بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 12 يناير 2019

الإمام علي في محنه الثلاث

قراءة في فِكر الدكتور علي شريعتي
# الإمام علي في محنه الثلاث،١٥٦ ص،تلخيص ندى الخلف

أشار الكاتب في بداية كتابه إلى أن الباحث عن الإمام علي يستطيع أن يدرسه من عدة زوايا
الأولى : من خلال التاريخ والمذهب الشيعي وعلي عنوانه
الثانية : من خلال التاريخ المشترك بين الفرق الإسلامية وعلي من أبرز الأوائل في الإسلام
الثالثة : من خلال ملاحظة علي في إطار التاريخ الإسلامي باعتباره من أهم مراحل التاريخ البشري
وقد تناول الكاتب البحث من خلال زاوية أخرى غير الزوايا المذكورة فقد تناوله من خلال علم معرفة الإنسان باعتبار أن الدكتور شريعتي متخصص في علم الإنسان ذلك  العلم الذي يتحدث عن خصوصيات وخصال وحاجات الإنسان الثابتة على مدى التاريخ، وبطبيعة الحال لدراسة  الإمام علي على هذا النحو فإننا  بحاجة إلى أمرين عسيرين:
أولهما: معرفة الإنسان ذلك الموجود الغامض
  والثاني: معرفةعلي وهو لغز علمي
... إذا لاحظنا التعريفات المختلفة التي عُرف بها الإنسان منذ زمن أرسطو إلى يومنا هذا نجد أنهم أقوى على تعريف أي ظاهرة من ظواهر الكون منهم على تعريف الإنسان وذلك كما قال ألكسيس كارل (لأن الإنسان حتى الآن ينطلق نحو الخارج ويبحث دائما من أجل غوامض  الكون والظواهر المادية ولم يلتفت أبدا إلى ضرورة معرفة داخله  (معرفة نفسه) قبل الإنطلاق في معرفة العالم الخارج ،يجب أن نعرف أنفسنا قبل أن نصنع أي حضارة أو أي ثقافة يجب أن تكون رسالة العلم أكثر قدسية وذلك بأن يهتم أولا وقبل كل شيء بمعرفة الإنسان واصلاحه وصياغة نظريته في الحياة ومن ثم يهتم بعالم الإكتشافات والإختراعات والتصنيع وفق ضرورات الإنسان وحاجاته ، والإنسان في نظر الإسلام موجود يجمع الضدين أحد بعديه سافل بغيض متعفن نتن (صلصال من حمإ مسنون ) وإلى جانب هذا الطين النتن يسمو البعد الآخر حيث تكون ذاته وفطرته أقدس وأسمى المعاني التي يمكن للعقل أن يتصورها إنه روح الله ومن البديهي أن التعبير هنا كنائي تماما كما نقول يد الله وليس المراد معناه الحقيقي وهذا يعني أن بناء الإنسان من جهة عبارة عن قبضة من التراب ومن جهة أخرى يحمل نفخة الرب إذا الإنسان يحتوي على بعدين أحدهما غاية الإنحطاط والآخر قمة السمو  وبهذا نكون قد عرفنا الإنسان وحركته وخطوط انطلاقته باعتباره مخلوقا يسير ليقطع المسافة من التراب إلى الله وهذا الطريق هو الدين .
◾◾◾◾

الإسلام ورسالة الإنسان :

لقد دلنا التاريخ وعلم النفس والتراث والثقافة البشرية والأدب والفن  على حقيقة مهمه تتلخص فيها رسالة الإنسان التي يحددها الإسلام حيث تقرر أن الإنسان في جميع صور حياته سواء البدوي أو انسان اليوم فإنه ثمة قاسما مشتركا بينهما.
هناك قاسم مشترك  بين جميع المراحل والفترات وجميع الحضارات والثقافات والأديان على طول الخط البشري وهو إن الإنسان متى تفرغ وابتعد عن حياته اليومية المعتادة من قبيل الصيد وإعداد الغذاء وغيرها وجلس في خلوة وتأمل نفسه وفكر في ذاته فإنه يصاب بحزن عميق ونجد هذا الشعور معبرا عنه في جميع الآثار الفنية حيث وجدت أدبيات ورسومات تؤكد هذا الكلام وهذا الشعور الذي ينتاب الإنسان في خلوته هو عبارة عن شعور بالنقص أو بالحاجة إلى شيء لايعرفه مختلف عن الذي عنده  .يشعر بالغربة في هذا العالم ..يشعر أنه غير هذه الدنيا وأن جنسه غير جنسها ..يشعر بأنه يحتاج لشيء لايعرفه وهذا الشعور هو شعور  فطري هذا الشعور الغامض بأن ثمة حاجات يمكن أن يلبي نداءاتها خارج هذا العالم المحسوس ولهذا أخذ يتطلع لدنيا أخرى ومكان آخر ،،حينما نلاحظ تاريخ التراث والثقافة نجد أول مشروع فلسفي جاش في ذهن الإنسان البدائي هو الإعتقاد بوجود عالمين وقد وجدت كلمة (هدس) عند السومريون التي تعني عالم آخر غير هذا العالم عالم أسمى من عالمنا إذاً هناك فرضا فلسفيا استولى على ذهن الإنسان البدائي لإنشاء دنيا أخرى مهما كانت هذه الدنيا  حتى لو كانت مجهولة  لايعلم ماهي المهم أنه يعتقد بعالم آخر لأنه مضطر لهذا الإعتقاد نتيجة لإحساسه بالغربة الذي ذكرناه سابقا  إن هذا الشعور بالغربة كان ينطلق من حنجرة الإنسان على طول خط التاريخ ولقد وجدنا على مدى التاريخ أن الفن والدين ينبريان للتجاوب مع هذا الشعور فالفن عبارة عن نافذة تطل على عالم المطلقات والجمال والدين بوابة تنفتح نحو ذلك العالم ، ،
ولقد اضطر الإنسان تحت ضغط هذا الشعور إلى تصوير طموحه الأكمل في ذهنه فأقدم على عدة أساليب كاستجابة تعويضية فاخترع القصص والأساطير الخرافية لأشخاص أو حياة أو ظواهر مثالية وكلها بمستوى الذروة في الكمال وأيضا من الأساليب تصور العالم المثالي أو المدينة الفاضلة التي وجدت منذ زمن أفلاطون ومن ضمن الأساطير المختلقة روميو وجوليت/ رستم وتهينة / فينوس آلهة الجمال برمثيوس آلهة  التضحية وغيرها من الأساطير التي ليس لها أي وجود خارجي فهذه الأساطير كانت دائما معينا مهما يتزود منه الإنسان وملهما يناغي أراوحهم ويدفعها نحو المُثل

◾◾◾
علي النموذج الأمثل لجميع الآلهة الأسطورية:

  بغض النظر عن عقائد وميولنا نلتقي في التاريخ بشخص يجمع كل الخصال التي يحتاج إليها الإنسان ويتمنى أن تتحق على وجه الأرض يجمع كل الخصال التي
يحتاجها الإنسان تلك الحاجة التي دعته عبر التاريخ إلى اختلاق أمثال هرقل وراما نماذج العزة وبرومثيوس نموذج التضحية وغيرها من الشخصيات الوهمية الأسطورية   شخص علي نموذج في كل شيء
نموذج في البيان ..في الحرب ..في التضحية ..في جمال الروح ..في الشجاعة
علي شخصية جمعت الصفات التي كان الإنسان يحلم بها علي إشباع كل الحاجات التي اضطرت الإنسان وجرته لخلق النماذج الخيالية وافتراض الآلهة الوهمية

إن الآلهة الأسطورية تؤكد أن القابليات البشرية يمكن أن تنمو على الحد الذي توفرت عليه الآلهة فيسعى الإنسان من أجل تنمية قابلياته وتحقيق طموحاته من خلال اتخاذ هذه الآلهة قدوة ينبغي التوصل لمستواها باعتبارها تمثل القمة التي لايتمكن الإنسان من الوصول إليها أبدا وهذا ماحققه علي فقد أثبت التاريخ أنه مثل أعلى ينبغي الإقتداء به وأعجب من ذلك إنه جمع كل تلك القابليات التي كانوا يصورونها في الآلهة الأسطورية المتعددة  وكانوا مقتنعين باستحالة جمعها في آلهة خيالية واحدة وقد جسدها علي تجسيدا عينيا في الخارج
ففي الحرب بطل مقاوم وفي المدينة والسلام سياسي مثابر وحاذق حساس وفي الحياة أب وزوج حنون عطوف يمثل رجل الحياة بكل أبعاده هكذا نراه أحيانا ونراه أحيانا أخرى وحيدا فريدا يتسلل لغابات النخيل المحيطة بالمدينة اذا جن عليه الليل و يلتفت يمينا وشمالا ليأمن العيون والأسماع ثم يشكو ويئن  .هو في ساعات الوغى وميادين الحرب ضد الأعداء يبدو غاية في البسالة والشجاعة يقاتل  كما تحارب الآلهة الأسطورية فيما يبدو أمام اليتيم الذي يواجهه في الزقاق مضطربا  مرتجفا حنونا بشكل يصور تصويرا أسطوريا أرق وأرهف عواطف الأم ،،وفي مجال التضحية قد تحمل القهر هو وأهل بيته من أجل الآخرين
حينما أحس بأن تجريد سيفه من أجل إحقاق حقه واسترداده يؤدي إلى القضاء على القدرة الإسلامية لجأ إلى الصبر صبر وعاش في معاناة ربع قرن فقد بقي صامتا وهو صاحب الروح الوثابة الذي باشر العمل في النهضة الإسلامية منذ أن كان في العاشرة من عمره وفي زمان معاوية أيضا تجرع الغصة حيث  كانت مصلحته  في أن يتحمل ويساوم معاوية لينتصر عليه فيما بعد  فقد كانت الأوضاع  آنذك غير مستقرة فالشام بيد معاوية والشاميون مضللون و لايعلمون قرابة للنبي سوى معاوية وأبي سفيان وفي ظل هذه الظروف لايمكن الإقدام على خطوات خطيرة وهذا من البديهيات التي يعرفها السياسي   والمفروض أن يأخذ  بزمام الأمور ويعمل على تهدئة الأوضاع الداخلية واستتباب الأمر والقيام بعدة عمليات نصب وعزل للولاة وخدع العدو الخطير وتمويه الأمر عليه وتربص الدوائر به حتى اذا حانت الفرصة انقض عليه وأباده كما يفعل الخلفاء الآخرون بيد أن علي  لم يتحمل معاوية لحظة واحدة وهو يعلم ضريبة اشتباكه معه فهو عالم بالسياسة فهو رجل عاش لهوات الحروب وترعرع في أحضان السياسة منذ أن كان في العاشرة وبديهي أن يكون عارفا بالضريبة التي سيدفعها لقاء عزل معاوية  إلا أنه يرضى بالهزيمة الظاهرية لئلا يرتكب عملا يخالف الحق  لماذا ؟ لأنه إمام ◾◾◾
علي إمام:
الإمام يعني ذلك النموذج الأعلى الذي تحتاجه البشرية لم يكن علي إماما مؤطرا منحصرا باعتباره إماما في مجتمع المدينة أو المجتمع العربي أو المجتمع الإسلامي آنذاك بل كان إماما يخاطب التاريخ ويعلم الإنسان
الإمام يعني القدوة المثالية في جميع أبعاد الفضائل المثالية الرفيعة وبناء على مامر لايستطيع علي وباعتباره نموذج العدالة أن يرضى بظلم من أجل مصلحة لأن المصلحة تلوث الحقيقة ، مصلحة علي في تحمل معاوية مصلحته في أن يسوامه اليوم لينتصر عليه فيما بعد وتحمل معاوية جائز للقائد السياسي لكنه لايجوز لمن يريد أن يكون مثال العدالة وعلي باعتباره القدوة والنموذج لإنسان المستقبل يريد أن يثبت عمليا للعالم والمستقبل إننا حينما نؤمن بقضية عادلة ونعتقد أنها الحق وحينما نؤمن بفضيلة ما ونعتقد بأنها فضيلة فالمفروض أن لا نرضخ لأي ضعف ولا نصبر على أي فساد مراعاة للمصلحة كل المصالح فداء للحق مهما كلف الأمر وقد كلف الحق أمير المؤمنين  بأن يتحمل  ربع قرن من العذاب بعد وفاة النبي كلفه الكثير من الآلام وصبر واحتسب لأنه نموذج النماذج لجميع الفضائل  فكما أن أبطال الأساطير قدوات يقتدى بها وتتخذ رمزا ومعلما في الحياة والفكر والفضائل فكذلك علي  أو لستم تعيشون الحاجة للمثل العليا لقد جُمعت جميع تلك النماذج وجسدت في فرد إنساني محقق له وجود عيني خارجي علي تجسيد لكل المثل الإنسانية وهذا معنى علي القرآن الناطق
◾◾◾◾
عصرنا يفتش عن علي :
لقد ربونا تربية خاصة  بحيث لم ينقدح أبدا حتى في ذهن أولئك اللذين يلهجوا باسم علي صباح مساء أن يسألوا أنفسهم ويفكروا قليلا لماذا لم يقرؤوا كتاب علي ولم ييمموا وجوههم نحوه قط لماذا تذكر كل المكارم والفضائل والمدائح ولكن لانسمع علي (ع)يتحدث معنا أبدا ،  لماذا نقرأ الكتب الدينية ونهتم بها ولا نتعامل مع نهج البلاغة كذلك؟ لنجعله على أقل التقادير في عداد تلك الكتب ولكنك لاتجده في بيت  ومسؤوليتنا تتلخص في أن علينا أن نبين للجيل المعاصر من هو علي وماحقيقته ونكشف لهم الستار عن التشيع العلوي الأصيل. .
ثم تناول الكتاب البحث عن شخصية الإمام علي دون الإعتماد على ضابط من ضوابط الدين أو الرجوع إلى قواعد علم الكلام والحديث والاختلافات الفكرية والعقائدية والدينية المعقدة التي تكتنف الموضوع فقال في ضمن ماقال أنه سيتحدث عن أهم الخطوط العريضة لتصوير نموذج عملي وتجسيد لأيدلوجية فاعلة في القرن العشرين ثم أشار إلى خمسة عشر خصيصة
1/ علي طليعة الجيل الأول في الثورة الإسلامية :
لقد كان علي (ع) طليعة الجيل الأول الذي وجد في اللحظات الأولى من نزول الوحي أي أنه انطلق مع النبي منذ بداية البعثة وكان يومها في الثامنة أو العاشرة
2/ علي في بيت ابن عمه :
من عجب أن تتدخل يد القدر لتأخذ هذا الطفل من أبيه أبي طالب وتنقله بحجة الفقر لبيت ابن عمه فيعيش إلى جانب فاطمة (ع) وفي كنف رجل قد خطط تخطيطا عظيما لمستقبل هذين الصغيرين
3/ العلاقات المتبادلة بين النبي وعلي :
إن ثمة علاقات متبادلة عجيبة فالنبي في صغره يصبح يتيما فقيرا  فيضطر لدخول بيت أبي طالب(والد علي) وبعد أن يكبر النبي في أحضان والد علي تملق أسرة علي بحيث يضطر علي فيما بعد لدخول بيت النبي بحجة الفقر ويعيش في ظل النبي وخديجة ليكبر هناك قضى النبي طفولته في بيت علي ثم علي يقضي طفولته في بين النبي إنها خطة مقررة من قبل ومشروع مدو معد سلفا .
4/علي نموذج في الجهاد والقيادة العسكرية:  علي نموذج لسيف الجهاد وقوته في الجبهات ونموذج لبطولة القيادة العسكرية فبعد سقوط الحمزة في معركة أحد ظهر مباشرة كأبرز مقاتل وأبرز قائد عسكري في جبهة الحرب وكانت المعركة في أحد سجالاً حيث انتصر المسلمون أولا ثم هزموا فقتل القائد مصعب بن عمير ووقع النبي في تلك الحفرة فجرح وهنا ينبري علي ليتقدم الساحة ويحمي النبي ثم يعود مسرعا للخطوط  الأولى ويتخذ مواقع حصينة لرد الفارين من الزحف ويتخذ التدابير اللازمة لرد الخطر ثم يبدأ بترميم الصف وتشكيل جبهة دفاع قوية اضطرت أبا سفيان للتراجع ومغادرة ساحة المعركة وهنا يظهر علي بعد سقوط حمزة كأبرز قائد عسكري وقبلها كان مقاتلا محاربا مشهودا له أما اليوم فقد أصبح قائدا للجيش في أحلك الظروف ظهر اليوم ليعلن عن وجوده كقائد فذ ومنذئذ عرفه التاريخ بهذه الخصيصة
5/ علي رجل السياسة والمسؤولية الإجتماعية:
لم ينس علي مسؤليته الإجتماعية حتى في عصر الخلفاء الذين اغتصبوا حقه
6/رجل العمل اليدوي والزراعة والإنتاج :
بادر عليه السلام للانخراط في العمل الزراعي حيث حفر آبارا في أطراف المدينة وهي الآن المعروفة بأبيار علي وأقام مركزا زراعيا كبيرا في ينبع بعيدا عن المدينة وقد كان العمل الرئيسي في مرحلة سابقة يتركز في التجارة والرعي ولكن عليا أخرجها من شكلها البدوي الساذج لمرحلة الإنتاج الزراعي
7/نموذج النثر والشعر:
يوجد الآن ديوان شعر ينسب للإمام بيد أم المهم الذي ينبغي الإعتماد عليه هو النثر وغالبا مايقارن نهج البلاغة بالنصوص الأخرى ثم يحكمون بعظمته فيما يغفلون عن أخذ عامل الزمن بنظر الاعتبار حيث دون نهج البلاغة في عصر لم تكن لغة العرب فيه لغة نثر وإنما لغة شعر حيث كان النثر في القرن الأول بدائيا لايمكن التعبير عنه بالنص في حين نرى نهج البلاغة نصا شامخا وكأنه نثر ينتمي لفترة الكمال الأدبي لقد دون علي الكتب والرسائل والخطب والحكم في عصر لم يكن فيه أي كتاب سوى القرآن في مثل هذا المجتمع يوجد نثر غاية في الظرافة إنه معجزة تحكي عن انسان متطور في المجال الأدبي.
8/ الخطابة والبيان:
من المعروف أن الذين يجيدون الخطابة لايجيدون الكتابة وكذلك العكس ومن النادر جدا أن يجمع بين الأمرين فيما نرى الإمام علي يبلغ الذروة في كليهما.
9/ علي فيلسوف:
إذا تأملنا أوائل نهج البلاغة نجد فيه نصوصا على شكل مقالات كأنها رشحات من دماغ فيلسوف ثاقب النظر دقيق الفكر
10/علي جامع الأضداد:
اجتمعت في شخصه مواهب عديدة وقابليات متكثرة لايمكن أن تجتمع في شخص واحد قد يملك البعض مواهب عديدة وقابليات متكثرة ولكن يكون قويا في واحدة ومتوسط في الأخريات إلا علي عليه السلامة فإنه مثال للعاطفة الجياشة المتدفقة بالمحبة والوداد وفي الوقت ذاته يبدي الصلابة  والخشونة في مواضعها والتاريخ يحفل بمواقفه العديدة التي يظهر فيها كيف أنه جامع الأضداد
11/ الزهد الثوري ، العبادة ، التمسك بالعدالة :
في العبادة علي نموذج مثالي فقد سمعنا حالاته ومناجاته وخلواته في معراجه الروحاني وتحليقه الروحي
أما عن زهده الثوري فهو زهد لانعرفه فنحن نعرف أحد اثنين إما المترف المتخم الفاسد الشحيح وإما الزاهد فقط لأنه زاهد ليس إلا الذي يحرم نفسه في الدنيا من اللذة لكي يحصل عليها وحده في الآخرة ولايهمه أمر الناس ويعيش البطالة وينظر للذة نظرة سلبية أما علي فزهده ثوري والزهد الثوري هو أن تتحمل الفقر لمكافحة الفقر وتصبر على الجوع لمكافحة الجوع والتنازل عن الذات وتخفيف المعيشة والإستغناء والإكتفاء بالقليل من أجل إشباع الجياع زهد من أجل العدالة ولاتخفى على أحد قصته التي تجسد عدالته مع أخيه عقيل
12/ المساواة في العطاء /الإستهلاك/ الحقوق والواجبات:
ميثم التمار من أصحاب الإمام المقربين صديق و نصير وعزيز كان يبيع التمر في الكوفة وفي ذات مرة وضع التمر في طبق وقسمه أقسام ثلاثة حسب جودته وسعّر كل نوع بقيمة تتفاوت حسب الجودة فجاء علي وخلط الجميع وقال مغضبا لماذا تفرق بين عباد الله في غذائهم اخلط الجميع وبع بقيمة مناسبة تستخرجها من معدل قيمة الأنواع جميعها .. من الرواية نفهم التساوي في الإستهلاك وهو أرقى تصور في المذاهب المعاصرة التي تكافح الطبقية في المجتمع
ففي عهد الإمام  علي كان هناك تساوي في الإستهلاك وتساوي في العطاء وماهذه القصة إلا شاهد تاريخي واحد من بين العديد
13/  الإمام تتجلى فيه الحقائق والقيم:
في قصة طلحة والزبير لما استئذنا الإمام علي  للعمرة مثال حي على تجلي القيم في شخص علي فقد كان يعلم أنهما يريدان الغدرة لا العمرة كان يعلم أن الغرض من خروجهما هو الإنقلاب عليه وليس العمرة كما يزعمان ولكنهما بعدُ لم يغدرا فهو عليه السلام  من منطلق القيم يعطيهما حقهما في الخروج باعتبار أن ذلك حق من حقوقهما كإنسانان يحق لهما السفر 

في  شورى عمر رشح الإمام للخلافة ووراثة الإمبراطورية الإسلامية فمد رئيس الشورى يده يبايع عليا قائلا أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين ولكن عليا رفض وقد كان بإمكانه أن يقول نعم ويرث تلك الإبراطورية ولكنه يرفض وإن أدى ذلك إلى انتزاء مروان وكعب الأحبار على دفة الحكم والعيش في ظل حكومة عثمان هكذا كان علي وإن حرم وإن غلب إلا أنه لايساوم في الحق ولا يبيع القيم لأنه إمام نموذج للفضائل والقيم
14/التنازل عن المصالح من أجل الحقيقة.. إلغاء الذات  : طلحة والزبير اشتركا في معركة الجمل ضد أمير المؤمنين وقد كانا من الخمس الأوائل الذين أسلموا بعد علي وكانت لهم سوابق تاريخية مشرفة ولكنهما الآن يقفان ضد علي ..سأل أحد أصحاب الإمام علي هل يمكن أن يكون طلحة والزبير وعائشة على الباطل فأجاب عليه السلام بجواب صار درسا للبشرية جمعاء ( لايعرف الحق بالرجال اعرف الحق تعرف أهله )
15/ النظرة الإنسانية وحب الإنسان:
إن النظرة الإنسانية لدى الإمام بمستوى من الوضوح والعمق في كلامه ..يقول في حق من يعيشون في ظل الحكم الإسلامي ولكنهم لايدينون بدين الإسلام  (دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا) والمقصود هنا إلغاء التزمت الديني والتعصب الطائفي  ثم يقول إنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق .
إذا مما سبق تبين لنا أن الإمام علي نموذج مطلق في جميع الأبعاد .

*المغلوب المنتصر:
نحن لا نرى النصر إلا في الإنتصار ليس إلا بيد أن عليا عليه السلام أعطانا درسا كبيرا جدا وهو كيف يكون المغلوب منتصرا (الإنتصار في الإنكسار) سكوت الإمام خمسة وعشرين عاما بذاته كلام بليغ إنه خطاب موجه لنا فلنستمع لهذا السكوت ومايحمله من معاني

*مرض التسطيح :
عبارة عن تغيير فكرة ما وقبلها أو تغيير معالم شخصية ما وقلبها وصب الإنسان لها في قوالب فكره الضيق وتلوينها بألوان عاداته وتقاليده وذوقه وتراثه الشخصي بحيث يغير المذهب الجديد والفكرة الجديدة على أساس من خزينه الذاتي فيبدل فيه كل شيء وهذا هو معنى( لبس الإسلام لبس الفرو مقلوبا) ومن النماذج التي تعيننا على فهم المراد من التسطيح هو نوع التعامل الذي يتعامل به مع العظماء فمثلا أمير المؤمنين نحن نعرفه من خلال تراثنا وتقاليدنا الموروثة فنحصر كل فضائله في الكرامات والمعجزات مسؤوليتنا هي  البحث في شخصيته عن القيم الإنسانية التي تكون مشعلا لنا في طريق تكاملنا الإنساني

وحدة علي :

إن من يعشق معبودا أو معشوقا يشعر بالغربة تجاه الوجوه الأخرى ولا يحلم بشيء قط سوى ذلك المعبود أو المعشوق وحينما يفقده يصبح غريبا وحيدا
ومن يعيش غريبا ويستولي عليه الشعور بعدم التجانس والإنسجام معها يصبح وحيدا وكلما اقترب الإنسان من الإنسانية ازداد عنده الشعور بالوحدة وصاحب الروح الكبيرة لا يشبع بما تقدمه له الحياة العادية والمجتمع والزمان إنه يشعر بوجود شيء أكبر يتطلع نحوه تملأه مشاعر الهروب نحو المعبود الذي يفهمه وينسجم معه ولهذا كان  عليا يعيش بين أصحابه وأنصاره  وحيدا كل أولئك الأنصار ..رفاق السلاح ..العشرة مع أصحاب النبي وغيرها لاتلتئم معه وعلي لاينسجم معها علي ليس بمستواها وهو يعاني من ألم يريد أن يبث شكواه. .يبوح بما في صدره ولكن لاتوجد أذن تسمع أو قلب يعي ولا تجانس ولا سنخية حتى رأيناه فيما بعد يتسلل تحت جنح الظلام ويترك المدينة في منتصف الليل ويغوص في غابات النخيل  ويدفع برأسه في حلقوم البئر ويبكي لئلا يسمع نشيجه.
مما يبكي علي؟ روح وحيد في دنيا غريبة عنه يعيش بين أصحابه ورفاق سلاحه ودربه الذين قضى معهم عمرا من العمل الدؤوب في سبيل العقيدة آمنوا جاهدوا دافعوا عن رسول الله بيد أنهم لم ينسوا ذواتهم وأنانيتهم لم يتخلصوا شعوريا أو لاشعوريا من أحلام المناصب لم يبلغوا حد الإيمان المطلق والإخلاص المطلق الذي بلغه علي والأكثر إيلاما أنه يعيش وحيدا حتى بين أتباعه ومحبيه يقدسونه كأعظم بطل ولكنهم لايعرفونه ولايحسون بألمه ومعاناته لقد عانى علي نوعين من الألم أحدهما ألم الجرح الذي أحدثه سيف بن ملجم والآخر هو الألم الذي جره في منتصف الليالي الحالكة الخرساء إلى أعماق غابات النخيل المحيطة بالمدينة وهذا الألم هو الذي يحس به علي

لماذا علي ؟ ماالحاجة لعلي ؟ وماالحاجة لمعرفته ؟لا أريد أن أجيب المؤمنين بعلي باعتبار تشيعهم بل ولا المسلمين أيضا وإنما أريد أن أجيب كل فرد أيا يكن بشرط أن يكون إنسانا يؤمن بالقواسم المشتركة بين أحرار العالم ويؤمن بالقيم الإنسانية!
معرفة علي حاجة ماسة للواعي المسؤول في الأمة الإسلامية أكثر من أي وقت مضى
على عكس ماقد يتوهمه بعض المثقفين من أن علي عليه السلام شخصية تاريخية عظيمة مضى وقتها وصارت من التراث وإنسان اليوم قد تغير وتغيرت أهدافه فلا فائدة من اجترار الماضي القديم
البشرية اليوم أحوج ماتكون لمعرفة علي سيما المثقف الواعي المتورط في العمل داخل صفوف المجتمع الإسلامي

*إن الإنسان اليوم يحتاج لمعرفة علي لا إلى حبه فالحب بلا معرفة لا قيمة له ولا وزن

*حب علي بعد المعرفة يمكن أن يؤدي دوره في إنقاذ البشرية وإسعاد الناس

*مؤلف كتاب الإمام علي صوت العدالة الإنسانية هو طبيب مسيحي وفي هذا أكبر دليل على أن علي لايقيم في إطار فرقة أو طائفة من الطوائف بل إن كل إنسان يؤمن بالقيم والمفاهيم الإنسانية فهو يؤمن بعلي وأي عصر يؤمن بهذه القيم فهو يحتاج لمعرفة علي ومن البديهي أن من يعرفه يهيم في حبه وهذا الحب بنفسه سيكون أكبر محرك وأضخم طاقة وأقوى قوة تنتشل الإنسان لساحل النجاة.

مراحل حياة الإمام علي عليه السلام :
يمكننا تقسيم حياة الإمام علي إلى ثلاث مراحل
المرحلة الأولى: وتبدأ من بعثة النبي ..لقد شارك الإمام علي نبي الإسلام منذ البعثة حيث كان يتبعه خطوة بخطوة وحتى اللحظة الأخيرة من حياته حينما فاضت روح الرسول على صدر علي ورأسه في حجره كان علي يعيش في بيت الرسول وقد سمع معه الوحي حينما نزل أول مانزل على النبي ودامت هذه الفترة ثلاثا وعشرين سنة منها ثلاثة عشر في مكة وعشرا في المدينة
وقد كان دور علي خلال الثلاثة وعشرين عاما هو الجهاد من أجل ترسيخ العقيدة الإسلامية ولا يخفى دوره عليه السلام ويكفي فيه ماقاله الرسول عن ضربته يوم الخندق حيث قال( ضربة علي يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين
المرحلة الثانية :
بدأت المرحلة الثانية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله واستمرت خمسة وعشرين سنة وقد طفت على السطح جملة من الأجنحة والقوى الداخلية المتربصة فقد رأى الإمام علي عليه السلام فجأة أن أصحابه وأصحاب النبي اللذين قاتلوا معه في صف واحد من أجل إرساء العقيدة يقفون الآن أمامه ويشكلون جبهة ضده عندها اختار علي عليه السلام الصبر و الصمت لأن الحرب ضد هؤلاء تعني القضاء على الوحدة الإسلامية في المدينة وتعني إبادة القوة الإسلامية التي ذاع صيتها إلى الخارج واذا اكتشفت القوى الخارجية كإيران والروم أن هناك تناحرا  مابين  القيادات  الإسلامية والقوة المركزية داخل المدينة فإن ذلك يجعلها تطمع في الهجوم على هذه القوة المتهاودة لهذا سكت  علي ربع قرن،  سكوت الخائف على ضياع الإسلام وضياع الوحدة الإسلامية بقي ساكتا ليبقى الإسلام كطفل تنازعت عليه امرأتان والأم الحقيقية تعلم أن تلك المرأة الغريبة التي تحتضن الطفل لايضيرها مصيره أبدا واذا ماجرّ النزاع إلى صراع مرير ومساجلات حادة
تؤدي بحياة الطفل فإن المرأة الغريبة تضحي بالطفل أما أمه فتسكت وتترك المرافعة حفاظا على وليدها تصبر ليبقى الولد سليما ولو في أحضان الاخرين
سكت حفاظا على القدرة والوحدة الإسلامية لئلا تضيع وتكون نهبا للأطماع الخارجية سكت وفي العين قذى وفي الحلق شجى

المرحلة الثالثة:  هي الخمس السنوات التي تولى فيها الحكم وهي مرحلة تحقيق العدالة وقد أعلن عليه السلام امتعاضه من الحكم لولا أنه سبيل لإقامة الحق ودحض الباطل وهو شعار هذه المرحلة فما أن استلم الخلافة حتى بدأ بإقامة دولة العدالة فعزل معاوية مباشرة ولم يصبر عليه لحظة لئلا يكون شريكا في كل جريمة يرتكبها معاوية
وهو لم يحرم طلحة والزبير من حريتهما  عندما أرادا العمرة بزعمها وهو يعلم أنهما يريدان الغدرة ولكن هو لا يحرمهما حق الحرية لئلا يبتدع قانون جديد يستفيد منه الطواغيت مدى التاريخ ويتخذون من فعل علي ذريعة لأعمالهم وعلي لايخضع للأحقاد الشخصية ولا للمصالح الزائفة ففي الوقت الذي يعطي ولاية مصر لمحمد بن أبي بكر ويعتبره ابنه في الوقت ذاته يطالب لدم فيروزان وأصحابه الذين قتلوا بسبب عبد الله بن عمر الذي أعمل السيف فيهم بعشوائية ثائرا لأبيه

هذه مراحل حياة الإمام ثلاثة وعشرون عاما من أجل ترسيخ العقيدة وخمسة وعشرون عام من الصبر من أجل الحفاظ على وحدة المسلمين أمام العدو الأجنبي وخمس أعوام من أجل تحقيق العدالة

علي مؤسس الوحدة:
*عرض لنا التاريخ أن عليا عليه السلام شق عصا المسلمين بعد وفاة النبي لأنه خالف واعترض وامتنع عن البيعة واعتصم في داره محتجبا وبهذا أحدث انشقاقا في صفوف الحزب الإسلامي والشيعة يعتقدون أنه انشقاق حق ومخالفيهم يعتقدون أنه انشقاق باطل والحقيقة أن كلاهما على خطأ فعلي هو مؤسس الوحدة الإسلامية

* إن هناك اتجاهين للمسلمين اتجاه تقليدي يعتقد باستحالة الوحدة بل يعتقد أنها مضرة وباطلة تأتي على الحق وهناك اتجاه آخر يعتقد بوجوب الوحدة وينادي بحل كل الإختلافات العلمية
* هذين الإتجاهين موجودين في كل المذاهب الإسلامية
* كلا الإتجاهين خاطئ وإنما طريق ثالث بينهما لا الوحدة الغارقة في العواطف ولا التفرقة الغارقة في قضايا السياسة دون مراعاة المصلحة الإسلامية
و الطريق الثالث أول من سلكه علي عليه السلام
يقول الرسول لو علم أبو ذر مافي قلب سلمان لقتله وقيمة هذا الحديث تكمن في إطلاق العنان للأفكار والعقول للتحرك هاهو النبي يقرر بأن الحقيقة الدينية _هذا في العقائد فضلا عن العلمية_ يمكن أن يختلف فهمها من ذهن إلى ذهن
ولكن يبقى كلا الفهمين في دائرة الإسلام على الحق
- الحديث يريد أن يقول أن ثمة فهمين للإسلام يختلفان عن بعضهما ولكن يبقى كل منهما اسلاما
- يؤيد ذلك موارد أخرى كثيرة منها اختلاف علماء أمتي رحمة
وهذا قانون يدعى قانون التناقض وهو المحرك لكل تكامل
- الوحدة الإسلامية بمعنى اتفاق المسلمين في نظرتهم للتاريخ والشخصيات الإسلامية وتوحيد الرؤية والعقيدة في كل شيء لاتعني سوى موت التفكير العلمي والإعلان عن رحيل العقل وهذه الوحدة مستحيلة ولا يصح أن تقع أبدا
- الشيعة تفتخر أنها لم تساهم في إيجاد وحدة من هذا القبيل إلا أن الإنحطاط الثقافي الذي ابتليت به أمة الشرق حال دون الإستفادة من هذه الحالة
- نعتقد أن المجتمع الإسلامي قوة إنسانية وطاقة بشرية تجمعها قواسم مشتركة عديدة في العقيدة والأهداف والمصير والعدو مشترك لذا يجب توحيد الصفوف
- يجب أن نحافظ على أصولنا العقائدية الشيعية وتبقى اختلافاتنا الفكرية والعلمية مع أولئك ولكن في الوقت نفسه نكون معهم أخوة نقف معا ضد العدو المشترك وهذا  هو الشعار الذي رفعه الامام
- علي عليه السلام جلس في بيته ولم يصلت سيفه في وجه خصومه بل حتى إنهم كانوا يستفيدون منه في معضلاتهم ولم يسمح مرة واحدة أن يكون الخلاف بينهم سببا يستفيد منه العدو الخارجي ومع كل هذا لم يتراجع قيد أنملة عن أصوله العقائدية فهو ينتقد ويرفض ويصر على مواقفه وآرائه ونظرياته وأهدافه التي رسمها للمجتمع
وهذه دروس حية يحتاجها كل فرد وكل نهضة وكل فكر ولهذا نقول علي مؤسس الوحدة
-الوحدة بين التشيع والتسنن مستحيلة ، أما الوحدة بين الشيعة والسنة أمام العدو ففرض واجب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق