المنهج التربوي عند أمير المؤمنين
في عالم سابق لعالمنا أبت الجبال الرواسي والسماوات والأرض أن يحملنها وحملها الإنسان فهل أدى واجبه نحوها إنها الأمانة والتي تعني المسؤولية فكل فرد منا مسؤول كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته كلنا مسؤولون بالدرجة الأولى عن تزكية أنفسنا وتهذيب أخلاقنا وتصفية قلوبنا وبدرجة مماثلة تقريبا عن تربية جيل صالح فالاباء والأمهات مسؤولون عن تربية أولادهم تربية سليمة
وأفراد المجتمع الواحد مسؤولون عن بعضهم البعض وانطلاقا من واقع مسؤليتنا يتوجب علينا أن ننمي الجانب المعرفي في هذا المجال لكي نستطيع أن نؤدي مسؤوليتنا على الوجه الصحيح ومنهج أهل البيت عليهم السلام هو المنهج الأمثل منهج شامل اشتمل على جميع جنبات موضوع التربية من قبل انعقاد نطفة الفرد وقد أشار الأئمة عليهم السلام في رواياتهم لذلك
يقول الإمام الصادق فتخيروا لنطفكم, إن العرق دساس كما قدمت الشريعة السمحاء توصيات عديدة تختص بعملية المعاشرة الزوجية منها بعض الأدعية والمستحبات والكون على وضوء والتسمية وغيرها
أما في مرحلة الحمل شددت النصوص على الإهتمام بالتغذية وأشارت لأثرها في تكوين صفات الجنين عن الإمام علي بن موسى أطعموا حبلاكم اللبان فإن غلام في بطنها يكن خرج زكي القلب شجاعاً وإن تكن جارية حسن خلقها وخلقتها
أيضا أوصت الشريعة بالإهتمام بالتغذية في فترة النفاس
يقول النبي : لاتأكل نفساء يوم تلد الرطب فيكون غلاماً إلا كان حليما وإن كانت جارية كانت حليمة وقد تعددت النصوص الواردة بشأن عملية التربية منها ماورد في رسالة الحقوق التي وردت عن زين العابدين عليه السلام والتربية الواعية تعد عامل كبير في مساعدة الفرد على تهذيب نفسه وترويضها فمن ينشأ في بيئة صالحة ويتربى على أيدٍ واعية فقد طوى نصف الطريق في تهذيب أخلاقه وترويض نفسه ولكن ماذا عن من لم يحالفه الحظ بأن ورث بعض الصفات النفسية السلبية أو نشأ في بيئة سلبية ألا يستطيع ترويض نفسه وتهذيب خلقه ألا يستطيع تغير خصائصه النفسيه ؟ لحسن الحظ إن ذلك ممكن بتصميم الإنسان الجاد وإرادته فالصفات النفسية والخلقية على قسمين سجية ونية
روي عن إسحاق بن عمّار عن الإمام الباقر سلام الله عليه أنّه قال: «إنّ الخُلق منحة يمنحها الله خلقه، فمنه سجيّة ومنه نيّة».
قال إسحاق: فقلت: فأيّهما أفضل؟
قال: «صاحب السجيّة هو مجبول لا يستطيع غيره، وصاحب النيّة يصبر على الطاعة تصبّراً فهو أفضلهم ولم يترك أهل البيت الأمة دون خطة منهجية يسيرون عليها فهاهو أمير المؤمنين علي عليه السلام يضع بين أيدينا موسوعة ضخمة اشتملت على أمور الدين والدنيا فهو صاحب نهج البلاغة اللذي احتوى في طياته على كلمات قصار اختصرت مناهج التربية الحديثة
فهو القائل سلوني قبل أن تفقدوني فأنا أعلم بطرق السماء من طرق الأرض فهو باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه واله وهو العالم بطبيعة التركيبة النفسية لبني البشر لذا فإن منهجه التربوي النفسي يفوق المناهج التربوية والعلاجات النفسية الحديثة ولكي نلقي نظرةعلى منهج الإمام علي التربوي نقف على عدة نقاط أو عدة أساليب وطرق استخدمها الإمام علي
1/العلاج المعرفي الإرشادي : وهو من العلاجات الحديثةوهو عبارة عن صياغة قواعد معرفية وتبيان حقائق تعين الفرد فالمعرفة أصل كل شيئ وأساسه ومن الحقائق التي بينها الإمام سلام الله عليه:
_حقيقة التركيبة البشرية
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : إنّ الله عزّ وجلّ ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوة ، وركّب في البهائم شهوةً بلا عقل ، وركّب في بني آدم كلتيهما ، فمن غلب عقله شهوته ، فهو خيرٌ من الملائكة ، ومن غلب شهوته عقله فهو شرٌّ من البهائم
_ حقيقة الدنيا
توضيحه لحقيقة الدنيا وأنها دار فناء وداراختبار وأن الإنسان فيها عابر سبيل وتجدر الإشارة هنا إلى أنه بدون معرفة هذه الحقيقة لايمكن أن يتم نجاح أي تعديل في السلوك
ومن كلماته عليه السلام في توضيح هذه الحقيقة:
(مثل الدنيا كمثل الحية لين مسها والسم الناقع في جوفها يهوي إليها الغر الجاهل ويحذرها ذو اللب العاقل)
.
وفي خطابه للدنيا يقول فعيشك قصير وخطرك يسير وأملك حقير آه من قلة الزاد وطول الطريق
_حقيقة الأثر :
الإنسان مفطور على أن يسعى لجلب المنفعة ودرء المضرة عن نفسه وعندما يعلم بوجود أثر ايجابي مضمون لذاك العمل فإنه يسارع له والعكس صحيح لذلك نرى في منهج الإمام علي ومن خلال رواياته وكلماته أنه يبين آثار الرذائل والفضائل سلبا وإيجابا مما يحدو بالفرد لتخليص نفسه من الرذيلة ويسعى جاهدا لإمتلاك الفضائل لمايرى لها من آثار جلية ماديا أومعنوياً
ومن جملة الروايات الواردة
(من أصلح مابينه وبين الله أصلح الله مابينه وبين الناس ومن أصلح أمر اخرته أصلح الله أمر دنياه ومن كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ )من يسمع أويقرأ هذه الكلمات يسعى جاهدا لتطبيقها حرفيا كي يحصل على الأثر الموعود به
وعندما يقول عليه السلام ( من أطلق غضبه تعجل حتفه )
أو عندما يقول الحسد مطية التعب أو لله درالحسد بدأ بصاحبه فقتله فإن الفرد العاقل يسعى جاهدا لئلا يقع فريسة لبراثن هذين الرذيلتين
هذه الحقائق الثلاث التي ذكرناها ( حقيقة التركيبة البشرية ,حقيقة الدنيا ,حقيقة الأثر إذا وعاها الإنسان فإنه يستطيع تغير نفسه بشرط أن تكون له عزيمة راسخة
.2/العلاج بالموازنة
كما يقال الفضيلة بين رذيلتين لذلك فإنه يجب على الفرد الساعي لتطهير نفسه أن يلتفت إلى أن يحقق الإتزان والوسطية لئلا ينحرف عن الجادة وفي هذا يقول أمير المؤمنين عليه السلام (اليمين والشمال مضلة والطريق الوسطى هي الجادة )
3/ العلاج السلوكي العلاج بالأضداد:
من أنفع العلاجات النفسية وأقواها فهو من أقوى الوسائل لإمتلاك الصفات الحميدة وتغير الصفات السيئة والمقصود بالعلاج بالأضداد هو أن تتصرف وكأنك تمتلك الصفة التي تريد امتلاكها وبمعنى اخر أن تعالج سلوكك السيءبالضد يقول أميرالمؤمنين :(إن لم تكن حليما فتحلم فإنه قل من تشبه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم )فإن كنت تشعر بالغضب تصرف وكأنك حليم وإن كنت تشعر بالضعف والدونية تصرف عكس ذلك وإ ن خفت شيئا فتصرف وكأنك شجاع وألق بنفسك فيه إذا خفت من شيئ فقع فيه هكذا يقول أمير المؤمنين
إن هناك مثلا قديما يقول إذا أردت أن تكون قويا في روحيتك فتظاهر وكأنك قوي في روحيتك وفلسفة ذلك أن هناك تأثيرا متقابلا بين كل من الجسم والروح فإن كان أحدهما ضعيفا أمكن تقويته بالثاني فأحيانا يشعر المرء بضعف في معنوياته فيكون الحل في الإعتماد على الجسم لتغيير ذلك عبر التصرف وكأن معنوياته عالية
وربما تكون هناك فلسفة أخرى إن الإنسان اذا عمل ضد الرذيلة فإن الشيطان يكره أن ينال المؤمن الحسنات فلايعود يوسوس له بهذه الرذيلة ويبحث عن باب اخر يدخل عليه منه لذلك يتوجب علينا أن نكون على حذر وألا نغفل طرفة عين فإن هناك عدوا يكيدنا يتربص بنا كل حين وأن نسعى جاهدين في تقويم أنفسنا وتربية أبناءنا واصلاح مجتمعاتنا وأن نبذل قصارى جهدنا لأداء هذه الأمانة التي في أعناقنا
المصادر:
علم النفس الإسلامي للدكتور محمود البستاني
كيف تكسب قوة الشخصية للسيد هادي المدرسي
فقه الحياة الطيبة السيد محمد تقي المدرسي
الإنترنت
.............
الاخت
ندى الخلف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق