العبادة بين العلم والمعرفة
تعد مشاعر العبادة من اقدم وادوم تجليات النفس الإنسانية ويستدل من اثار الحياة الإنسانية على وجود العبادة حيثما وجد الإنسان .
لم يبتدع الأنبياء العبادة ولم ياتوا بها من عندهم بل انهم علموا الإنسان كيفية العبادة _اي نوع الاداب والاعمال التي ينبغي ان تتم العبادة بها ونهوا عن عبادة غير الله الواحد الاحد .
العبادة انعكاس للمعرفة :
معرفة الله الواحد الاحد باعتباره اكمل ذات ويختص باكمل صفات ومنزه عن كل نقص ومعرفة صلته بالعالم .وهي فيض عطفه ورحمانيته تفرز لدينا رد فعل يعبر عنه بالعبادة .
العبادة نمط من علاقة الخضوع والثناء والحمد التي يوجدها الإنسان مع خالقه وهذا النوع من العلاقة يتسنى للمرءإقامته مع ربه فقط ولا تصدق على سواه بل إنها لا تجوز على ماسوى الله .
فمعرفته سبحانه وتعالى باعتباره المبدأ الوحيدلعالم الوجود ومالكه الوحيد ورب كل شيء توجب ان لا نجعل أي مخلوق شريكا له في العبادة .
لابد من ذكر مقدمتين من اجل ان يتضح مفهوم العبادة ومعناها ،ولكي نضع تعريفا صحيحا لها:
1-العبادة اما لفظية واما عملية ،فاللفظية عبارة عن سلسلة من العبارات والأذكار التي تجري على السنتناكقراءة الحمد والسورة واذكار الركوع والسجود والتشهد وكذا التلبية في الحج .
اما العبادة العملية :
فهي من قبيل الركوع والسجود في الصلاة والوقوف بعرفات والمشعر الحرام ،والطواف في الحج ،وغالبا ما تشتمل العبادة على قسم لفظي واخر عملي كالصلاة والحج فكلاهما فيه قسم لفظي واخر عملي .
2-اعمال الإنسان على قسمين فبعضها مجرد من القصد الخاص ولايؤدى كدلالة على شيء اخر ،وإنما يؤدى لاجل معطياته الطبيعية والتكوينية كان يقوم المزارع بسلسلة من الاعمال المتعلقة بالزراعة لاجل نيل معطياتها الطبيعية وهو لايؤديها باعتبارها دلالة او مؤشر على سلسلة من الاحاسيس وكذلكالخياط في غمل الخياطة ،وهكذا الحال عندمت نذهب من البيت الى المدرسة فنحن لا نريد من وراء هذا الذهاب الا الوصول الى المدرسة وليس هدفنا تحقيق أي غرض اخر.
لكن بعض الاعمال تؤدى باعتبارها دلالة على سلسلة من المقاصد وللتعبير عن نوع من المشاعر .كما لو هز احد راسه دلالة على التصديق او جلس اخر عند نهاية المجلس كمؤشر على تواضعه ،اوانحنى شخص لاخر من باب الاعظام والتكريم.
معنى العبادة
تطلق كلمة العبادة على تلك الحالة التي يتوجه فيها الإنسان باطنيا نحو الحقيقة التي ابدعته ويرى ذاته تحت هيمنتها.وهي تمثل في واقع الحال سير الإنسان من الخلق نحو الخالق وبغض النظر عن الفوائد المتوخاه منها فإنهت بحد ذاتها من حاجات الإنسان الروحية وعدم الإتيان بها ينجم عنها حصول خلل في اتزانه.
واذا أراد المرء ان يقضي عمره بالعبادة تاركا المتطلبات الأخرى ومعرضا عن تلبية حاجاته المنوعة فسيؤدي هذا الى حصول الخلل والإضطراب في نفسه والعكس صحيح اذا بقي الإنسان يلهث وراء الماديات دون الاهتمام بالمعنويات والافاق الروحية لا يقر له قرار،وتبقى روحه في عذاب دائم وقد التفت الى هذه الناحية الزعيم الهندي جواهر لال نهر والذي تغيرت حالته في أواخر حياته بعدما كان علمانيا في عخد الشباب ،يقول هذا الرجل عن ذاته :
اشعر ان في روحي وفي هذا العالم فراغ لايسده شيء الا القضايا الروحية.
العبادة من وجهة نظر الإسلام هي الهيكل العام لكل تعاليمه ،ولها الصدارة من بين تلك التعاليم ،فإن كانت صحيحة صحت على اثرها جميع القضايا الاجتماعية والأخلاقية ولا تصدقوا ان المرء يكون صالحا في الجانب الاجتماعي والاخلاقيوغير صالح في الجانب العبادي .
من ابعاد العبادة :
ان الإسلام يعتبر كل عمل مفيد إن كان صادرا بدافع الهي ـ خالص ـ عبادة لله ،فهو يعتبر طلب العلم عبادة وطلب العلم عبادة والاعمال الاجتماعية عبادة .
الإطلاع والوعي :
من البديهي ان الإنسان يكون قادرا على أداء التكليف عندما يعلم بوجوده وإذا فرضنا ان المشرع سن قانونا ولم يبلغ المكلف به فالمكلف غير ملزم بتطبيقه بل هوغير قادرعلى تطبيقه وإذا قام بما يخالف ذلك لا يحق للمشرع معاقبته .
وبالطبع فإن شرط العلم والإطلاع من اجل التكليف لا يستلزم ان يبقى الإنسان نفسه في حالة من الجهل ويتصوره عذرا لنفسه ،فالإنسان مكلف بكسب العلم والإطلاع ثم ممارسة عمله ونشاطه وفقا لمعرفته.
وبالطبع فأن شرط العلم والأطلاع من اجل التكليف لا يستلزم ان يبقى الانسان نفسه في حاله من الجهل ويتصوره عذرآ لنفسه فالأنسان مكلف لكسب العلم والأطلاع ثم ممارسة عمله ونشاطه وفقآ لمعرفته .
جاء في الحديث ان بعض المذنبين يؤتى بهم يوم القيامه إلى محكمة العدل الإلهي ويحاسبونه على تقصيرهم في أداء واجباتهم
فيقال للمذنب مافعلت من أداء واجبك ؟ فيقول ماكنت اعلم ! فيقال له ولم لم تعلم ولم تكسب المعرفه ؟
إذآ المراد من قولنا ان العلم والاطلاع شرط في التكليف انما يصدق فيما لم يبلغ او لم يبلغ المكلف بتكليفه ولم يكن له تقصير في هذا الجانب أي انه بذل الجهود اللازمه لكسب العلم ولكنه لم يعلم في نيله فالمكلف في هذه الحاله معذور امام الله تعالى .
القدره والتمكين :
الانسان قادرآ على كسب العلم والمعرفه ولكنه في حدود معينه من حيث المده الزمنيه وسعة المعلومات ومهما كان الشخص عبقري فهو ملزوم بطي مدارج العلم والمعرفه على مرور الزمن فاشتراط التكليف بالعلم والاطلاع لايستلزم التنصل عن كسب العلم والاطلاع .
نفرض اننا اصبحنا في مواجهة عدو قوي يبغي العدوان علينا او على حياض الأسلام ولا نملك حاليآ مقومات القدره على مجابهته واية مجابهه قد تؤدي الى هدر الطاقات فمن البديهي اننا غير مكلفين بالمجابهه لكننا مكلفون على الدوام بنيل أسباب القوه لكي لايكون موقفنا في مثل هذه الحالات موقف المتفرج .
إذن العبادة عن غير العارف معاملة كانه يعمل في الدنيا لاجرة ياخذها في الاخرة وهي الاجر والثواب وعند العارف رياضة مهمة وقوى نفسه المتوهمة والمتخيلة ليجرها بالتعويد عن جناب الغرور الى جانب الحق .
التصور العرفاني للعبادة :
العبادة عند العارفين قربان الإنسان ومعراجه وتعاليمه وصعوده الى مشارق انوار الوجود وهي تربية روحية ورياضة للقوى الإنسانية في ساحة انتصار الروح على البدن واسس مظاهر شكر الإنسان لمبدع الخلق وهي مظهر حب الإنسان للكامل المطلق والجميل على الإطلاق.
(إلهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك) هذه الكلمة (أهلا للعبادة ذات معنى عميق بما أنك أنت أنت وأنا أنا من الطبيعي أن أجعلك معبودا لي وأنا عابد لك.
العبادة والمعرفة:
عمر حذف ( حي على خير العمل) من الأذان لماذا؟
لأنه اجتهد من عند نفسه وارتكب خطأ فضيعا.
في عهد عمر بلغت الفتوحات الإسلامية ذروتها، وكان المسلمون يسيرون حينذاك صراعا لمقاتلة أعدائهم ويتغلبون على أقوى الجيوش بأعداد قليلة ويثبت الجهاد قيمته وتتضح عند ذلك ماهية المجاهد الذي يربيه الإسلام.
قال عمر:
إن المؤذن عندما يكبر ويأتي بالشهادتين وينادي بعدها حي على الصلاة و حي على الفلاح لاضير في كل هذا ولكن حينما ينادي حي على خير العمل فإنه يضعف روحية القتال عند المجاهدين لأن المجاهد يتصور في نفسه أن الصلاة إذا كانت خير الأعمال فنحن بدلا من الجهاد في ساحة الحرب نبقى في مسجد المدينة ونصلي إلى جوار قبر الرسول صلى الله عليه وآله وهذه الصلاة هي خير الأعمال.
دع الآخرين يذهبون إلى القتال فيقتلون أو يجرحون أو تصاب عيونهم فيعمون أو تقطع أيديهم وأرجلهم أما نحن فنبقى هنا في راحة وأمان قرب نسائنا وأطفالنا ونصلي 4 ركعات ونكون بذلك أفضل منهم.
توهم عمر أن لهذا النداء انعكاسات سلبية ومن الأفضل حذفه من الأذان واستعمال جملة ( الصلاة خير من النوم ) بدلا عنها.
ولم يفكر في السبب الذي يجعل هذا الجيش المؤلف من عشرات الآلاف من المقاتلين يقاتل جيشا يبلغ عدادها مئات الآلاف وينتصر، فما السر في ذلك؟
كانت بلاد فارس وبلاد الروم دولتين متحضرتين ولديهما أفضل الأسلحة في ذلك العصر في حين أن سيوف العرب لم تكن تمثل في مقابل سيوف الفرس والروم سوى هشيم.
هل كان العنصر العربي أقوى وأشد شكيمة من العنصر الرومي أوالفارسي؟
كلا، ألا تعلمون ماذا فعل شابور ذو الأكتاف بالعرب قبل الإسلام، ألم يأسر الآلاف منهم ، ألم يسود ويثقب أكتافهم ، وقيدهم بالسلاسل ؟
أين كانت قوة العرب آنذاك؟
ألم يهزم الفرس العرب بعد ذلك التاريخ بمائة سنة؟
إذا ماهي القوة التي يقاتل بها العرب الفرس والروم وينتصرون عليهما؟
كانت قوتهم في إيمانهم وهو ذلك الإيمان المستقي من نداء ( حي على خير العمل ) ومستقى من الصلاة ومن الدعاء ومن المناجاة.
أي أن تلك القوة مستوحاة من قوة الإيمان.
المصدر: كتاب طهارة الروح الأستاذ الشهيد مرتضى المطهري
..........
الاخت
زاده الشرفا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق