الهدى ونتاجاتها على أنها الامتداد الطبيعي لعمل السيد في المجال النسوي
٣/ كان الشهيد الصدر مرتبطاً عاطفياً وسياسياً وفكرياً بالإمام الراحل الخميني العظيم منذ سنوات كثيرة
وبعد نجاح الثورة الإسلامية المباركة وقيام دولة المستضعفين في إيران طرح الإمام الفقيد الخميني الكبير (قد) مشروع دستور الجمهورية الإسلامية وأرسل حينها برسالة إلى السيد الشهيد يسأله عن معالم الدستور الإسلامي
٤/ خلال هذه المدة استطاع سيدنا الأستاذ أن يربي طلاباً امتازوا ـ حقاً ـ عن الآخرين من حيث العلم والأخلاق والثقافة العامة، لأن تربية السيد الصدر لهم ليس منحصرة في الفقه والأصول، بل أنّه يلقي عليهم في أيام العطل والمناسبات الأخرى محاضراته في الأخلاق، وتحليل التأريخ، والفلسفة، والتفسير لذا أصبح طلابه معجبين بعلمه وأخلاقه، وكماله إلى مستوىً منقطع النظير، ولهذا حينما يجلس السيد بين طلابه يسود بينهم جو مليء بالصفاء والمعنوية.
طلابه:
من أبرز طلابه ما يأتي ذكرهم:
١ ـ آية الله السيد كاظم الحائري.
٢ ـ آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي.من كبار المراجع في ايران ورئيس السلطة القضائية وصاحب اكبر موسوعة فقهية
٣ ـ آية الله السيد محمد باقر الحكيم.
٤-السيد حسن نصر الله
٥- أية الله العظمى ألسيد محمد باقر المهدي سياسي كويتي ورجل دين يحمل وكالة العديد من المراجع
٦- السيد كمال الحيدري
٧- السيد محمد حسين فضل الله
سيرته وأخلاقه :
سنوجز في هذه المناسبة أبرز صفاته وهي:
1 ـ حبه وعاطفته:
ان من سمات شخصية المرجع الشهيد ( رحمه الله ) تلك العاطفة الحارة، والأحاسيس الصادقة، والشعور الأبوي تجاه كل أبناء الأمة، تراه يلتقيك بوجه طليق، تعلوه ابتسامة تشعرك بحب كبير وحنان عظيم، حتى يحسب الزائر أن السيد لا يحب غيره، وإن تحدث معه أصغى إليه باهتمام كبير ورعاية كاملة، وكان سماحته يقول: إذا كنا لا نسع الناس بأموالنا فلماذا لا نسعهم بأخلاقنا وقلوبنا وعواطفنا؟
2 ـ زهده:
لم يكن الشهيد الصدر زاهداً في حطام الدنيا، لأنه كان لا يملك شيئاً منها، أو لأنه فقد أسباب الرفاهية في حياته، فصار الزهد خياره القهري، بل زهد في الدنيا وهي مقبلة عليه، وزهد في الرفاه وهو في قبضة يمينه. وكأنه يقول ( يا دنيا غري غيري ): فقد كان زاهداً في ملبسه ومأكله لم يلبس عباءة يزيد سعرها عن خمسة دنانير ( آنذاك )، في الوقت الذي كانت تصله أرقى أنواع الملابس والأقمشة ممن يحبونه ويودونه،لكنه كان يأمر بتوزيعها على طلابه.
3 ـ عبادته:
من الجوانب الرائعة في حياة السيد الصدر ( رحمه الله ) هو الجانب العبادي، ولا يستغرب إذا قلنا: إنه كان يهتم في هذا الجانب بالكيف دون الكم، فكان يقتصر على الواجبات والمهم من المستحبات.
وكانت السمة التي تميّز تلك العبادات هي الانقطاع الكامل لله سبحانه وتعالى، والإخلاص والخشوع التامين، فقد كان لا يصلي ولا يدعو ولا يمارس أمثال هذه العبادات، إلا إذا حصل له توجه وانقطاع كاملين.
4 ـ صبره وتسامحه:
كان السيد الصدر أسوة في الصبر والتحمل والعفو عند المقدرة فقد كان يتلقى ما يوجه إليه بصبر تنوء منه الجبال، وكان يصفح عمن أساء إليه بروح محمديّة
مواقفه الشجاعة ضد نظام البعث :
للسيد مواقف مشرفة كثيرة ضد النظام العراقي العميل نوجزها بما يلي:
١/ في عام ـ 1969 م ـ وفي إطار عدائها للإسلام، حاولت زمرة البعث الحاقدة على الإسلام والمسلمين توجيه ضربة قاتلة لمرجعية المرحوم آية العظمى السيد محسن الحكيم ( قدس سره ) من خلال توجيه تهمة التجسس لنجله العلامة السيد مهدي الحكيم، الذي كان يمثل مفصلا مهماً لتحرك المرجعية ونشاطها، فكان للسيد الشهيد الموقف المشرف في دعم المرجعية الكبرى من جانب، وفضح السلطة المجرمة من جانب آخر، فأخذ ينسق مع المرجع السيد الحكيم ( قدس سره ) لإقامة اجتماع جماهيري حاشد، ويعبر عن مستوى تغلغل المرجعية الدينية وامتدادها في أوساط الأمة، وقوتها وقدرتها الشعبية وحصل الاجتماع في الصحن الشريف لمرقد الإمام امير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام )، وكان حاشداً ومهيباً ضمّ كل طبقات المجتع العراقي وأصنافه.
ولم يقف دعمه عند هذا الحد، بل سافر إلى لبنان ليقود حملة إعلامية مكثفة دفاعاً عن المرجعية، حيث قام بإلقاء خطاب استنكر فيه ما يجري على المرجعية في العراق، وأصدر كثيراً من الملصقات الجدارية التي ألصقت في مواضع مختلفة من العاصمة بيروت.
٢/ في صباح اليوم الذي قرر الإمام الراحل سماحة آية العظمى السيد الخميني ( رضوان الله عليه )، مغادرة العراق إلى الكويت قبل انتصار الثورة الإسلامية في ايران، قرر السيد الصدر الذهاب إلى بيت الإمام لتوديعه، بالرغم من الرقابة المكثفة التي فرضتها سلطات الأمن المجرمة على منزله، وفي الصباح ذهب لزيارته، ولكن للأسف كان الإمام قد غادر قبل وصوله بوقت قليل.
والحقيقة أنه لا يعرف قيمة هذا الموقف وأمثاله إلاّ الذين عاشوا تلك الأجواء الإرهابية التي سادت العراق قبيل وبعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران.
٣/ بعد حادثة
[٢/٥ ٠٧:٢٩] زكية الجعفر: اغتيال الشهيد مرتضى المطهري في ايران على أيدي القوات المضادة للثورة الإسلامية في ايران، قرر السيد الصدر إقامة مجلس الفاتحة على روحه الطاهرة وذلك لأنه كان من رجال الثورة ومنظريها وكان من الواجب تكريم هذه الشخصية الكبيرة.
٤/ ومن مواقف الفداء والتضحية ما حدث خلال فترة الحصار والإقامة الجبرية أيام انتصار الثورة الإسلامية في ايران ـ 1399 هـ = 1979 م ـ إجابته على كل البرقيات التي قد أُرسلت له من ايران، ومنها برقية الإمام الخميني ( قدس سره )، علماً أن جميع تلك الرسائل والبرقيات لم تصله باليد، لأن النظام العراقي كان قد احتجزها، لكن السيد الشهيد كان يجيب عليها بعد سماعها من إذاعة ايران / القسم العربي .
وكان من حق السيد الشهيد أن يعتذر عن الجواب، فمن هو في وضعه لا يُتوقع منه جوابا على برقية، لكن لم يسمح له إباؤه فعبّر عن دعمه المطلق، وتأييده اللامحدود للإمام الراحل والثورة الإسلامية الفتية المباركة; مسجلا بذلك موقفاً خالداً في صفحات التضحية والفداء في تاريخنا المعاصر.
٥/ تصدى ( رضوان الله عليه ) إلى الإفتاء بحرمة الأنتماء لحزب البعث، حتى لو كان الانتماء صورياً، وأعلن ذلك على رؤوس الأشهاد، فكان هو المرجع الوحيد الذي أفتى بذلك، وحزب البعث في أوج قوته وكان ذلك جزءاً من العلة وأحد الأسباب التي أدت إلى استشهاده.
أهداف، سعى الشهيد الصدر لتحقيقها:
١/ كان السيد الصدر يعتقد بأهمية وضرورة إقامة حكومة إسلامية رشيدة، تحكم بما أنزل الله عزوجل، تعكس كل جوانب الإسلام المشرقة، وتبرهن على قدرته في بناء الحياة الانسانية النموذجية، بل وتثبت أن الإسلام هو النظام الوحيد القادر على ذلك، وقد أثبت كتبه ( أقتصادنا، وفلسفتنا، البنك اللاربوي في الإسلام، وغيرها ) ذلك على الصعيد النظري.
٢/ وكان يعتقد أن قيادة العمل الإسلامي يجب أن تكون للمرجعية الواعية العارفة بالظروف والأوضاع المتحسسة لهموم الأمة وآمالها وطموحاتها، والإشراف على ما يعطيه العاملون في سبيل الإسلام في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من مفاهيم، وهذا ما سماه السيد الشهيد بمشروع « المرجعية الصالحة ».
٣/ من الأمور التي كانت موضع اهتمام السيد الشهيد ( رضوان الله عليه ) وضع الحوزة العلمية، الذي لم يكن يتناسب مع تطور الأوضاع في العراق ـ على الأقل ـ لا كماً ولا كيفاً، وكانت أهم عمل في تلك الفترة هو جذب الطاقات الشابة المثقفة الواعية، وتطعيم الحوزة بها.
كما اهتم السيد الشهيد بـتغيير المناهج الدراسية في الحوزة العلميّة، بالشكل الذي تتطلبه الأوضاع وحاجات المجتمع لأن المناهج القديمة لم تكن قادرة على بناء علماء في فترة زمنية معقولة، ولهذا كانت معظم مدن العراق تعاني من فراغ خطير في هذا الجانب، ومن هنا فكّر (رضوان الله عليه) بإعداد كتب دراسية، تكفل للطالب تلك الخصائص; فكتب حلقات ( دروس في علم الأصول ).
اهتم بـ الساحة عن طريق إرسال العلماء والوكلاء في مختلف مناطق العراق، وكان له منهج خاص وأسلوب جديد، يختلف عما كان مألوفاً في طريقة توزيع الوكلاء، ويمكننا تلخيص أركان هذه السياسة بما يأتي:
أولا: حرص على إرسال خيرة العلماء والفضلاء ممن له خبرة بمتطلبات الحياة والمجتمع.
ثانياً: تكفل بتغطية نفقات الوكيل الماديّة كافة، ومنها المعاش والسكن.
ثالثاً: طلب من الوكلاء الامتناع عن قبول الهدايا والهبات التي تقدم من قبل أهالي المنطقة.
رابعاً: الوكيل وسيط بين المنطقة والمرجع في كل الأمور، ومنها الأمور الماليّة، وقد أُلغيت النسبة المئوية التي كانت تخصص للوكيل، والتي كانت متعارفة سابقاً.
آرائه الحركية:
علينا أن نقف أولاً عند القاعدة الفكرية، والفقهية، والسياسية التي انطلق منها الشهيد الصدر لخوض غمار المواجهة القاسية. يمكن أن نوجز هذه المنطلقات والركائز الأولى فيما يلي:
١/ (ضرورة السعي لإقامة دولة الحق)، ذلك أن قضية الإمام المنتظر المهدي (ع) لم تكن تعني في فهم السيد الشهيد الموقف السلبي من الأحداث، والابتعاد عن تحمل المسؤولية الضخمة في توجيه الأمة، وتحصينها، وحفظ الشريعة، والعمل على تطبيقها وتركيز دعائمها بل كانت تعني العكس تماماً. "حينما يراد منا أن نؤمن بفكرة المهدي.. يراد الإيحاء إلينا بأن فكرة الرفض المطلق لكل ظلم وجور التي يمثلها المهدي، تجسدت فعلاً في القائد المنتظر.. وأن الإيمان به إيمان بهذا الرفض الحي القائم فعلاً ومواكبة له".
٢/ (الطريق الثوري هو السبيل لإقامة دولة الحق) وليس الطريق الإصلاحي، وفي هذا السبيل فإن بذل الأنفس والدماء من أجل إقامة دولة الحق أمر مشروع، لا مبرر للتوقف عنه على حساب الهدف.
فإن مواجهة الظالمين غير ممكنة بدون ذلك، وهم سيقفون أمام كل عمل إسلامي مهما كان ضئيلاً، ويحاولون تصفية آخر قلاع الإسلام. وحتى آخر مظهر من مظاهر الإسلام.
ومع استحكام قبضة الظالمين، أعداء الإسلام، لا يكون السبيل إلى إحياء الأمة وتطبيق الشريعة مجرد النصح والتوجيه، والإصلاح، بل لابد من خوض غمار ثورة لا تهدأ، تكون نهايتها لصالح الإسلام.
هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى، فإن أخلاقية الهزيمة التي تعيشها أمة الإسلام، لا يمكن اقتلاعها، ولا يمكن إعادة الروح الحية المسؤولة، والتلاحم الكامل مع الهدف (إقامة دولة الحق) إلا بدماء زكية، تذكر الأمة بكراماتها، وبطولتها، وتأريخها المجيد، وتحي فيها روح الأمل، والطموح والتضحية.
وقد كان شهيدنا العظيم، يؤكد أنه لابد من دم كدم الحسين (ع) يعيد للأمة يقظتها، وحيويتها. يبقى مسألة حساب الأرباح والخسائر. هل يكون تحمل العطاء الجسيم في الأرواح والأموال هيناً في سبيل الهدف المنشود (إقامة دولة الحق)؟
وهل يكون اقتحام هذا السبيل الدموي، والتضحية بخيرة أبناء الأمة الإسلامية، أمراً يتضاءل ويتصاغر أمام الغاية المطلوبة؟ أم أن التضحية أكبر من الأرباح؟ والدماء أعز من إقامة حكم الله؟
في هذا الحساب كانت رؤية السيد الشهيد واضحة وقاطعة، إن كل شيء يهون في سبيل النهوض بالأمة الإسلامية، وإعادة الحق إلى أهل الحق، وأي تردد في ذلك يعبر عن انهزامية، وتقاعس من تحمل الدور الواجب.
٣/ أن الفكر الإسلامي استطاع أن يهزم حضارة الشرق والغرب، وانتصر الإسلام في معركة الفكر والحضارات، ويبقى الانتصار السياسي.
هكذا كانت رؤية المفكر العظيم والشهيد العظيم. وبوحي من ذلك فإن عليه أن يكون شهيداً عظيماً، كما كان مفكراً عظيماً، عليه أن يتقدم صفوف الأمة جهاراً، وإن كلفه ذلك حياته، لكن هذا هو الجزء الآخر من الواجب.
٤/ المرجعية الدينية هي المسؤولة عن توجيه الأمة فكرياً، وقيادتها سياسياً.
وعلى المرجعية الرشيدة أن تتصدى لأداء هذه المهمة العظيمة في كلا جانبيها الفكري، والسياسي.
الروح الجهادية
في الوقت الذي كانت فيه الروح الجهادية في الحوزة العلمية تقترب نحو الأفول، جاء سيدنا الشهيد ليبني جيلاً حوزوياً مجاهداً يعرف العلم بوصفه طريقاً ووسيلة، طريقاً لإحقاق الحق وإزهاق الباطل، فكان يبث في تلامذته هذه من خلال القول ومن خلال العمل حتى كانت كل حياته وعمره الشريف حياة جهاد مرير، ومطاردة وملاحقة من قبل الظالمين، وحتى قدم بشهادته الشريفة منهجاً لكل علماء الدين، وطلبة العلوم الدينية، ونقلهم من حالة المواجهة والوقوف بوجه الباطل.
إننا نعتقد أن هذا الأمر كان تغييراً كبيراً في عالم الحوزة العلمية التي كانت تعيش في النجف الأشرف وإلى يومنا هذا، ولا تظهر قيمة هذا الدرس العظيم بعدة من تلامذته المجاهدين إنما تظهر بسير جهادي كامل رسمه السيد الشهيد للحوزات العلمية على مدى عمرها وحتى يأذن الله تعالى لوليه بالفرج.
أود هنا أن أشير إلى حقيقة مأساوية مرة.. وكان الاعتزال لطلب العلم هو مقياس الفضول والشرف، أما السيد الشهيد فقد استطاع بجهاده، وتربيته ثم شهادته أن يغير هذه المقاييس الباطلة التي كانت تحول دون الوصول إلى حوزة رشيدة..
فلسفة الشهادة
في ضوء هذا الظرف السياسي والاجتماعي، وفي ضوء فهم معمق لوضع الأمة ومستوى تحملها، ومدى وعيها، لم تكن حركة السيد الشهيد هادفة إلى إطاحة النظام الحاكم بالفعل، بمقدار ما هي هادفة إلى تعرية هذا النظام، وايقاظ ضمير الأمة الذي مات أو يوشك أن يموت!! أكثر من مرة قال السيد الشهيد:
(إن الأمة تحتاج إلى دمي)، (الأمة لا يوقظها إلا دمي)
لقد كانت لشهيدنا الغالي روح ملكوتية قد تمحضت يقيناً وكمالاً، وتجلت طهراً وصفاء، لا يشوبها شوب من السوء يعيب طهارتها، ولا يمازجها نزر من الريب ينقص حظها من يقينها ورسوخها في عالم الحقيقة، ولا عجب فهي حفيد الكمال، وسلالة الطهر وعترة اليقين، قد ترادف النسب والسبب على تنقيتها، وتناهض الأصل والعمل على الارتفاع بها إلى بحبوحة الحق أسوة لمن أرادوا الله، وقدوة لمن عشقوا الذرى والمجد
اعتقالاته
الاعتقال الأول: وكان عام 1971م، وقد حاول النظام الظالم اعتقاله ولكن تدهور حالته الصحية جعلهم يدخلوه في المستشفى مقيد اليدين ومربوطاً بسلاسله إلى سرير المستشفى.
الاعتقال الثاني: وكان عام 1974م عندما اشتد التلاحم الجماهيري مع السيد الشهيد، فاعتقل واقتيد هذه المرة من النجف إلى بغداد للتحقيق معه.
الإعتقال الثالث : اعتقل السيد المجاهد وأخته العلوية الطاهرة "بنت الهدى" بتاريخ 1980م ونقلا إلى بغداد حيث قام النظام الكافر بأخس جريمة في سجله الإجرامي بقتل المرجع المفكر العظيم ودفن في مدينة النجف الأشرف وذلك يوم الأربعاء المصادف 9/4/1980م. فسلام الله عليه وعلى أخته العلوية المجاهدة يوم ولدا ويوم استشهدا ويوم يبعثان أحياء.
المراجع /
شبكة المعارف الاسلامية
منتديات الزهراء الشهيدة
ويكيبيديا
..........
الاخت
زكية ال جعفر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق