بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 23 ديسمبر 2017

قراءة في فكر الدكتور شريعتي (مسؤولية المرأة)

قراءة في فكر الدكتور شريعتي
(مسؤولية المرأة،ندى الخلف)

الكتاب عبارة عن ندوة  ألقاها الكاتب ليلة مولد السيدة الزهراء (ع)
تحدث فيها عن مُجمل القضايا التي نعيشها في حياتنا المعاصرة..
ابتدأ الكاتب حديثه تحت عنوان (حقوق المرأة) وتطرق إلى أنه بعد الحرب العالمية الثانية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر طرحت قضية حقوق المرأة على بساط البحث في الأوساط العلمية وأحدثت هزة روحية عنيفة  وهذه الموجة تدعو لتحرير المرأة تحت مسمى حقوق المرأة وقد بدأت تلك الموجة  في الغرب وأيدتها القوى العظمى وتفشت في المجتمعات البشرية كافة لدرجة أن الأوساط الدينية المحافظة لم تستطع الصمود أمامها،والسبب الذي يقف وراء عجزها ذاك لأنها واجهت هذه الهجمة الكاسحة  بأساليب بالية تتسم بالتعصب الأعمى بل إن طريقة المجتمع المحافظ المتعصبة ساهمت بشكل غير مقصود  في تمهيد الأرضية لهذه الأفكار ،كما ساعدت الغرب بشكل غير مباشر على تحقيق أهدافه إذ أن هذه الفئة حرمت المرأة من حقوقها الإنسانية والدينيه وكبّلتها بالأغلال والقيود مما دفعها إلى الرغبة في التحرر ،وقد أشارت الإحصائيات إلى أن الدعوة الغربية أحرزت نجاحاً في المجتمعات المحافظة  يفوق ماأحرزته في باقي المناطق.
وفي مناسبة هذا الكلام تعرض الكاتب إلى مسألة هامة جداً وهي أنه يجب عدم الخلط بين الدين والتقاليد فبعض المحافظين يُدافعون عن التقاليد بدل الدفاع عن الدين وفي المقابل نجد بعض المثقفين الحديثين يُحاربون القيم الإسلامية في نفس الوقت الذي يحارب فيه التقاليد ويعزز ذلك إلى عدم قدرة المحافظ ولا المثقف الحديث على التمييز بين الدين والتقاليد التي لاصلة لها بالدين و مهمة المثقف الواعي هو استخلاص الدين الأصيل ، ومن حسن الحظ أن مجتمعاتنا الإسلامية وإن لم تنجح في صد الهجمة الإستعمارية الغربية بوعي إلاّ أنها تملك تاريخاً وديناً كاملاً يمكن من خلال إحياءه والتعويل عليه تحصين الجيل الجديد من الهجمة الغربية  فإن لدينا شواهد تاريخية وهناك ماهو  أفضل من تلك العوامل وأكثر تجسيداً من التاريخ نفسه وذلك هو التصوير العيني للشخصيات المثالية الموجودة في تاريخنا باسم الإمام أو الأسوة فكل واحد من أهل البيت هو تجسيد حي لأفق من آفاق الحياة
والسيدة الزهراء (ع) تقع في قمة تلك القدوات
فالسيدة فاطمة الزهراء هي الأنموذج الأكمل للمرأة لذا يجب معرفتها بشكل دقيق وإحياء ذكراها
وليس المقصود من المعرفة معرفة السيرة التاريخية وحسب إنما ينبغي التحدث عن كيفية فهم واستقاء الدروس من حياتها،وقد ضرب الكاتب بعض المواقف من حياة السيدة(ع) التي نستقي منها دروساً في تحمل المسؤلية
فقد تحملت ع المسؤولية إزاء الرسالة منذ صغرها فكانت تقف إلى جانب أبيها دائماً وقبل وفاتها طالبت بفدك ليس بإعتبارها قيمة مادية أو اقتصادية إنما لأجل إحقاق حق أمير المؤمنين  واثبات أحقيته في الخلافة إذ شعرت بالمسؤولية تجاه الأمة والانحراف والظلم الموجود في المجتمع كما كان لها حضوراً فاعلاً في قلب الأحداث الاجتماعية فلم تلتزم الصمت حتى لحظة وفاتها حيث أوصت عليا (ع) بدفنها ليلاً إحتجاجا على الظلم وهذه المرأة ذاتها كانت أنبل زوجة لأمير المؤمنين تسانده وتقف معه وهي أروع أم وربة منزل إذ تخرج من مدرستها أبطالاً كالحسن والحسين وزينب ولو تأملت المرأة في حياة الزهراء ستعلم قطعاً  أن المرأة العصرية تتمثل في هذه القدوات.
ثم انتقل الكاتب للحديث عن المظاهر الدينية كالحجاب والصلاة والزيارة وقال إن هناك ظاهرة مشتركة في الآباء والأمهات وهي أنهم يبلغون الدين وكأنهم ينفخون في البوق من نهايته الأخرى  ضرب مثالاً كيف أن الطفل الصغير يتلهف للزيارة ولارتياد المسجد والصلاة وماأن يكبر حتى يتلاشى هذا العزم عنده ،والآباء والأمهات من موقع الأبوة والأمومة يضغطون على الأبناء وهذا الأسلوب خاطئ اذ ينبغي معرفة أسباب رفض هذا العمل أو ذاك فمعرفة السبب نصف العلاج.
ثم تطرق الكاتب إلى كيفية علاج ظاهرة ابتعاد الشباب عن الدين وقال إن الحل موجود في سيرة النبي (ص) وهو التدرج في تلقين الأحكام والعقائد فالرسول لم يبلغ أحكام وعقائد رسالته خلال سنة بل طرحها تدريجياً على مدى 23 سنة
فطرح عليهم  أولاٍ قولوا (لاإله إلا الله تفلحوا) وبقي يركز على زرع هذه الفكرة فقط لمدة 3 سنوات من غير أن يُضيف لها أي كلمةٍ أخرى فلاصلاة ولا صوم ولاحج
-الجهاد طُرح في السنة 2 للهجرة
-الخمس في السنة 3للهجرة
-الحجاب في السنة 7 أو 8 للهجرة أي بعد مايقارب 20 سنة من الدعوة
-حُرِّم الخمر في السنوات الأخيرة على 3 مراحل
1/قال (لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى)
2/المرحلة الثانية فيها عتاب رقيق (فيهما إثم كبير ومنافع للناس)
3/عندما بلغت الدعوة الإسلامية ذروتها جاء الأمر قاطعاً (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه)
اذاً مسؤليتنا هي التدرج في تلقين أحكام الدين للشباب وإيضاح معانيها وحقائقها وإلى ماذا ترمز وهم تلقائياً سيفهمون مايجب عليهم فعله.

الأحد، 17 ديسمبر 2017

قراءة في فكر الدكتور شريعتي (منهج التعرف على الإسلام)

قراءة في فكر الدكتور شريعتي
(منهج التعرف على الإسلام،61ص)
#فاطمه العيسى

الكتاب يتضمن محاضرتين للدكتور جُمعتا في كتاب واحد
#المحاضرة الأولى بعنوان (المنهج والتشكل الحضاري)
-يتحدث عن أهمية المنهج الذي يُعتبر أعظم من الفلسفة والعلم والموهبة وهو(أسلوب المعرفة الصحيحة لكشف الحقائق)
-ثم بيّن أن سبب تفجير الحركة والتقدم ليس النبوغ,فأرسطو كان نابغةً لكنه كان سبباً لركود القرون الوسطى بينما من كان أقل نبوغا ًوتوسطاً في العلم إستطاع أن يصل إلى الحقيقة..
-ثم انتقل إلى ضرورة إدراك مسؤوليتنا ووعي واجبنا نحو هذا الدين العظيم وأن نعرفه بالشكل الصحيح وبطريقه منهجية , وذلك لأننا لانتمكن أن نقدس شيئاً لانعرفه أو نتعبد بعقيدة نجهلها،ولأننا نعتقد بالإسلام فلابد أن نعرفه جيّداًً ولاتكون المعرفة الحقة إلاّ باختيار المنهج الصحيح ..
فماهو المنهج الصحيح لمعرفة الإسلام؟!
توجد طريقتان :
1/دراسة القرآن الذي يُمثل الآثار الفكرية للإسلام.
2/معرفة التاريخ الإسلامي وتتبع التطورات التي حدثت منذ بداية البعثة المحمّديه إلى اليوم وماحدث بينهما ..
-ثم دوّن الكاتب رسالة للمسجد مفادها:لو أن المسلمين اليوم حوّلوا المساجد إلى مراكز فعالة للبحث والتحقيق واعتمدوا على هذين الأصلين الأصيلين _القرآن والتاريخ_في إعداد برامج التوعية الجماهيرية لأمكنهم ذلك من بناء القاعده الأساسيه لأكبر نهضه إسلاميه فكرية ..
وهناك أيضاً منهج ثالث لمعرفة الإسلام :
وهو العلم عن طريق تصنيف القضايا والمقارنه بينهما كالمقارنه بين كل دين ولأجل معرفة الإسلام بشكل جيد يجب استخدام هذه المراحل الخمسة :
1/يجب معرفة الله واستقصاء أسماءه وصفاته عن طريق مراجعة الكتاب والسنّة والتفكّر في الكائنات والمقارنه بين صفات الله في الإسلام وغيره من المذاهب الأخرى.
2/معرفة القرآن ومايحتويه من مختلف الأبعاد الإنسانيه والأخلاقيه والتربويه والإجتماعيه ومقارنته بين الكتب للأديان الأخرى..
3/معرفة النبي الأكرم "ص"باعتباره نبي
هذا الدين, لأن دوره كان عظيماً وفعّالاًً جدّاًً لم يكن يملكه أحد
ولكن كيف نعرف الرسول "ص"؟!بالنظر إلى جميع جوانب حياته وتأملها ودراستها من حيث بعده البشري والإنساني والمعنوي وقدراته المستمدّة من وراء الطبيعة ,كملاحظة اسلوب
حديثه وطريقة عمله وتفكيره وعلاقته مع الآخرين وانتصاراته وهزائمه وكل حركاته"ص".
4/دراسة كيفية ظهور النبي "ص" وبعثته ومقارنة هذا الظهور مع جميع الأنبياء سواء الصادقين أم المدّعين ،لأنها تساعد على معرفة اتجاه وحقيقة وأهداف هذه الأديان ..
5/معرفة الوجوه البارزه والنماذج البشرية التي 
صنعها الدّين أو ذاك كمثل هارون في حياة موسى وبولس في حياة عيسى وكل النماذج الذين تخرجوا على يد الرسالات ودراسة مواقفهم وأدوارهم فالدّين مصنع الإنسانية .

#المحاضرة الثانية بعنوان(أدلجة الفعل الإصلاحي)
إن أغلب المفكرين تصوروا أن الحديث عن الداء لايُجدي شيئاً،قائلين أننّا مازلنا نتحدث عن الآلام دون أن نُحرك ساكناً،وانطلاقاً من هذه النظره يجب أن نبدأ مرحلة العمل في اصلاح المجتمع والبلد والأسرة ..
يُكمل الكاتب أننا إلى الآن لم نعرف آلامنا ,كنّا نئن من الألم فقط .. وكيف ندّعي بأنّنا نعرف أمراضنا ومشاكلنا الإجتماعية ويجب أن تكون أسس مجتمعنا اسلاميه والحال أنّنا لم نعرف إلى الآن ديننا وإسلامنا بعد،فيجب أن يكون المبدأ أساساً لتفكيرنا وعملنا ،فهو أول وظيفة يجب
علينا تأديتها.
ثم أوضح  أهم مشكلةٍ في علم الإجتماع وهي معرفة العامل الأساسي للتغيير الإجتماعي والتحول والنهضة في المجتمعات !!
ذاكراً رأي بعض المدارس في الإجابة على هذا التساؤل،فالفوضوية ترى أن العامل هو الصدفة ؛والمادية تؤمن بأن الجبر أساس التغيير وهو الذي يحكم حياة المجتمع،أمّا الإسلام والقرآن يجد أن النبي "ص" لم تعرض شخصيته كعامل وحيد وأساسي للتغيير الإجتماعي وإحداث التحول التاريخي ،بل يُعتبر مُبلّغاًً يبلغ الرسالة ويوضح الحقيقة للناس وتنتهي الرساله عند هذا الحد (إنّما عليك البلاغ)وبعدها للناس أن يختاروا الحقيقة والرسالة أو لأ.
وفي القرآن نجد أن العامل الأساسي والمؤثر للتغيير هم الجماعة التي يخاطبها الدّين
ويتوجه إليها كل نبي وهم المخاطبين في القرآن (الناس)فهم عامل الرقي أو الإنحطاط ،وهم من يتحمّل مسؤولية التغيير ..
أمّا عامل الصدفة فإنّ تأثيرها في المجتمع كعامل اضافي ثانوي ،وإنما هي أربعة عوامل في الإسلام تشترك في التغيير ( الشخصيّة,السنّة,الصدفة ,
الناس)
نرى الإسلام يقترب قليلاً من الجبرية لكنه يقول شيئاً آخر وهو أنّ المجتمع مسؤول عن تعيين مصيره :(إن الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )
وفي علم الإجتماع يوجد عاملان:
1/يؤكد مسؤولية وحرية الإنسان في تغيير مجتمعه وتطويره.
2/القوانين الجبريه والقطعية والعلميه الخارجة عن اختيار الإنسان .
قد يبدو أن هذان العاملان متناقضان لكنهما ليسا كذلك ,بل يكمل أحدهما الآخر
- بيّن الكاتب ذلك بمثالٍ من الطبيعة:
كما أن المهندس الزراعي مسؤول عن تثمير الأشجار وتنمية النباتات واستخراج أحسن
الثمار فهو مسؤول أيضاً أن يعلم قوانين علم النبات التي يتوقف عليها تطور النبات والثمار لأنها قوانين ثابتة وجبرية لا تتغير،و يمكن للإنسان أن يستخدم القوانين الموجودة بشكل أحسن بالتوسع في العلم ، لأنه لايمكنه أن يضع قانوناً جديداً أو أن يُبطل قانوناً ثابتاً،وكذلك مسؤولية الإنسان في المجتمع فهي قائمةً على أساس السنن الإلهية فهو ينمو ويتكامل ولا يمكنه أن يتخلص من المسؤولية معتمداً على الجبريه ..
فالقرآن كما يعترف بأن المجتمع يسير على وفق قوانين ثابته لاتتغير فإنه لم ينفِ المسؤوليه عنه..
(لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين)
#زبدة القول أوضح الكاتب المنهج الصحيح لمعرفة الإسلام ،والإستفادة من هذا المنهج في تغيير المجتمع .
#أي أنّ تغيير المجتمع يستند إلى منهجية صحيحة مرتكزة على علوم الدين الإسلامي ..

السبت، 9 ديسمبر 2017

قراءة في فكر الدكتور شريعتي (الحر إنسان بين خيار الفاجعة والفلاح)

قراءة في فكر الدكتور شريعتي
(الحر إنسان بين خيار الفاجعة والفلاح،54ص)

يرسم القدر لوحةً من الحسن والأناقة في موجودات عجيبة أُبدع الخلق فيها..
صخورٌ وأزهار، طيورٌ وحشرات،دواجن وآدميين، رتابة في تشابهها...الاّ ماخرج عن دائرة المألوف ليحضى بصنعةٍ خاصة تشذ عن النمط العام ليلقى الوجود بفن بديع يتغنى بشعر، او يخلق أثراً فينا،  او يجسد ذوقاً مرهفاً وجمالا فتانا...
كمنتج استهلاكي في قالب مميز مجسداً الاصالة، فريد في نوعه تحت مفردتين ( الشخصية)  و ( الكمية)
شخصية تتفرد وتتميز كمثل اعلى في الاعم الاغلب...
ك (كوه النور)  بين الجواهر و ( ذو الفقار) بين السيوف،و( الكعبة)  بين البيوت...  وهكذا

و ك (الحر) بين الشهداء...

كانت مقدمة الكتاب مميزة بتميز بطلها ( الحر)

لو أردنا عرض قصةٍ في المسرح لابد لنا من تنسيق فني متكامل في كيفية الاخراج واحكام الرواية على أفضل مايكون لتخلق فينا أثراً لايغيب...

الحديث كان عن الاختيار... حيث هو ارفع تجليات الوجود الإنساني،، بل هو معنى الانسان وفلسفة وجوده، وفي الوقت ذاته يعتبر من اشق المسئوليات...
يدور الانسان في محاور حياته حول الاختيار... 
اشق واثقل اختيار هو... ( الحق أو الباطل)

وقع الحر بين هذا الخيار ( الفاجعة او الفلاح) ولابد ان يختار كيفية كينونته  ولكن بأي ثمن؟ ( البقاء او الفناء) لذاته!
لم تكن هناك نقطة ( الوسط) بين القطبين
وقد أُلقي به في خضم الفاجعة غارقاً فيها...  بل هو أداة الفاجعة... ( الضابط المنتخب) للجيش الذي جاء من قصر الفاجعة ليكر على كوخ الامة ويطفئ مصباح الهدى ويحطم سفينة النجاة ويشعل النار في مخيم الفلاح بأمرٍ من قصر الفاجعة...
اول من قطع الطريق على مسيرة الفلق بأمر من الغاسق وجاء بحراس الامامة والعدل الى مصارعهم في كربلاء بوسوسة الخناس ...  هو ذاته القائد الذي اختار الفلاح...!
لم يستغرق زمان الاختيار عمراً من التجربة أو التأمل أو الوعي التدريجي،،إنما تمّ في ساعة من نهار ( صباح عاشوراء)
تمّ في اخر الفرصة، ذروة الامر،الدقائق المؤلمة المليئة بالاضطراب... 
ليظهر التناقض والتضاد بين القطبين لتكمن قوة الاثارة والتأثير أقصى مداها...  فيجسد باختياره اعمق مفاهيمه ( المفاهيم الالهية و المفاهيم الشيطانية) 
شخصيات ليست خارقة للعادة او من عالم الميتافيزقا او غلبت عليه الصبغة الملكوتيه كالانبياء.

فحوى القصة لإنسان يملك قدرة عجيبة في تغيير نفسه بصورة ثورية متخلياً عن خصاله الطبقية، الاجتماعية، والموروثة...
فالتاريخ الاسلامي هو من اغنى الثقافات واكثرها حيوية ومعرفة واقواها سندا وواقعية وهو مليئ بالمتضادات والتجارب والصراعات والحوادث والاحاسيس والقيم الانسانية...
من التيارات المتضاده...(الوجة الاموي والوجه العلوي)
كلاهما مظهراً واضحاً لقطبه...  فهو المسرح الذي وقع فيه اختيار بطل القصة( الحر)...

في حادثة تاريخية، وقعت مابين يزيد والحسين،،  شخصياتها ذات وجود حقيقي في عالم الواقع في زمان ومكان معين...
الدور الذي تحمله كل شخصية تاريخية هو الذي يعكس قيمة وجودها اما الاسماء مجرد الفاظ تطلق..
اختيار الام اسماً لوليدها ينم عن ذوقها،  ربما يكون حدساً للدور الذي سيتقلده أومصير قدره..
( الحر)  طفل سيصبح محط الانظار في الثورة الانسانية...
( انت الحر كما سمتك أمك، انت الحر في الدنيا والاخرة) 
رقي، تكامل، مثّل اعلى فلسفة لوجود النوع الانساني اعظم رسالاته الالهية... شكلاً ومحتوى ومعنى...
فصاحة وبلاغة فائقة لاتقوم بالذهن واللفظ  بل بالمحبة والدم ( كل انسان هو حر) 
التضاد في تاريخنا بين ( المعروف والمنكر)  ( الله والطاغوت)  (الشرك والتوحيد)
يبدأ التاريخ بالحرب وينتهي بالحرب ( من قابيل وحتى امام العصر)
حرب يستشهد فيها الإنسان المحق في اعتداء الانسان المبطل بدافع الطمع ليؤخذ بثأر المظلوم في آخر الزمان وتنتصر المساوة والأخوة والسلام.. 
ثورة مسلحة تزيل حكومة السفياني وتقضي على مؤامرة الدجال وتكون النهاية ( الأرض يرثها عباديّ الصالحون)
معركة دائمة في كل عصر وجيل في اي نقطة على وجه الارض في سبيل الله او الطاغوت لا ينفكان، يتقابلان داعين الناس لنصرتهم ( وجه حسيني ووجه يزيدي)
عملية جذب لكلا القطبين تردد، تذبذب، حيرة،،  وقف الحر يسمع صوت امير يصيح ( يا خيل الله اركبي)  وفي الجانب الاخر امام ينادي ( هل من ناصر ينصرني؟) 
ولا مفر من الاختيار..
وهو أمام ثلاث طرق لاغير :
- الالتحاق بخيل الله واشعال النار بمخيم الحرية والفوز بملك الري..
- واما ان تأبى احتمال هذه البشاعات والدنايا وتنهض بالحمل الثقيل لتفر بنفسك من حريق جهنم وتسلم بدنك للجنة تطأطأ هامتك عند مقام الحقيقة القدسية وتلبي دعوة الامام
- واما ان لاتكون لهؤلاء ولا الى هؤلاء تعتزل المكان،غير مكترث بما يحدث.. متقوقعاً على نفسك ( تنكب على الشراب او تنهمك في اقامة الصلاة) كي لاتكون شاهداً على عاشوراء، تغيب عن الساحة بسحر الافيون او العبادة وتخادع نفسك بالعلم والدين والانتشاء... 
هيّ طرق ثلاثة مشرعة امام قدمي كل انسان:. ( الخباثة)  ( الطهر) ( الفراغ)
اذا وقفت...  فوقوفك بلا ماهية لابد ان تختار طريقاً وتسير وبالتالي تختار نفسك وتعين ماهية وجودك..
يتلقى الانسان الوجود بالولادة،،  ويتلقى الماهية بالاختيار
كما يقول هايدجر.. الانسان وجود يخلق ماهيته
ولولا الماهية لكان الانسان لامعنى له
( القلق) هو وليد وعي الانسان لوجوده،،  احساس عميق بعظمة هذا الاختيار المصيري قد احس به الحر ليجد نفسه على عتبة الولادة،  يرى نفسه وحيداً لابد ان يحمل عبء المسئولية..
فالاختيار كما يقول سارتر مشقة الانسان العظيمة لذلك يبحث البعض عن الغفلة او النسيان بالتخدير او السُكر لشل الوعي والشعور في انفسهم..
وقد اطلق الله والطبيعة يد الانسان وفوض امره لنفسه...
قلق وألم ساورا نفس الحر في تلك الساعات الثقيلة في صباح عاشوراء،، هل يولد ( حر يزيدي  او حر حسيني)  ترقب الانفجار فلا مجال للغفلة في السباق الفدائي ليثب من سجن ابليس ويلتحق بالله... هل يبقى مأمور مأجور مسلوب الارادة ويعتزل السباق الى عمر من الحقارة وتسقط قيمته ليكون ( أحد ادوات الجاني من عصا وحذاء ونظارة وغداره وسوط) 
لم تغب هذه الفرصة عن الحر فهو احرص عليها وهاهو التاريخ يخصه بأجمل واعظم اختيار...
لكن ورغم ذلك لايمكن سبر اعماق الالم وشدة القلق الذي خالطه لحظتها ( البطل الشجاع كان شديد الحيرة )كليلة القدر تصنع المصير وتخلق القيم فيها،، وهاهو فجر الحرية واليقين ينتشل الحر من مخالب يزيد ويلقي به في رحاب الله وعلى نحو الخاطف من السرعة..
كان يأمل ان يؤول الامر الى تسوية،،  الحوادث تمر سريعة ليكون الانسان مستعداً لحمل العار..  الا من رُزق الوقاحة نبوغاً وفي الدناءة بطولة جعلتهم مستعدين لتحمل العار الى ما لانهاية.   
كان الحر فارس الطريق ومجرى الحياة ومقتضى الظرف قاده فيه من حيث لا يشعر...  كان يرى ذلك شغلاً يتعاطاه ووسيلة معاش لا تتنافى مع الدين ولا يرتبط بالسياسة...
كانت اللطمة الاولى ليستعيد نفسه ويحقق مايأمل في نفسه لابد من تقويم ( المسئولية و المشغولية) 
كان يود ان يحفظ شغله وشرفه ولكن التضاد بين الحق والباطل ضيق المجال فالجمع بين الغايتين مستحيلا..  فقام بأخر محاولة ميئوس منها للسلام او التسوية بمحاورته مع ابن سعد الذي كان لايريد الحرب وقد قبل به املا في امارة الري وان كان الثمن ابادة بيت الرسول وتلويث سمعة اسرته..
كانا في مركز اجتماعي واحد وتبعية سياسة واحده واتجاه روحي وانطباع فكري واحد عن القضية...  كارهين ان يكونا الجلاد في هذه الحرب
وكان الفارق بينهما في ( الاختيار)
وجد الحر نفسه تحت سماء تصدعت على رأسه،  كان التردد يعشش روحه،  حتى عندما قطع الطريق على الامام،  كان آلة تنفيذ الاوامر في قبضة امير الكوفة.. 
لم يكن كابن سعد ابن الصحابي المشهور ذو الشخصية البارزة والفاتح الاسلامي بتعاونه مع الحكم الاموي وعلمه لأي سلطة يخدم... والثمن الذي يريد..!
الحر...  امرءٌ عادي غير واعٍ ولا عارفٍ بمجريات ظروفه السياسية والاساسية... ساقه القدر للدخول في هذه الخدمة بمؤهلاته الفردية لا غير...  ( مقام عمل لا انحياز للسياسة او الدفاع عن الحكم الاموي..) 
كان يمتلك ميلاً للسلام وعدم المتاجرة بالدين والتلاعب به من اجل الدنيا ليفترقان بقبول احدهما وخوف الاخر...
كان الحر..   تعذبه رؤية الوجوه، يراها كالاشباح تحدق فيه،  اصبح لايطيق الجمع الغفير وتقطعت صلته بهم،  احس بتغير عميق في فطرته،  اخذ يخلق ماهيته ويكتشف وجوده،  استشعر الغربة والبعد عن اقربائه..  ( وجودهم بلا ماهية او معنى) كانوا..  أعداداً فقط!!
طراز واحد لامحتوى لهم،، شغلوا من البسيطة مكاناً واسعاً، ضجيج وعجيج ( كاريكاتور انسان)
انعكاس لوجود سيدهم...  هم جميعاً احذيته، سيوفه،  تروسه،  خدمه، انهم لا شي...!
هم احقر من ان يُلعنوا...
موجودات متعطله باطلة غير ملتزمه..  اصحاب الوجوه المزيفة...مهما كان ثمنهم او مدى تقربهم من السلطان، يتفاوت شأنهم، الا انهم في اللاإنسانية سواء...
(مقلب القلوب والاحوال) يصنع ثورة عجيبة مسيح الوعي والمحبة يعيد للاعمى بصره ويحيي الميت.. ( من جلاد يزيد الذي جاء، يصوغ شهيداً للحسين)
استعرت نار الحرب في صدره رغم هدوء الميدان، اعماقه تتلظى بدأ من اعماق الارض المظلمة لا سطحها..  مكان تعششت فيه الابالسة والشياطين..
من اين؟  والى اين؟
معراج الحر الى سدرة المنتهى واسراءه الى مسجد الحرية...  مهاجراً عظيماً ( الهجرة الكبرى)  هي... الشهادة
من بيت اصنام الشرك لمدينة الشهادة،،  نصف نهار،  احتاج لتصميم وبضع خطوات مسافة طولها طول الابد،، طريقها من الشيطان الى الله...
هي جولة خاطفة بلا تدرج او مقدمات لم يستغرق وقتاً في تزكية النفس او التوسل وطلب الشفاعة
اكتشف الحقيقة وتبينت الهداية وفهم التوحيد الحق،  احس بالمسئولية وعين التكليف فحظى بالتوفيق في العمل...
فقط...  ( غيّر الجبهة لا اكثر ولا اقل)
فالجهة هي التي تعطي الانسان لكل شي معنىً أو تجعله بلا معنى...
ثوريا في اختياره، مبادراً للتغيير...
كل انسان سهم اشارة والحر صباحاً كان سهم اشارة ليزيد وبعد الظهر اضحى سهم اشارة للحسين..
ابتعد قليلاً قليلا حتى جاز المشرعة فظن القوم انه يريد الحرب...حتى ارتاب الجميع فهو اشجع اهل الكوفة...  فقال: اني اخير نفسي بين الجنة والنار.  والله لا اختار على الجنة شيئاً،  ولو قطعت واحرقت...!
تكاملت الخلقة،انتهى به قلب الاختيار الى لذة الطمأنينة،ووضوح الاخلاص واليقين
مضياً بخطوات ثابته بلا تردد
جعل روحه سهماً يرمي به اعداء البشرية ليصبح حد ( حرية الانسان)
طأطأ الضابط المغرور،  فالعظمة هنا في الخشوع..
معتذراً مسلماً...  انا الذي جعجعت بك يا حسين..
شوقاً للشهادة
القى قناعه السابق،القبيح الاسود،يجلو نفسه امام العدو والصديق،امام الوجود كافة،أمام الله،أمام نفسه... في صورة جديدة اجمل واجلّ صورة إلهية في الانسان...
( لن اكون، بعد اليوم، عبداً للقوة ولا أجيراً للظلم،بل أنا انسان حر..!) 
( اني انا الحر)
( وها انا ماضٍ الى الشهادة)
استثار عمر بن سعد فرد عليه ان  اطلق سهماً على معسكر الحسين.. وصاح..( اشهدوا لي عند الامير اني اول من رمى) 

وهكذا بدأت واقعة عاشوراء.....

سلمى الدخيل