انعزال المثقف
{لاتستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه } تلك كانت رسالة الامام علي عليه السلام لمن قرر أن يسلك طريق الحق لأنه يعرف أن هذا الطريق موحش ، طويل يسير الانسان فيه غالبا وحيداً .
رسالة حية يحي بها النفوس التى حملت هم أمتها ويحيي بها القلوب التى أدماها طول الطريق والضمائر التى أضناها الجفاء .
هذه العقول الواعية والنفوس الأبية والضمائر الحية التي حملت هم أمتها واختارت الابتعاد والانزواء .
لقد اختارت أن تبقى تحت الظل , لأن البقاء في الواجهة أو في خط المواجهة يعنى خيارين لا ثالث لهما .. إما الخضوع والإستسلام لتيار الظلم والاستبداد وبيع الضمير وقتل الروح وموت القلب فيصبح صوتاً جديدًا من أصوات الظلم.
أو يتحول إلى شيطان أخرس لايعين مظلوما ولا يقف في وجه ظالم .
الأسباب كثيرة التى تجعل الإنسان الواعي ـالمثقف - أمام هذين الخيارين ، لكن على كثرتها وتنوعها , هي أسباب إما ترجع إلى نفس المثقف أو إلى المجتمع.
الأسباب المتعلقة بالإنسان ـ المثقف ـ:ـ
-المثالية الزائدة عن حدها الطبيعي التي يعيشها المثقف سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي فهو يطالب المجتمع بمختلف فئاته الثقافية والعلمية أن يكونوا واعين مدركين مثله تماما أن يكونوا بمستوى مثاليته.
ـ افتقاره إلى الذكاء البيئي والاجتماعي للمجتمع الذي يعيش فيه , فيصعب عليه الاندماج وحتى الاختلاط بالمجتمع , فكيف بطرح أفكاره واستجابة المجتمع له .
ـ اصطدامه ببعض المثقفين من أمثاله , الذين يتوقع منهم أن يكونوا إلى صفه لكن للأسف كانوا هم مع المجتمع ضده .
ـ افتقاره للمرونة والقدرة على الإنسجام مع تغيرات المجتمع وتحولاته السريعة .
ـ صعوبة أو استحالة تطبيق بعض أفكاره وقناعاته على أرض الواقع .
ـ عدم انسجامه شخصياً مع المجتمع والمحيط الذي يعيش فيه , أو انسجام أفكاره وتطلعاته مع واقع المجتمع .
أسباب تتعلق بالمجتمع : ـ
- عدم وعي المجتمع بالمستجدات فكيف يقبل التغيير إذا كان جاهلا بالمعطيات .
ـ تمسكه بالعادات والتقاليد البالية فيرفض التغيير خوفًا من فقدان الهوية .
ـ عدم وجود لغة اتصال أو حوار مناسبة بين المثقف والمجتمع , فالمجتمع لايفهم اللغة التي يتحدث بها المثقف .
ـ تقديس المجتمع لبعض الشخصيات المجتمعية باعتبار أنها القدوة في الحياة فيرفض أي فكر أو طرح مناقض أو معارض لأفكار ومعتقدات تلك الشخصيات .
إن هذه الاسباب بعضها أو كلها خلقت هوة كبيرة بين المثقف والمجتمع .
وأكبر خطأ يرتكبه المثقف أن ينزوي أو ينعزل عن الساحة .
على المثقف أن يصلح نقاط الضعف التي لديه ويقوي نقاط القوة بالإنخراط الفعلي في المجتمع ، فقدرته على التغيير مرهونة ببقاءه في المجتمع وقدرته على العطاء بالمزيد من التضحيات المخلصة والخالصة لوجه الله تعالى ,
لابد له من الاستمرار والبقاء في الساحة ، ولو كان تأثيره بسيطا ، فقطرات الماء على الصخر تحدث أثرًا وإن طال الزمان.
إن طريق الحق طويلٌ موحش ، ومرتاديه كثر , لكن في هذا الطريق يسقط الكثير ويتعثر الكثير , لكنه يبقى طريقا سالكاً، واضحاً ، مستقيماً لاعوج فيه , وهو طريق الصفوة المقربون الذين وصفهم القرآن الكريم
[ ثلة من الاولين وقليل من الاخرين ]
مريم ال ام فاطمه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق