*أكبر من القتل*
سوسن ال فريد.
في عالمنا المعاصر الذي يشهد تطوراً تقنياً في وسائل الاتصال أصبحت الإشاعة أكثر رواجًا وأبلغ تأثيرا، فالباطل لا يفتر أبدًا في استخدام كل وسيلة ليعوق الحق عن مواصلة طريقه، وتحقيق أهدافه.
إنّها سلاح نفسيٌ خطير يفتك بالأمة ويُفرّق أهلها، ويسيء ظن بعضهم ببعض، ويفضي إلى عدم الثقة بينهم ،لذا كان المطلوب منّا أن نتثبّت ونتحقق من المعلومات قبل نقلها أو التصديق بها.
إنها سلاح الضعفاء منذ الأمد البعيد وإلى يوم الناس هذا فالمتتبع للتاريخ يرى من الأباطيل مايندى له الجبين،اليوم ونحن نعيش ذكرى رحيل عقيلة قريش السيدة الجليلة سكينة بنت الإمام الحسين عليه السلام يجدر بنا أن نتوقّف قليلاً لنفنّد بعض الإتهامات التي طبّل لها رواة السوء ممن لايعي مايقول ومن ذلك الإفتراء نسبة تعدّد الأزواج للسيّدة سكينة، فقد خبطوا في ذلك خبط عشواء.
على أنّ من ينظر بعين الإنصاف للروايات الواردة في هذا الصدد يُدرك وللوهلة الأولى تناقضها الواضح ففي صفحة واحدة من كتاب الأغاني مثلا نجد أربع روايات، متضاربة، سردها أبو الفرج متتابعة دون تمحيص ثمّ لا شيء أكثر من هذا السرد، وهذا يدلّ على كذب الراوي الأوّل ومن جاء بعده، وليس له تفسير إلاّ الحقد الأعمى على آل محمد عليهم السلام.
أمّا الذي عليه أتباع مذهب أهل البيت، والثابت عندنا تاريخياً أنّ السيّدة سكينة لم تتزوّج غير ابن عمّها عبد الله بن الإمام الحسن عليه السلام فقط وفقط، وهناك روايات تقول ثمّ تزوّجت بمصعب بن الزبير، ويوافق الشيعة في ذلك غيرهم من أهل السنّة، ويُروى أنّ عبد الله بن الحسن هو الذي قُطعت أصابعه لمّا كان على صدر عمّه الحسين ع يوم عاشوراء مستجيراً به.
إنّ النـزر اليسير الذي وصلنا من التأريخ عن تلك السيدة الفاضلة يدلّ على شخصية متميّزة تملك فضلاً وامتيازاً خاصاً يجعلها في عداد النساء العظيمات اللاتي نلن منـزلة خاصة،من ذلك الرواية الواردة عن الإمام الحسين عليه السلام حيث قال: *وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله فلا تصلح لرجل* والاستغراق الذي يُشير إليه ع هو حالة الفناء التام الذي بلغته السيدة الفاضلة، بحيث فنيت في ذات الله تعالى ومحبته، ومن الطبيعي أنّ الوصول إلى هذه المرحلة لا يتسنّى لكل أحد، وإنّما يكون ذلك لفئة خاصة من الخلق، وهم الذين بلغوا أعلى مراتب اليقين، فإذا بلغ الإنسان ذلك، أمكنه عندها أن يعيش حالة الفناء وإلاّ فلا.
وجديرٌ بالذكر أنّ التعبير الصادر من الإمام عليه السلام ، في نهاية الرواية لا يتضمّن تحريماً لحلال أحلّه الله تعالى، ولا يكشف عن دعوة للرهبانية، وإنّما هو بصدد بيان أنّه لابدّ وأن يكون بين الزوجين كفاءة في كافة الأمور والمجالات، فلا تنحصر الكفاءة بينهما في الناحية المادية والاجتماعية، بل لابد وأن يتكافأ أيضاً من الناحية الفكرية، وكأنّه يقرّر عليه السلام بأنّ من كانت مشتغلة بربها، ومتعلقة به، فلا ترى شيئاً سواه، تحتاج إلى زوج يكون عوناً لها على ما هي فيه، لا أن تتزوج رجلاً يشغلها عما تعلقت به، وهذا قريب مما جاء في شأن أمير المؤمنين والزهراء عليهما السلام، فقد ورد أنه لو لم يخلق أمير المؤمنين ع، ما كان للزهراء ع كفواً، ومن الطبيعي أن الحديث ليس من حيث الكفاءة المادية، والاجتماعية، وإنّما من حيث الكفاءة المعنوية والفكرية. والحاصل ليس في الرواية المذكورة ما يشير من قريب أو بعيد لمنع التزويج، وتحريمه، أو الدعوة للرهبانية كما تصوّر البعض.
أمّا علاقتها بالإمام الحسين عليه السلام، فقد امتازت على بقية أبنائه ، ويظهر ذلك من خلال وداع الإمام الحسين عليه السلام إياها ليلة العاشر، فقد ذكر أرباب السير والمقاتل أنّها لم تكن ليلة العاشر في خيمتها، وقد أخذ الإمام عليه السلام في طلبها، حتى وجدها، وجلس إليها وصار يمسح على رأسها، ذلك أنّها قد خرجت من خيمتها، ولم تقدر على وداع المولى ع، ومن الواضح أنّ ذلك يعود لما كانت تربطها به عليه السلام من علاقة خاصة، فلم تكن لتستطيع وداعه، ومفارقته.
*ختاماً*
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعلم بما يحدث بعده من دسائس الدجالين فحذّر أمته من مغبّة اتّباعهم، فقال صلى الله عليه وآله : *ستكثر عليّ القالة من بعدي، فمن كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق