بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 22 ديسمبر 2018

قراءة في فِكر آية الله جوادي آملي #علي بن موسى الرضا عليه السلام والقرآن الحكيم

#قراءة في فِكر آية الله جوادي آملي
#علي بن موسى الرضا عليه السلام والقرآن الحكيم 214صفحة،#تلخيص فاخته اليوسف.

_يقول الكاتب هذه وجيزة حول القرآن الحكيم من وجهة نظر مولانا ثامن الحجج علي بن موسى الرضا عليهما السلام، وهدفنا أن نبين مقامه السامي بها في ضوء القرآن الكريم وأن نبين معارفه الراقية ببيان القرآن الناطق، حيث أن مستقاهما واحد.
_يقول الكاتب نظمتها في روضة وجنان:
اما الروضة /فلبيان مايتصل إلى القرآن الكريم بالذات
اما الجنان /فهي لبيان شرائط معرفة القرآن والموانع عنها مقتصرا في ذلك على ماصدر عن مولانا الرضا ( ع )
_الفصل الأول /روضة في العلوم التي تحوم حول القرآن نفسه،تحدث الكاتب فيه عن الوجود العلمي والوجود العيني للقرآن وأنهما لم يفترقا ولن يفترقا وكانا لدى الله نوراً واحداً.
_الفصل الثاني : تحدث فيه الكاتب حول شرائط معرفة القرآن والموانع عنها في أربع جنات كما سماها.
اما الجنة الأولى فقد ذكر فيها بيان ماهو طريق معرفة القرآن.
الجنة الثانية :في بيان المائز بين التدبر في القرآن واستنطاقه
الجنة الثالثة :في حث القرآن إلى التحقق في الأمور والتثبت وطرد الأمنية.
_اختتم الكاتب حديثه في ترغيب القرآن إلى البرهان العقلي والشهود القلبي وترهيبه عن القياس الوهمي والتمثيل الشيطاني، حيث رغب القرآن الكريم هنا إلى طريقين للوصول إلى الحق وهما:التفكر العقلي والشهود القلبي.

السبت، 8 ديسمبر 2018

معرفة النفس

*معرفة النفس*
*البحث الأول*

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلّ على محمد وآل محمدوعجّل فرجهم يا كريم

*إنّ الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً، إنما يوعد حزبه ليكونوا من أصحاب السعير* سورة فاطر ٦

سنتعرف في هذا المقال عن الطرق والحملات التي يشنها الشيطان لإغواء الإنسان وانحرافه وأيضا سنتعرف على طرق اجتنابها وبعض الابحاث الأخرة التي سنتطرق إليها ..

في هذا البحث يحتاج التعرف منّا على عدة امور قبل البحث في كيفية اجتناب معصية الله سبحانه وتعالى

*أولاً* هو معرفة العدو الأساسي لنا
*ثانياً* معرفة خططه ومكائده
*ثالثاً* طرق مجاهدة النفس بعدم الانقياد لهذا العدو

أولاً: كمحور أول (معرفة النفس) عندما يعرف الانسان نفسه ومتطلباتها ،حاجاتها، أهواءها ومالذي يضرها؟  وماالذي ينفعها ؟ ماهو مرضها الروحي؟

نعلم أنّ أمراض الروح والقلب هي أفتك وأشد و أمَّر من الأمراض الجسدية لأن الامراض الجسدية نستطيع علاجها واستئصالها إن لزم الأمر أما الأمراض الروحية تحتاج لعدّة وجهوزية فهي كلما تراكمت واستفحلت لمدة طويلة لانستطيع التخلص منها بهذه السهولة .. لكن عندما يعرف الإنسان نفسه مدى خطورة هذا المرض ومدى شدته أو ضعفه في نفسه يستطيع التغلب عليه وعلاجه .
وبالإمداد الإلهي وطلب العون منه تعالى نستطيع الوقايه أيضا قبل الإصابة بهذا المرض أو أننا نستطيع علاجه واصلاح أنفسنا بعد ذلك وبعد معرفة عدونا الرئيسي .. فالإنسان بحدّ ذاته ماهو إلا عجز محض وفقر محض لايستطيع لنفسه نفعاً ولا ضراً
*معرفة النفس هي أول الطرق للإبتعاد عن الذنوب*

إذن الخطوة الأولى لمواجهة الشيطان هو معرفة النفس ومعرفة كيفية نفوذ الشيطان لأنفسنا (كوننا إذا عرفنا مواطن الضعف والقوة) نعرف بعدها منافذه إلينا ونتغلب عليه إذا جابهناه ووقفنا أمامه واعترضنا تحركاته.

*الوحي*
أول الطرق التي يستخدمها الشيطان للهجوم على الانسان وجذبه للإنحراف (الوحي) وللتوضيح لابد لنا من بيان أن الوحي يكون للأنبياء ويكون لغيرهم أيضا .. وهو مايسمى (الإلهام) كذلك هناك نوعين من هذا الوحي *١-الوحي الربَّاني*  *٢-الوحي الشيطاني*

والإنسان باستطاعته أن يختار وأن يميّز هل هذا الوحي وحي رباني أم ماذا؟

*النكته المهمة* هنا أننا لانستطيع أن نصّم آذاننا عن سماع صوت الشيطان لأن صوته لن يكتم ولن يختفي  سوى بظهور الإمام صاحب العصر والزمان .. لكننا نستطيع ان نربّي أنفسنا بحيث أننا نحفظ انفسنا من الشيطان والوقوع في مصائده أو قبول ولايته وإتباعه.

1 وللغلبة على الشيطان لابد لنا من *ذكر الله تعالى* والتوسل بأهل البيت عليهم السلام لأنهم سبلُ النجاة لنا وسفن النجاة في بحر المعاصي المتلاطمة.
كذلك 2 *التوبة* التي هي مفتاح الخير على النفس الإنسانية فبالتوبة يصل الانسان إلى ربه ومعرفة ضعف النفس ومعرفة الشيطان.
حتى لو تكررت أخطاءنا ومعاصينا (فكم أتوب وكم أعود) لابد لنا من عدم اليأس والقنوط

إذن: اذا عرف الإنسان الأسباب التي تؤدي به الى الذنوب *عرف نفسه* وحاول أن يتغلب عليها فهذا سبب لارتقائه ووصوله لله تعالى

3 *التحكم في الوارد على الإنسان* يشمل الغذاء والأمور المتعلقة بالحواس الخمسة مثلا: أكل المال يسهل في ارتكاب المعاصي والذنوب وعدم قبول الحق .. فعندما واجه الامام الحسين عليه السلام جيش عمرو بن سعد قال بأن السبب في عدم قبولهم لنصيحته عليه السلام هو أكلهم للمال الحرام فأكل المال الحرام يصل بالإنسان ان يقف ضد إمام زمانه ولا يقبل كلامه كذلك فإننا عندما نلعن شمراً لا نلعنه لشخصه فقط بل إننا نلعن صفاته الذميمة الأخرى كعبادته لبطنه و أكله للمال الحرام ونلعن حسده وطمعه وغيرها من الصفات الذميمة .

كذلك بقية الأعضاء كالعين والسمع فعلينا مراقبتها وابعاد انفسنا عن كل أمر يوصلنا للحرام حتى لو كان أصل الشيء وفي ذاته حلال كملك الشاب مثلا لكثير من السيارات الغالية والباهظة أصل هذا الشيء حلال لكن قد يكون مدعاة للسرقة او الربا أو غيره للحصول على مال أكثر ليحصل على رغباته

خلاصة ⬅️*مراقبة الأسباب المؤدية لارتكاب الذنوب والمعاصي*

4 *الذنوب تجلب ذنوب أخرى*
الذنب يجلب ذنبا آخر ويسهل عمل الذنب الآخر فلابد للإنسان ان لا ينظر ويصغر الذنب في نظره لأنه منشأ للذنوب الكبيرة
وعندما يراعي الإنسان أصول ترك المعاصي فإن وجدانه يبقى يقظاً كالمرآة الصافيه لا يشوبه شيء أما اذا كان ملوثا بالذنوب فإن احتمال عودته للذنوب موجوداً .

5 *أصل كثرة التسبيحات*
عن الامام الصادق عليه السلام في رواية .. قال إبليس خمسة أشياء ليس لي فيهن حيلة وسائر الناس في قبضتي من اعتصم بالله على نية صادقة واتكل عليه في جميع أموره ومن كثر تسبيحه في ليله ونهاره ومن رضي لأخيه المؤمن مايرضاه لنفسه ومن لم يجزع على المصيبة حين تصيبه ومن رضي بما قسم الله له ولم يهتم لرزقه

أ) على الانسان ان يتصل بحبل الله تعالى اذا لم يفلت الحبل من يده فإنه لن يقع في خدع الشيطان ومكائده إذن الطريق الأصلي هو التمسك بحبل الله وبالعروة الوثقى مثل ولاية أمير المؤمنين  (دائم الذكر لله ودائم التوكل عليه)

ب) التسبيح في الليل والنهار دائما يكون معه الاطمئنان والسكينة واذا سكت الانسان في وقت النوم مثلا فإن قلبه يكون مسبحاً لله تعالى أما اذا كان الانسان في لغو وباطل فإن قلبه يكون أيضا كذلك .

ج) الحسد من صفات الشيطان وسبب من الأسباب التي تبعد عن الجنة لكن اذا كان الانسان عكس ذلك وتمنى لأخيه مايتمنى لنفسه فإن ليس للشيطان عليه سبيلا

د) في حالات المصيبة لاسمح الله وفي كون روحية الانسان ضعيفه يدخل اليه بحيث يعمل أعمالا تؤدي الى الشرك او يعمل عملا غير مقبول أساسا

ز) إنسان يسعى ويجتهد في الرزق ولكسب قوت يومه ويقنع بما كسبه وبما أعطاه الله إليه

فذكر الله تعالى في كل الأوقات من المستحبات كالإستغفار والتسبيح وعمل الأعمال المستحبة قربة لوجه الله كله يأتي من باب الذكر ومن كان في ذكر الله ذكره الله وكان معه وأعانه على الشيطان

الفرصة الذهبية في ترك المعاصي :- ان الانسان إذا ترك معصية ما يسهل عليه ترك المعاصي الاخرى لأن الفرد اذا اراد الهداية وخطى خطوة لله تعالى يهديه الله ويعينه ويكون سببا في تكامله .
على الانسان أن يكون قوياً ودقيقا في اكتسابه للفضائل يكتسب فضيلة بدقة بعدها يكتسب فضيلة أخرى وأول فضيلة على الانسان اكتسابها هي الصلاة في أول الوقت وبعدها احترام الوالدين .. وأهل السلوك يقولون اذا أردت أن تكتسب فضيلة ما عليك بالاستمرار فيها اربعين يوماً ونتحرك صعوداً في اكتساب الفضائل الأخرى *(مثل تسلق الجبل)*

العمل التطوعي

العمل التطوعي

مريم ال محمد.

                    
ماذا لو أغلق كل واحد منا باب منزله؟
ماذا لو اكتفى الواحد منا بمصافحة جاره دون النظر الى بيته الآيل للسقوط؟؟

ماذا لو بلغ الشباب درجة كبيرة من الكفاءة لكنها خارج الاحتضان؟
وماذا لو كان المجتمع الإنساني بلا أيدٍ ؟

ماذا لو لم يتغيّر العالم؟؟

من المسلّمات : أن المجتمعات لا تُبنى بسواعدٍ واهية ولا عزائم ضعيفة؛ إنما تُبنى بمقدار صحة أفرادها المعنوية والماديه
تُبنى بمقدار وعيهم بأهمية القيمة البشرية في قلب القرية الكونية هذه والتي نصبح ونمسي عارفين بشرقها وغربها ..
عالمٌ ضجيجه مفتوح على مصراعيه وكلّما تعمقت الحضارة ازدادت ويلات البشرية.. فهل توافقني عزيزي القارىء في هذا الرأي؟

أكاد أُجزم أنّنا شبه متفقين في أن العقدة البشرية المستهلكة للويلات والمشكلات هي ليست من صميم الحضارة بقدر ما تكون نابعةً من نفس الإنسان.
هذه النفس العصيّة كثيراً والجامحة والطامحة التي تبني بيد في الوقت الذي تهدم فيه باليدِ الأخرى ولا ( نُعمم ) بالطبع..

فهل بإمكاننا تطويع القدرات الهائلة في العمل الإنمائي لمشاريعنا النهضوية ؟؟

إنه وبلا ريبٍ نعم؛ ومن أكبر وأعظم آلياته هو العمل التطوعي .. الذي يطوّع فيه الإنسان قدراته وروحيته العالية في سبيل النهضة
فالتطوع ليس مرحلةً عارضة أو حالةً نفسية مؤقته يستشعرها المرء وينتهي بانتهائها وهو ليس ثغرة يسد بها النقص وكفى..بل التطوع حالة انسياق وتماهي مع الفطرة الانسانية المحبّة للخير والنماء..

فمن يبادر الى التطوّع هو أكثر الناس سعادة واستشعاراً لقيمة الحياة
استشعاراً للفرص
استثماراً حقيقياً للتجارب التي يخلقها العمل التطوعي فتزيد من الخبرات ومن الوعي وفِي نطاق واسع.

بداية التطوّع سلامٌ يعيشه الانسان في نفسه
متصالحا مع ذاته ومع مجتمعه
متسالماً مع كل شيء .. آخذاً منه ومعطيا؛ وهل يتغيّر العالم من حولنا بغير السلام!!

قد لا نبالغ حين نقول أن رفع مستوى الأعمال التطوعية في البلدان التي أنهكتها الحروب قادرٌ على تحويلها إلى مراكز نهضويه وحضارية بامتياز كما حدث في ألمانيا
حيث
"تشير الإحصائيات إلى أن في ألمانيا تسعمائة اتحاد ومنظمة شبابية، ينتظم فيها حوالي ربع سكان ألمانيا، وتساعد على تجنيد آلاف الشباب للعمل الخيري.. "

تقول السيده بانسري في وكالة الأمم المتحدة :

يساهم المتطوعون في السلام والتماسك الاجتماعي والمشاركة والإندماج الإجتماعي .. إنهم يساهمون في رفاه المجتمع ويثبتون من خلال تصرفاتهم أن هناك قيماً أخرى تدفع البشر وليس مجرد المصالح الذاتية "

وهذا مايقرّه الإسلام بشكل جوهري في مبدأ التكافل الذي يحل بحلول السلام في المجتمعات المؤمنه
{فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ}.

وعوداً على ماذا لو
نقول..

لنا أن نتخيل ماذا لو كانت أبوابنا مفتوحة؟
وماذا لو صافحت جاري وأقمت منزله متراصاً إلى جانب منزلي .. متعاضدان لا تهزهما الرياح ولا سيول الأمطار؟؟

ماذا لو احتضنّا الشباب وطوّرنا من تجاربهم بالعمل التطوعي؟؟

وماذا لو كان المجتمع الإنساني مليءٌ بالأيدي في صورة يدٍ واحده؟؟

وأخيراً

ماذا لو تغيّر العالم؟

بين شدّةٍ وفرج

*بين شدّةٍ وفرج*
مريم فريد

يعيش المؤمن في هذه الدنيا بين عسر ويسر وشدّة وفرج ، وحزن وفرح ، تضيق به الحال حتى تصل التراقي فإذا بلحظة الفرج تلوح من البعيد *(وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)*

فعندما يحكم الباطل وتُسيطر جبهته على مقادير الأمور ، حتى يظن الجميع أنّه لم يعد للخير مكان ، ولا لأصحابه قدرة ، تدحض القدرة الإلهية الباطل وتدحر أعوانه، وكأنّه لم يكن،فينتصر الحق ويعيش أصحابه شعور الفرج بعد الشدة.

كثيرة هي القصص على أرض الواقع ، حتى أنّنا عندما نُطالع بعض تفاصيلها نظنّها ضربًا من خيال ، واليوم نعيش ذكرى رحيل بطلٍ إحدى تلك القصص ، شيبة الحمد والذي يعرف بعبد المطلب ، الذي بدأت حكايا ابتلاآته حتى قبل أن يولد حِين فقد أباه هاشم (عمرو العلا ) فأبصر الدنيا يتيماً.

أسمته أمّه شيبة الحمد بسبب تلك الخصلة البيضاء التي كانت تشعّ في شعره مُنذ ولادته فكأنّما ولد هو والوقار معاً ، عاش سنين طفولته الأولى في كنف أخواله بيثرب ، و ما إن أصبح صبيًا حتى جاء عمّه المطلب ليعيده إلى أحضان مدينة الأجداد مكة ، دخل به مكة مُردفًا إياه على بعيره فتنادى القوم أن جاء المطلب بعبدٍ أبيض تعلوه ملامح الجمال والعزة ، فعُرف ولازال بعبد المطلب ، فلما رحل العم بعد أن بلغ الصبي مبلغ الشباب و الرجولة تولّى مكانه فكان سيد قريش الفيّاض ، وهنا عاش الابتلاء الأول ، حِين جاءه النداء احفر زمزم ، متتابعاً عدّة مرات حتى أيقن بأمر السماء ، بدأ الحفر ونظرات الاستنكار تحوطه وعبارات السخرية والاستهزاء تتفنّن في تثبيط عزيمته، لكنّه واجه ذلك الازدراء بالإصرار حتى نجح فعادت مياه زمزم هدية السماء إلى جدّه ، مصحوبةً بكنوز كان قد أُلقيّ بها في البئر قبل أن تُردم ، هنا تجمّع الباطل ليكون جبهة تطالب بتلك الكنوز التي استخرجها عبد المطلب وحده فرفض واستنكر ، وبعد أن أحسّ بالضعف نذر لله إن أُعطيّ عشرة من الولد ليذبحنّ أحدهم عند الكعبة قربة لله تعالى ، وتحاكم القوم فجاءت النتيجة لصالح عبد المطلب لتكون الكنوز من حقه  فقدم خمسها للكعبة هديةً منه.

ووُلِد العشرة ، عشرة من الولد وستٌ من البنات ، وبلغ الولد مبلغ الرجال ، فكان الابتلاء الحقيقي أينفّذ شيبة الحمد نذره ؟؟
أم يتنصّل مثله عن الأداء حتى لو كانت فيه روح أعز ولده ، لكن قريش هي من وقفت في وجهه هذه المرة حبًا في عبدالله التي اختارته القرعة ، وبعد الأخذ والرد والتشاور جاء الفرج بأن يوضع قدح (سهم )باسم عبد الله وآخر بعشرة من الإبل وزيدت قداح الإبل حتى بلغت المائة فجاءت القرعة على الإبل فأتمّها للمئة والعشرين فنُحرت جميعها فداءً لعبدالله فأكلت منها حتى الجوارح على رؤوس الجبال.

لكنّ تلك الفرحة لم تدم طويلًا فها هو عبد الله يلفظ أنفاسه الأخيرة في يثرب ، قبل أن يرى وليده النور ، أيّ غصّة عاشها عبد المطلب وهو يرى قصته تتكرّر مع حفيده ، ولتكتمل فصول تلك الشدّة (المأساة ) جاء أبرهة الحبشي بجيشه الجرار تتقدّمه عدة أفيال ليهدم الكعبة فيمنع الناس من الحج إليها ،واستولى في طريقه على كل ماالتقى به من قطيع لقريش ، فتجلّى في تلك اللحظات العصيبة إيمان عبد المطلب الذي توجّه إلى أبرهة مطالباً إياه بماشيته ، فاستنكر أبرهة ذلك الطلب الغريب وهو يقول :قد كنت أعجبتني حين رأيتك ثم زهدت فيك حتى كلّمتك، أتكلّمني عن مائة بعير أصبتها لك وتترك بيتًا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه؟ فرّد عبد المطلب بتلك الكلمات الخالدة *أنا ربّ الإبل وإنّ للبيت ربًا سيمنعه* ،فرّد أبرهة على عبد المطلب الإبل فانصرف عبد المطلب إلى قريش فأخبرهم الخبر وأمرهم بالخروج من مكة والتحرّز بالجبال والشّعاب تخوّفًا عليهم من معرّة الجيش فقد كانوا أكثر من قريش عددًا، ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة وقام معه نفرٌ من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجيشه، فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة:
لا هُمَّ إنّ العبد يمـ _نع رحله فامنع حِلالك
لا يغلبنّ صليبهم _ ومحالهمِ غدوا محالك
إن كنت تاركهم وقبـ _لتنا فأَمرٌ ما بدا لك

فلما همّ أبرهة بالهجوم بركت أفياله كلما وجّهها إلى مكة ، وجاء نصر الله، أرسل عليهم طيرًا أبابيل من البحر أمثال الخطاطيف مع كل طائر ثلاثة أحجار، واحد في منقاره واثنان في رجليه فقذفتهم بها وهي مثل الحمص والعدس لا تصيب أحدًا منهم إلا هلك.

قبل رحيله رأى بشارة سيف بن ذي يزن تتحقّق في حفيده المبارك فكان يحبّه ويقرّبه ويجلسه إلى جواره في مجلسه مقابل الكعبة الشريفة وفي أيامه الأخيرة كان كثيراً ما يوصي ولده أبا طالب بمحمد ( صلى الله عليه وآله ) قائلاً : *يا بُني! تَسلّم ابن أخيك ، فأنت شيخ قومك وعاقلهم ، ومَن أجدُ فيه الحِجى دونهم ، وهذا الغلام تحدّثت به الكهّان ، وقد روينا في الأخبار أنّه : سيظهر من تهامة نبيٌّ كريم ، وقد رُوي فيه علامات قد وجدتها فيه ، فأكرِم مثواه واحفظه من اليهود فإنّهم أعداؤه فأجابه أبو طالب : قد قبلت ، واللهُ على ذلك شاهد . ثم مدّ يده إليه ، فضرب بها على يد ابنه أبي طالب قائلاً : الآن خُفّف علَيَّ الموت ، وودّعه عبد المطّلب وهو يقبّله قائلاً: أشهد أنّي لم أر أحداً في ولدي أطيب ريحاً منك ولا أحسن وجهاً*

دولة الباطل ساعة وإن طالت أيامها وامتدّت سنواتها ودولة الحق أمدها إلى قيام الساعة ، فبنصر الله تفرح قلوب وتطمئن نفوس ، وتفزع أخرى وتستكين ولا تأمن مكر الله بالظالمين .

جاءت ذكرى رحيل سيد مكة لتذكّرنا أنّ للظلم نهاية وللطغيان حدّ، وفي خضم هذه الأيام التي نعيش فيها فرحة سيدتنا الزهراء عليها السلام ، وعودة الابتسامة إلى ثغر مولانا امير المؤمنين عليه السلام التي فقدها لسنوات وسنوات ، وفرح الموالين بتحقّق العدالة في الظالمين من الأولين والآخرين وإلى أن تتجلّى العدالة بأبهي صورها على يديّ حفيد عبد المطلب ذلك الامتداد الغيبي الذي تُملأ الأرض على يديه عدلاً وقسطاً.

ذِكرى بَاذِخة


*|| ذِكرى بَاذِخة ||*
فاطمه عواد

*كم من الرسائل تعجّ بها ذاكرتنا الفارهة ؟*
*لابد وأنك تفكر معي الآن .. وعلينا أن لانتوقف على أي حال ..*
*عند أيِ منها يستحق أن نقف لنشعل فتيل المناغاة ؟؟*

يقال بأنّ مفهوم التفكير من أكثر المفاهيم غموضاً ، وأشدها استعصاءًا على التعريف ، ذلك يرجع إلى تعدّد وتعقد الخطوات التي يمرّ بها ، يذكر أحد أرباب اللغة أنّ التفكر هو تصرّف القلب في طلب معاني الأشياء وَ التفكير إعمال العقل في مشكلة للتوصّل إلى حلّها ، فكأنّ مدلول الكلمة في اللغة يبيّن أنّ التفكّر عملية يتوجّه فيها الذهن إلى شيء ما بغية معرفة كنهه .

ورد في الأثر *( كثرة النظر في الحكمة تُلقِح العقل )* ، وَ مما قِيل : *( لا ينمو العقل إلا بثلاث : إدامة التفكير ، ومطالعة كتب المفكرين ، واليقظة لتجارب الحياة )* ، *(خذ الحكمة حيث انتهي الآخرون لأنك لن تعيش طويلا لكي تتعلم كل الأخطاء )* .

لنسلك أنا وأنت طريق الحياة ، لابد أن نقف عبر محطات ربانية تُقَوِم هذا المسير وتشُد من صلابة عوده ، فَتُعطي بذلك أكبر دافعية نحو صعود القمم مهما استطالت علوًا ، فالعالم سيفسح الطريق أمامنا مادامت الوجهة معلومة ، مدروسة وَ واضحة كشمس الأصيل في إشراقها .

هذه الأيام نقف لنقطع تذكرة الدخول عبر الزمن ، لنشهد قمة فارهة ، اشتعلت و أشعلت فأضاء ماحولها ، أَعْطَى كثيرا  وَما أَكدَى ، سيد جليل عاش داراً بسيطة ، لا تختلف عمّا كان يعيش فيه أجداده الطاهرون ، مُعرضاً عن الكماليات والزخارف ، لم يكن طعامه يتجاوز ربع قرص من خبز الشعير ، مع شيء من البصل والملح ، وَ أحياناً شيء من الجبن ، دائم الوضوء ، مداوماً على الرياضات الروحية ، عاشقًا للحسين مُولعًا بأيامه ، ذُو علقة خاصة بأمير المؤمنين , مواظبًا على إقامة مجالس دعاء كميل وإيصال ما أمكنهُ من خلالها .

إنّه *( شهيد المحراب)* السيد عبد الحسين بن السيد محمد تقي بن السيد هداية الله الحسيني الشيرازي الملقب ب(دستغيب) ، الذي كان مصداقًا لما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله : *( العلم وديعة الله في أرضه ، والعلماء أمناؤه عليه ، فمن عمل بعلمه أدى أمانته ، ومن لم يعمل بعلمه كتب في ديوان الله من الخائنين )* .

من أبرز ملامحه ، كثير الحب للناس ، يخالط أفراد الطبقة الثالثة من المجتمع ، مسارعًا باستمرار إلى إعانتهم ، وحلِّ مشاكلهم ، له أسلوب متميِّز مع مخالفيه ، فلم يكن يسمح لأحد أن يتناولهم بكلام بذيء ، بل كان أحياناً يثني عليهم مثيراً استغرابهم ، يمشي متناغما مع الآية الكريمة *{وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}*
سورة فصلت الآيتان (34 - 35)

بلاشك إنّ الإبتعاد عن حمل الهموم أقرب لراحة النفس , وإنّ الخلوة لمناجاة الحبيب والتفرّغ للصلاة والدعاء وتلاوة القرآن أمر جميل ، لكن هل يعتبر ذلك حل مثالي وكل ماحولنا يستغيث ويطلب الحركة والنشاط وبذل الجهد لنصرة الدين ؟؟

لقد أبلى الشهيد دستغيب بلاءًا حسنًا عندما لم يبتعد عن حمل هموم مجتمعه ودينه بل ولم يتخل عن مسؤوليته حيث مكامن الخطر بحجة إصلاح النفس وتربيتها وتهذيبها ، إنما أصلح ذاته من خلال أداء التكليف بحضوره الدائم في ساحة المجتمع ومواجهة الأحداث أولا بأول ، أسوةً بسيرة مولاه الأمير : *( مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً ْ فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ )* .

فنجد هذا الشهيد العظيم انموذجا يحتذى ويطرق الأسماع  ، فقد أنهى مرحلة المقدمات والسطوح في سن الطفولة لِمَا كان يتمتع به من الذكاء ، وأصبح إماماً لمسجد باقر خان في شيراز ، وأخذ يمارس الإرشاد ، بعد سنين من الفقر وشظف العيش ، هاجر إلى النجف الأشرف في سنة 1935 ميلادي ليواصل دراسته الحوزوية عند مجموعة من الأساتذة البارزين مثل : آية الله كاظم الشيرازي، وآية الله أبي الحسن الاصفهاني، وآية الله الميرزا الإصطهباناتي، وآية الله القاضي الطباطبائي ، عندما بلغ سن الرابعة والعشرين حاز على درجة الاجتهاد ، وأيّد اجتهاده ثمانية من العلماء الأعلام آنذاك .

خلّف من ورائه مجموعة من الشهادات التي تشيّد باجتهاده , وثلة من الكتب أعظمها نفعًا ، ككتاب التوحيد والذنوب الكبيرة والقصص العجيبة وغيرها الكثير ، بالإضافة الى الكتب العلمية كالحاشية وشرح الكفاية والرسائل ومطالب أخرى حتى أنّه لم يفكر بطباعتها ، فلم يكن يقبل بنشر رسالة عملية تخصه رادًا بذلك على من طالبه بطباعتها : *( بحمد الله يوجد الكثير من السادة ولاحاجة لرسالة توضيح المسائل جديدة خاصة بي )* .

وَ كعادتها خفافيش الظلام تعيش في غفلتها ، تتربّص الدوائر لتفتك بأعاظم المفكرين ، وهيهات لنورهم الوقّاد أن يطفأ فهم باقون ، خالدون بخلود ماقدّموا لدينهم ومذهبهم ، وَ قد أجمع البرهان على ذلك ، حين خرّ الشهيد السعيد ملطخًا بدمه وهو في طريقه لأداء صلاة الجمعة فأضحى ( شهيد المحراب ) ، *أفلا يولد من رحم الحياة دستغيبٌ آخر يُجسد مفاهيم مايُمليه على الناس مُمهدًا بذلك ظهور إمام زمانه عجل الله تعالى فرجه ؟