بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 26 نوفمبر 2015

الحسن عليه السلام ما وراء صفحات التاريخ الظالمة

الحسن ماوراء صفحات التاريخ الظالمه

بداية الأزمة :
بعد أن أطلعه جموع الناس البيعة للإمام الحسن (ع) قام الإمام عليه السلام بدوره في إدارة الدولة الإسلامية فاختار العمال والولاة على المناطق الإسلامية ، ورسم مخطط تنظيم شؤون الدولة وإعداد مستلزمات إدارة النظام السياسي في الأمة .في الجبهه المقابلة كان معاوية آنذاك مستمرا في تنفيذ مخطط المؤامرات السياسية .. هذا المخطط الذي بدأ منذ عهد أمير المؤمنين عليه السلام والذي كان يهدف معاوية بذلك الى توسيع مملكته وبسط نفوذه الى خارج حدود الشام .. وحينما علم معاوية بأن الناس قد اجتمعت على بيعة الحسن عليه السلام أثار الفتن الداخلية بهدف زعزعة الأوضاع واشاعة القلاقل في الداخل فبدأ بإرسال الجواسيس الى عاصمة الدولة الإسلامية في الكوفه ومدينة البصرة ذات الثقل الاجتماعي والسياسي المميز ، فأرسل معاوية رجلا الى الكوفة وآخر الى البصرة وقد طلب من هذين الجاسوسين مراقبة الأوضاع السياسية في العاصمة (الكوفة ) ومدينة البصرة ورصدد حجم ولاء الجماهير للإمام الحسن (ع) .. غير أن خطة التآمر هذه لم تنجح حيث تم القبض على الجاسوسين ، وأمر الإمام الحسن عليه السلام بإعدامهما في الساحات العامة أمام الناس .. ومن جهة أخرى أعرب الرأي العام الإسلامي عن سخطه إزاء المؤامره الأموية فيما كشف الإمام الحسن (ع) عن خطط معاوية من وراء إرسال الجواسيس ،فأرسل خطابا شديد اللهجة يعلن فيه الإمام الحسن عن استعداده لخوض الحرب ضد جبهة التمرد التي يقودها معاوية . من جهة ثانية استطاع الإمام الحسن (ع) في هذه الرسالة أن يسحب البساط من تحت معاوية في أن يمتلك زمام المبادرة في تقرير الحرب ضد الدولة الإسلامية وكان جواب معاوية على رسالة الإمام خاليا من الإثارة وكان يريد التملق ليبعد عن نفسه قضية إرسال الجواسيس .
وقفة مع رواية الصلح .. الشبهة والردود :
اناا بحاجة الى أن نتوقف حول ما أثير بالنسبة الى مسألة الهدنة أو (الصلح) كون أنها أحيطت بملابسات كثيرة ممايدفع ذلك الى تدقيق النظر في هذه المسالة خاصة
الأول : أنه قد لوحظ أن العديد من الكتب التي تناولت تاريخ الإمام الحسن (ع) قد جمدت عند الحديث عن ما أسمته ب (معاهدة الصلح ) في حين ان البعض قد اختار الصلح كعنوان لها مما عكس أثرا سلبيا في ذهنية القارئ بحيث أوصلته الى فكرة باطلة وهي أن الإمام الحسن رجل الصلح والدعة والجمود وحاشاه ذلك في وقت كان حري بهؤلاء أن يدرسوا بموضوعية الظروف التي مرت بها الأمة الإسلامية ، وماهي طبيعة الإتفاقية التي أجراها معاوية والإمام الحسن (ع) وماهو هدف الامام الحسن عليه السلام من وراء تلك الإتفاقية الى غير ذلك من التساؤلات ولعل الدافع الرئيسي في تركيز الكتاب والباحثين والمحللين التاريخيين على مسألة الصلح بحيث جهد هؤلاء في إيراد حشد أكبر قدر من الأخبار والنصوص التاريخية والتي نقلوها مباشرة دونما تمحيص أو تدقيق الى أوراق البحث إنما يرجع ذلك الى وقوع البعض في شرك أحد هذين المحذورين وهما :
الأول : المصادر التاريخية
من خلال مطالعة الغالبية العظمى من المصادر التاريخية التي تناولت حياة الامام الحسن (ع) نجد أن هذه المصادر اكتفت بالمرور الخاطف على الأحداث التي سبقت هذه الإتفاقية ولم تنته عند هذا الحد بل حاولت تضخيم مسألة الصلح عبر رصد وتسجيل جميع النصوص المتعلقة بهذا الأمر .  أما البعض الاخر من المصادر التاريخية فقد اختصرت الحديث حول تاريخ الإمام الحسن عليه السلام في قضية الصلح واعتبرته الحادثة الكبرى في حياة الإمام عليه السلام دونما الحديث في خلفية هذه القضية وجذورها .. والمشكله هنا أن حركة تدفق النصوص والأخبار نشطت وراجت بين المصادر التاريخية وكما هو معروف أن مهمة هذه المصادر هي نقل كافة النصوص المتعلقة بالقضية المطروحة دونما النظر في صحة أو سقم هذا الخبر أو ذاك فاختلط الحابل بالنابل .
الثاني : رواج الرويات المختلفة والموضوعة حول مسألة الصلح بحيث انها شغلت حيزا خطيرا في كتابات المؤرخين حتى لانكاد نجد كتابا تاريخيا تناول حياة الإمام الحسن (ع) إلا وأورد واحدة من تلك الروايات الموضوعة ولعل أشهر هذه الروايات هي الرواية المنقولة كذبا وزورا عن رسول الله (ص) حول الإمام الحسن (ع)
(أن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح بين فئتين من المسلمين عظيميتين )
فالكثير من الكتاب والباحثين اعتمدوا هذه الرواية للتدليل على مسألة الصلح بين الإمام الحسن ومعاوية لعنه الله كما ان بعض الكتاب المعروفين اعتبروا هذه الرواية من العوامل الأساسية التي دفعت الإمام عليه السلام لتوقيع ما أسموه (الصلح) فإذا كنا نقبل عذرا من هؤلاء الكتاب في مسألة التحقيق في المصادر التاريخيه ونصوصها فإنا نرفض عذر اهمال هؤلاء في مسألة التدقيق في صحة الرواية لأنه أمر ضروري ولازم .
ونحن هنا إذ نتوقف على أساس التحقيق في سند ومتن هذه الرواية لإثبات وضعية ماجاء فيها من خلال التالي :

أولا
رواة التزوير والوضع :
فقد نشطت في عهد معاوية حركة التزوير بصورة بالغة حيث تزايد عدد الرواة الوضاعين والمفترين وذلك بهدف التغطية على فضائل أهل البيت عليهم السلام وقد تركزت هذه الرواية الموضوعة في مدح معاوية ومن جهة أخرى النيل والقدح في أهل البيت عليهم السلام . وأما عن أصل الرواية ونحن اذ نعتقد بوضعيتها ولنا في ذلك ثلاثة أمور :
أولا :من سياق الحديث نفهم أن الإمام الحسن عليه السلام وكأنه اليد المباشرة في ادارة دفة الصلح وصاحب المبادرة في تنفيذه بينما نعلم ومن خلال الوقائع التاريخية التي حصلت في عهد الإمام الحسن (ع) والنزاع مع معاوية أن الإمام عليه السلام اضطر الى قبول بالحل السلمي بعد ان استنفذ كافة الحلول الأخرى في درع العدوان الأموي على الدولة الإسلامية الذي جاء نتيجة انهيار القدرة العسكرية في جيش الامام الحسن عليه السلام وتتابع حالات الهزيمة فلم يكن الامام عليه السلام مختارا لهذا الصلح بل كان صلحا مفروضا بعد ان تدعت ادارة الامه ثم أنكرت وابتعدت عن ساحة الصراع والمواجهة .
ومن جهة ثانية ان الحديث يشير الى ان الامام الحسن عليه السلام يصلح بين فئتين وكأنه عليه السلام خارج دائرة الصراع وأن الأهداف التي من أجلها وقع النزال ليست موضع اهتمام الحسن ولاتربط به بصورة مباشره وهذا النوع من التهميش لحقيقة الصراع .
ثانيا : أن الحديث ذكر بأن الحسن عليه السلام يصلح بين فئتين عظيمتين ولاندري أين مواضع وموارد العظمة في هاتين الفئتين فإن كان بالحجم فقد ذكر الامام الحسن (ع) فيما سبق في انه لم يتمكن من شد سوى عشرين رجلا إضافة إلى إنسحاب الآلاف من جبهات الحق وتوجهت نحو جبهة معاوية لعنه الله .. علاوة على ذلك ان في حال ابرام معاهدة الصلح كما يذكر الحديث لم تكن هناك بالفعل فئتان عظيمتان بل إن الدافع الرئيسي لإبرام الصلح أن الإمام الحسن كانت ضعيفة وقليلة للغاية وهي لم تبلغ أربعون رجلا .. أما اذا كان مورد العظمه على أساس المنزلة فلا يوجد إشارات تدل على عظمة فئة معاوية بل بالعكس كانت على موضع الإنكار واللعنه والثبور والأدلة على ذلك مستفيضة منها :
قوله (ص) لعمار بين ياسر (تقتلك الفئة الباغية )
وقوله أيضا ( إن عمار مع الحق والحق مع عمار يدور كما دار قاتل عمار في النار )
والكثير من الروايات فكيف يصح إطلاق العظمة على فئة معاوية وهي التي قتلت عمار وحجر بن عدي وأصحابه ومالك بن الأشتر ومحمد بن ابي بكر وثلة من خالص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام
ثالثا : من خلال استعراض الوقائع التاريخية منذ فتح مكة وحتى توقيع الصلح نجد أن بني أمية كانوا يكيدون للإسلام وأهله وإنما رفعوا شعار الاسلام رهبة وتضليلا في سبيل تحقيق مطامع الجاهلية وقد لعن رسول الله (ص) ابا سفيان وابنه عتبة ومعاوية في حادثة الناقة
وان فئة معاوية التي كفرت بالولاية وشنت الحرب على الإمام علي والإمام الحسن عليه السلام (ع) ولم تكن قط للدولة الإسلامية ليست هي الفئة المسلمة كما يذكر الحديث علاوة على ذلك أن الصلح الذي تم في عهد الإمام الحسن (ع) انتهى الى تسليم معاوية الخلافة منتزعا الولاية الشرعية من الإمام الحق الذي نصبه رسول الله (ص) من قبل الباري عز وجل فكيف بصلح الإمام الحسن بين فئتين من المسلمين على أمر ليس لأحد سوى الله الحق في اقراره .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق