قراءة في فكر الدكتور علي شريعتي
(أبي وأمي نحن متهمون)189ص
هذا الكتاب تفريغ لمحاضرات صوتية ألقاها شريعتي فكُتبت وتُرجمت للغة العربية
يتضح من خلال قراءتها مدى سخط شريعتي على الآباء والأمهات نتيجة ما أسماه بالموروثات الخاطئة التي حمّلوها للأبناء فنتج عنها أجيال متعاقبة تحمل مفاهيم غير صحيحة ومتزعزعة أودت بالتشيع ،فيقول أن هناك خطّان فظيعان وخطأ شائع:
-خط الأبناء المتهمون بالفساد وعدم المبالاة والانحراف الفكري بسبب عدم فهمهم للحقيقة بنفس القدر الذي يفهمه الآباء- خط الآباء.
أما الخطأ الشائع فقد تمثل في عدة تصورات:
-أن النساء أقل من الرجال في ملكة التفكير
-أن الشيوخ أكثر فهماً من الشباب
-أن الدين الذي أعطاه الآباء للأبناء هو دين "لا"،والأبناء في حاجة لدين يقول "نعم"يدلهم على ما يفعلون ويقرؤون ويفهمون.
-القران الذي تنزل من أجل أن يُقرأ لم يقرأ
-الصلاة نوع من الرياضة التكرارية لا أثر فيها للأخلاق أو لتصحيح النية أو صحة العمل بل ولا نتيجة صحية لها.. تقام ولا تُفهم فلسفتها الحقيقية وهدفها الأساس،كما لا يفهم ألفاظها وأركانها!
-الحج متمركز حول ذات الشخص.. حيث يسأل ألف مرة كيف؟ ولم يسأل مرة واحدة لماذا؟!
ثم كشف شريعتي عن فئتين من معتنقي المذهب -حالة المتزمت والمتنطع والمتعصب الى الحد الذي لا يسامح في أصغر زلة.
-حالة التسيب والتساهل إلى أبعد حد.
ثم أشار إلى مفهوم مرتكز في الأذهان وهو أن الولاية عبارة عن محبة إنسان يسمى علياً ومحبة آله.. وعند السؤال عمن يكون علي؟! يكون الجواب محصوراً بالأمور الخاصة به وحده والتي لا يستطيع الفرد أن يقتدي به فيها أو يتبع حتى شجاعته وحروبه كالمعاجز والكرامات.
هذه الأمور وغيرها جعلت شريعتي لا يقبل أن يكون علياً بهذا الوصف فقط زعيماً له، فهو يريد ذلك الزعيم الواقعي الحقيقي، لأن عليّاًً ليس مجرد معاجز وكرامات،ذلك الزعيم يجب يكون إنساناً يعيش على الأرض بجنس إنسان..أما بالنسبة لإنسان المعجزات فهو لا يهم الإنسان العادي بشيء،هو يرفض ذلك الاكتفاء بالفضائل ويتساءل مستنكراً
أين مدرسة علي الفكرية؟!
أين رؤية علي الكونية؟!
أين أسلوب علي وسلوكه؟!
أين وعي الفكر عند علي وروحه التي لا نهاية لأبعادها؟!
ينبغي على الشيعي أن يدعو العالم الى مدرسة علي ومذهبه بعلمه وتقواه وفدائيته وتضحياته وايثاره.
ووفقاً لشريعتي، المذهب والولاية بالنسبة للآباء والامهات هو مجرد حب علي، بينما هو يبحث عن ولاية تجعله بالرغم من النظم الجارية التي تحكم البشرية والانسان والتاريخ (والتي يتسم أكثرها بالظلم) ذا نصيب من الرعاية والقيادة وولاية العدل والانسانية.. فالولاية التي تقدم اليوم ولاية فحواها:
-ما العلاقة بين الله وبين علي في الخلقة؟"
- أن محبة علي ذات اثر كيميائي على الانسان بحيث مهما كان ممتلئاً بالشر والسوء تتبدل كل تلك الى طيبات وحسنات
-أن الله سبحانه قد قال :(إذا كنت تحب عليا فأنت في الجنة. ومهما كنت عاصيا لله وإذا كنت لا تحب عليا فأنت في النار..). وما هو عصيان الله؟! إنه الظلم والخيانة والتعدي على حقوق الاخرين ..هذه هي الولاية المغلوطة التي تعلمني اياها ..وانا أبحث عن ولاية تنجيني من ولاية الجور والانحراف والفساد.
يستأنف شريعتي ليوضح من وجهة نظره حقيقة التشيع وأساسها فالتشيع ليس فرقة مذهبية خاصة في مواجهة الفرق الإسلامية الأخرى بل التشيع هو الاسلام ولا شيء آخر.
والتشيع يتّسم بفهم الإسلام فهماً تقدمياً مضاداً للأرستقراطية والعرقية والطبقية وحاكمية البشر، وأنه من البداية حركة وقفت في مواجهة انحراف المسيرة الاجتماعية لمدرسة الإسلام وروحها ووجهتها ورؤيتها الحقيقية، وأنه (أي التشيع) صار عقبة في وجه التسلل الواعي للعناصر العرقية والطبقية و الأرستقراطية والفكرية المضادة للإسلام.
التشيع جاهد للحفاظ على سنة الرسول ص في مواجهة إحياء السنن الجاهلية،مستنداً على مبدأي العدالة والإمامة وحددهما كشعار لحركته..
-التشيع من الناحية الاعتقادية هو أكثر التفسيرات تقدمية في مدرسة الاسلام الفكرية .
-ومن الناحية الاجتماعية والسياسية كان أكثر الأجنحة تقدمية وجماهيرية في تاريخ الإسلام .
يطرح شريعتي تساؤلاً يثير الأذهان بقوله: هل هناك مدرسة فكرية ثورية؟ أو مدرسة فكرية جماهيرية؟ أو أية مدرسة مطالبة بالحرية تؤمنون بها؟ إن قمت بتلخيص كل أهدافها وشعاراتها فستجدها محصورة بهدفين:
الأول: إرادة تحويل نظام الاستغلال والتفاوت الطبقي والظلم الاجتماعي والتفرقة إلى نظام مساواة وعدالة
الثاني: تخليص المجتمع من التسلط والاستبداد والأرستقراطية، والتمتع بقيادة ثورية وإنسانية نقية
في الوقت نفسه الذي تظن فيه أن المبادئ المذهبية للتشيع هي الرياضة الصوفية والعبادة والنوح والندب ؟!
أليس الامر هكذا؟!
إنك لا تستطيع أن تصدق أنه مذهب من أساساته مبدآن ..:العدل والامامة!
أليس هذا ما يُبحث عنه في المذاهب الفكرية الأخرى؟
للأسف لقد اخرجوا معنيهما ..
احتفظوا بالاسم وقضوا على المضمون!!
يضرب شريعتي مثالاً بالحج الإبراهيمي إذ يقول إنه يمثل حركة إقرار للتوحيد وافناء للشرك، وتجلياً بشرياً عظيماً لمساواة البشر ووحدة الشعوب و الطبقات، كما أنه هجرة نحو المعرفة وعودة إلى الشعور .
و هو في النهاية عيد النصر الابراهيمي لكل فرد على الشياطين الثلاثة التاريخ و المجتمع و الباطن.
و القرآن الكريم الذي يبدأ باسم الله و يختم باسم الناس كتاب سماوي لكنه خلاف لما يظنه مؤمنوا اليوم أو يقيس عليهم ملحدوا اليوم
يبين شريعتي أثر عودة القرآن من رفوف التقديس الى مسند التعليم والتفكير كما حصل في افريقيا والذي جعلهم يتعلمون أن طريق الخلاص في الآخرة هو الخلاص في الدنيا ، وعلمهم أن من يموت هنا ذليلاً يبعث هناك أيضاً ذليل، وأن السبيل للتقرب إلى الله في الاسلام هو التعقل لا التعبد المجرد وأنّ العابد غير الواعي و الجاهل هو كحمار في طاحونة يدور يدور ولا يبرح مكانه.
علمهم أن كل من يستسلم لظالم فهو عون لظالم
إله الإسلام محب للعزة والعلم والجهاد والمسؤولية والإرادة الإنسانية والحرية والإنسان حامل أمانته، وخليفته في أرضه.
فلا يعقل أن يكون الانسان حبيبه ويكون هناك ذلة.
الإله الذي نؤمن به لا يجعل بيته معبداً مثل معابد الاخرين وسيلة لنهب البشر، بل انه يجعل من الناس عيالا ً له إذ يسمي بيته البيت الذي وُضع للناس
ورسولنا رسول السيف، ليس كما صوره من جهله، بل رسول السيف في مواجهة الجريمة والظلم والخيانة، نبي العدل و العمل والإنتاج.
وعلي ع ليس ذلك الصنم الذي في مخيلة البعض أو ذلك البطل القوي الذي نحبه ولا نعرفه، بل هو مظهر منح النجاة و الحياة واليقظة والحركة والمسؤولية للإنسان. علي الذي احتوى على قيم القمم السامية التي ظلت البشرية تبحث عنها على وجه الارض فاضطرت الى صنعها في هيئة أرباب وأخذت تعبدها كإله القوة، وإله الفكر، وإله العشق.. .. كل هذه الالهة تجلت في وجود علي ولكن دون معنى الربوبية.
#المعهد الكتابي#فاطمه