بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 4 فبراير 2015

ملامح التعايش السلمي في السيرة النبوية

ملامح التعايش السلمي في السيرة النبوية

التعايش لغة :مشتق من العيش والعيش الحياة
اصطلاحا:العيش المتبادل مع المخالفين القائم علي المسالمة والمهادنة (معاجم )

مفهوم التعايش :
الاسلام دين عالمي يتجه برسالته الي البشرية كلها تلك الرساله التي تامر بالعدل وتنهي عن الظلم وترسي دعائم السلام في الارض وتدعوا الي التعايش الايجابيبين البشر جميعا في جو من الإخاء والتسامح بين كل الناس بصرف النظر عن اجناسهم والوانهم ومعتقداتهم فالجميع ينحدر من نفس واحده كما جاء في القران الكريم (ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة)

الرّحمة المبعوثة إلى العالمين، ألا وهي الرّسول(ص)، كقدوة كرّست تعاليم السماء قولاً وعملاً وسلوكاً، والتي ينبغي تمثّلها في حياتنا، فيما ـ للأسف ـ يستغلّ البعض الناس عبر كلمات وخطابات فارغة تسلبهم روحهم ومشاعرهم وعقولهم.. ويتابع الكلام عن ضرورة تجديد الخطاب الإسلامي، الّذي يقرِّب ويوحِّد، وذلك بإرجاعه إلى ينابيعه الصّافية؛ القرآن الكريم وسنّة النبيّ الأكرم(ص).

ويتناول الشيخ المصطفى موضوعاً حيويّاً، ألا وهو التقارب والتعارف والتعايش بين الشعوب، على قاعدة الاحترام، والتقدير، وتبادل الخبرات، بغية تنمية الحياة بوجه عامّ، فيشير إلى تأسيس النصّ القرآنيّ لمسألة التعايش في الاجتماع البشريّ، والقائمة على قواعد الأمن، والتّسامح، والسّلم الأهلي، وتعزيز السّلم والصّداقة بين الشعوب.. يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات: 13].

كذلك، فإنّ الرّسول(ص) شكّل الرّمز الَّذي جسّد بكلّ مصداقيّة وإخلاص صيغة التعايش السلميّ بين النّاس، على اختلاف انتماءاتهم، وعبّر عن قيمة الرحمة والتواصل في كلّ علاقاته الخاصّة والعامّة، بما يبرز أصالة القيمة الأخلاقيّة والروحيَّة في التعارف بين الجماعات والشعوب، ونتائج كلّ ذلك على سلامة المجتمعات البشريّة ونموّها.
يعرض الشَّيخ المصطفى لمفهوم التّعايش وأهميّته من الزّاوية الدينيَّة الإسلاميَّة، وتأصيل هذا المفهوم على هدي القرآن الكريم وتعاليمه، الَّذي يؤكّد التنوّع في الخصوصيّات الإنسانيّة، كمظهر من مظاهر إثراء الأمّة وتطوّرها.

بعد ذلك، يأتي على ذكر ما في السيرة النبويّة الشريفة من معالم واضحة وحيّة عكست روح الشريعة وصفاءها، لجهة تكريس مفهوم التّعايش واقعاً ملموساً ومتحرّكاً في الواقع، لا مجرّد كلام وتنظير.. ومن ذلك، تعايش النَّبيّ(ص) مع المجتمع في مكَّة المكرّمة قبل بعثته، وما مثّله حلف الفضول الَّذي استحسنه الرّسول(ص) وأكّد أهميّته في تقوية التعايش، على أساس إنصاف المظلوم واحترام الحقوق والعهود.
بعدها ما أحدثته فترة تعايش الرّسول(ص) في مكّة بعد البعثة، وتعامله مع أهلها، واعتماده الأسلوب الأمثل للدّعوة إلى مكارم الدين والخلق، رغم أذاهم له، ومحاربتهم إيّاه.

ويتعرَّض المؤلّف أيضاً لفترة تعايش المسلمين مع أهل الحبشة، والّتي هاجروا إليها بعد استفحال أذى المشركين، والتّأكيد هناك أمام ملكها أهميّة وحدة الأديان والرسالات وجوهرها الواحد والهادف إلى إرساء قاعدة التعايش والاحترام بين كلّ الشّعوب، وضرورة إبراز نموذج الاندماج والتّواصل بين النّاس.

وما يبرز أيضاً صنيعة الوحدة والتعايش والسِّلم، وتأكيد هذه العناوين والمعاني، ما دلّت عليه وثيقة المدينة المنوّرة، التي أرسى من خلالها الرسول الكريم(ص) أسس المساواة، وتعزيز الأمن الجماعي والتعايش السلمي.
كذلك، ما أظهره الرَّسول(ص) من فقه التَّعايش مع المنافقين وتعامله معهم، كذلك مع المخالفين من اليهود وغيرهم، وصلح الحديبية، وتعامل الرّسول(ص) مع أهل الكتاب خارج المدينة.

وأشار المؤلّف إلى رسائل النبيّ(ص) إلى الملوك العرب ورؤساء القبائل، ورسائله إلى ملوك غير العرب، وتعامله مع الأسرى.
كتاب يسلِّط الضّوء على ضرورة إبراز الخطاب الإسلاميّ المعاصر والمنفتح، في سبيل تعزيز التّعايش السّلميّ، وإرساء مبادئه القويّة، التي تدعو إلى فتح قنوات التواصل الفاعل والحيّ على المستوى الفرديّ والجماعيّ والإنسانيّ.

وثيقة المدينة الأسس والمبادئ :كانت بداية التطبيق العملي لمبدأ التسامح ذلك منذ قدومه  مهاجراً إلى المدينة المنورة، فعمل من أول وهلة على تأسيس الدولة الإسلامية؛ حيث أبرم  في السنة الأولى من الهجرة النبوية وثيقةً أو معاهدةً بين المسلمين وطوائف المدينة، وهي الوثيقة السياسية الأولى، واشتملت على أربعة بنود رئيسة، وثمان وأربعين (48) فقرة في العلاقة والمواطنة والتعايش.
 
وهذه البنود هي :البند الأول : الأمن الجماعي والتعايش السلمي بين جميع مواطني دولة المدينة .
البند الثاني : ضمان حرية الاعتقاد والتعبد .

البند الثالث : ضمان المساواة التامة لمواطني دولة المدينة في المشاركة الفاعلة في مجالات الحياة المختلفة، تحقيقاً لمبدأ أصيل تقوم عليه الدول الحديثة في عالم اليوم، وهو مبدأ المواطنة الكاملة. فضمن دستور المدينة هذا الحق لكل ساكنيها، في وقت لم يكن العالم يعي معنى كلمة الوطن بالتزاماته وواجباته.

البند الرابع : ترسخ إقرار مبدأ المسئولية الفردية، وأصل هذه المسئولية الإعلان عن النظام، وأخذ الموافقة عليه .

وعلى أثر هذه الوثيقة زادت رقعة معاملة المسلمين لغير المسلمين على عهد النبي  على أساس مبدأ التسامح الذي فاضت به نصوص القرآن الكريم، وبينته السيرة النبوية قولاً وفعلاً بعد ذلك.

وتعد هذه المعاهدة الوثيقة الأولى التي احتوت على بنود محققة للمواطنة، وحقوق المواطنين وواجباتهم، من النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية .

ونريد أن نقف على أهم الفقرات في هذا العهد النبوي :

1 – " أنهم أمة واحدة من دون الناس " يقر فيه مبدأ الوحدة الوطنية بين ساكني الدولة الواحدة، فهم رعايا الدولة أو شعب الدولة في ذلك الوقت.

2- " وأنّ من تبعنا من يهود، فإنّ له النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم " ينص فيه  على ضرورة مناصرة المواطنين غير المسلمين، والوقوف إلى جوارهم، تأكيداً لحقهم في ذلك على المسلمين ضد أي اعتداء عليهم .

3- " وأنّ يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم : مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ (يهلك) إلا نفسه وأهل بيته " إعلان صريح للوحدة الوطنية بين طوائف المجتمع، قانونها العدل، دون الظلم والاعتداء، وعلى الظالم أن يتحمل عاقبة ظلمه .

4- " وأنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين" يقرر  من خلاله مبدأ المساواة بين المواطنين من مسلمين وغيرهم في مؤازرة الدولة اقتصادياً حال محاربتهم للأعداء، كما يقر فيه ضرورة الموالاة والنصرة بين الطرفين ضد العدو .

5- " وأنّ على اليهود نفقتهم، وأنّ على المسلمين نفقتهم " يقر فيه مبدأ التكافل الاقتصادي عند توزيع الأعباء الاقتصادية على فئات المجتمع بكل أطيافه .

6- " وأنّ ليهود بني النجار... وأنّ موالي ثعلبة كأنفسهم " يقر فيه مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين المسلمين ومختلف طوائف الدولة في كنف الدولة الإسلامية .

7-  " وأنّ بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأنّ بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم " يحدد فيه أولويات المناصرة بين أهل هذه الصحيفة وبين أعدائهم الذين يحاربونهم، وهذا مفهوم عسكري دفاعي، مع توضيح ضرورة التعاون في إبداء الرأي والنصيحة والتشاور، وهذا مفهوم اجتماعي أصيل للمواطنة .

8- " وأنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن " يمنع أي تعاون بين طوائف المجتمع وأعدائه، سواء في حماية النفوس أم الحفاظ على الأعراض والأموال .

9- " وأنه لم يأثم امرؤ بحليفه " يوضح فيه بيان مبدأ المسئولية الشخصية وتقريره للفرد والجماعة على حد سواء، فكل إنسان مسئول عما اقترف، وهذا مبدأ من مبادئ الإسلام السمحة، أنه لا يعاقب الجماعة أو يؤاخذها بسلوك فرد، انطلاقاً من قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾، وقوله سبحانه: ﴿ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾, وهذا غاية العدل والإنصاف .

10- "وأنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة" أبلغ دليل من النبي  على تحديد نطاق مفهوم المواطنة الجغرافي وانتماء المواطن لوطنه.

11- " وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها " يقرر فيه قطع أي تعاون عسكري مع أعداء الوطن ومعاونيه في الظلم.

12- " وأنّ بينهم النصر على من دهم يثرب، وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم " ينص فيه النبي  على مبدأ أصيل من مبادئ المواطنة؛ وهو وجوب الدفاع عن الوطن، كما ينص على أنّ النصر يكون دائماً في حال الحق والعدل، لا في حال الظلم والإثم، فلا يعطي حق المواطنة للمواطن حق البراءة إذا ظلم أو أثم، لأنّ الدين الإسلامي يناصر الحق ويقف بجواره، وينهي عن الباطل ويواجهه .

هذا بعض ما قررته الوثيقة وبنودها من حقوق المواطنة منذ عهد النبي  ؛ إذ نصت على أنّ جميع المواطنين (مسلمين وغير مسلمين) يعاملون على أساس واضح من المساواة، فليس هناك مواطنون من الدرجة الأولى، وآخرون من الدرجة الثانية أو الثالثة، فاعتبار العقيدة لا وجود له، والجميع أمام الشريعة وأحكام الحقوق والواجبات سواسية لا فرق بينهم.

ومن ثم كانت هذه الوثيقة مثلاً أعلى للمواطنة أقرت بحقوق المواطنين في الوطن الواحد، وبينت أنه لا فرق بينهم في تحمل المسئوليات، وأنه لا حق لأحد أن يمنح شيئاً من التمييز على حساب الآخر، أو أن يفرق بينه وبين غيره على أساس عقدي أو عنصري؛ فالإسلام يقرر أنّ معيار التمييز والتكريم هو العمل الصالح وخدمة المجتمع والحفاظ على أمنه وسلامته
(كتاب فقه التعايش في السيرة النبوية )
للشيخ حسين علي المصطفي

ان حوار الأديان في زماننا الحاضر يعتبر ضرورة ملّحة ، لأن مصالحنا الإجتماعية واحدة فما يصيب أحدنا يصيب الآخر قهراً ، سلباً أو إيجاباً ، وبتقريب وجهات النظر بين اتباع الديانات وزرع قيم الفضيلة والتسامح في نفوس الافراد نتمكن من العيش في هذا العالم الرحب بمحبة ووئام ، وتبديل ثقافة العنف والحقد والكراهية الى ثقافة التعايش والتسامح ، ومن الركائز المهمة للحوار هو الإنفتاح على الآخر ، وفهم اعتقاداته واصوله بكل علمية وانصاف واحترام ونزاهة ، فلا أمتعة لسعادتنا إلا بالتعاون الجدّي والمثمر ، وان الوصول للقواسم المشتركة هو السبيل الذي يمكّنا من زرع القيم والأخلاق ، وهي العنصر الرئيس في تشكيل ثقافة أي مجتمع في القديم أو في العالم المعاصر ، وفي كل زمان و مكان ، فلا حضارة و لا تقدم و لا نمو و لا ازدهار بدون أخلاق ، وكلما اضمحلت الفوارق وزالت الخلافات تمكنا من تحكيم القيم الاخلاقية في مجتمعاتنا.
)مؤسسة الخوئي الإسلامية  السيد جوادالخوئي)

آتمني من الله ان تتجسد في مجتمعانا التعايش والتسامح السلمي في مابينهم ليقفوا كالسد المنيع امام الفتن
...........
بقلم الاخت
زينب البشري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق