بين الغاية والوسيلة وبين موقع دنيا فانيه وأخرى أزليه .. أين موقع تهذيب الخلق في جهاد النفس ؟
جهاد النفس يعرف بالجهاد الأكبر ..
جهاد النفس هو الجهاد الأكبر الذي يعلوا على القتل في سبيل الحق تعالى هو في هذا المقام ـأي مرتبة البدن ـ عبارة عن انتصار الانسان على قواه الظاهرية وجعلها تأتمر بأمر الخالق ،وتطهير المملكة من دنس وجود قوى الشيطان وجنوده
سبب تسمية الجهاد مع العدو الخارجي بالأصغر ومع العدو الداخلي (أي النفس) بالأكبر :
هناك عدة وجوه نقتصر على وجهين فقط :
الوجه الأول : أن القوى الأربع الشهوية والغضبية والوهمية والعقلية تتوجد في الإنسان من خلال مراحل حياته لا دفعة واحدة فهو يمتلك الشهوية والغضبية ثم يحصل على الوهمية ثم بعد ذلك على العقلية ،وفي الغالب أن الإنسان يصل إلى كمال القوة العقلية عندما يبلغ الأربعين .
قال صدر المتأهلين في الأسفار: (النفس الآدمية مادام كون الجنين في الرحم درجتها درجة النفوس النباتية على مراتبها وهي إنما تحصل بعد تخطي الطبيعة درجات للقوى الجمادية ، فالجنين الإنساني نبات بالفعل ،حيوان بالقوة لا بالفعل ، إذ لاحس له ولاحركة وكونه حيوانا بالقوه فصله المميز عنه عن سائر النباتات الجاعل له نوعا مبائنا للأنواع النباتية .
واذا خرج الطفل من بطن أمه صارت نفسه في درجة النفوس الحيوانية الى أوان البلوغ الصوري والشخص حينئذ حيوان بشري بالفعل ،إنسان نفساني بالقوة ، ثم تصير نفسه مدركة للأشياء بالفكر والروية مستعملة للعقل العملي . وهكذا إلى أوان البلوغ المعنوي والرشد الباطني باستحكام الملكات والأخلاق الباطنة وذلك في حدود الأربعين غالبا ، فهو في هذه المرتبة إنسان نفساني بالفعل ،وإنسان ملكي أو شيطاني بالقوة يحشر يوم القيامة إما مع حزب الملائكة وإما مع حزب الشياطين وجنودهم ،فإن ساعده التوفيق وسلك مسلك الحق وصراط التوحيد وكمل عقله بالعلم وطهر عقله بالتجرد عن الاجسام يصير ملكا بالفعل من ملائكة الله الذين هم في صفة العالمين المقربين ، وان ضل عن سواء السبيل وسلك مسلك الضلال والجهال يصير من جملة الشياطين أو يحشر في زمرة البهائم والحشرات .
وعلى هذا فإن القوى العقلية حين تحصل في الإنسان تجد أن المناطق المهمة من هذه المملكة قد احتلت من قبل القوى الثلاث السابقه عليها في الوجود ولذا تكون مهمتها في الانتصار على باقي القوى صعبة وشاقة وعسيرة وهذا من قبيل الحرب الخارجية التي يسبق فيها أحد الأطراف الى احتلال المناطق المهمة والإستراتيجية مما يجعل مهمة الطرف الآخر وعملية انتصاره عملية شاقة وصعبة ،ومن هنا وباعتبار هذه الحقيقة وهي تأخر وجود القوة العقلية في الإنسان وصعوبة ومشقة عملها كان جهاد النفس هو الجهاد الأكبر .
الوجه الثاني : وينبني على أن الجهاد الذي يخوضه الإنسان غالبا مع عدوه الخارجي ، فهو جهاد مؤقت بوقت خاص وغير دائم من جهة وأنه يعرف فيه عدوه وخصائصه ووسائله وجهة قدومه وهجومه من جهة أخرى أما في جهاد النفس فإنه دائمي مادام الإنسان حيا بل يشمل حتى حالة نومه فضلا عن يقظته فقد يرى الإنسان في منامه رؤى شيطانية ورحمانية فتعينه الشيطانية على الأعمال الطالحة والخبيثة وتعينه الرحمانية على الاعمال الصالحة والطيبة فهو في جهاد دائم مع نفسه .
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فما أكثر الأمور التي لايعرفها الإنسان عن عدوه الداخلي هذا ، وكم من الأسرار التي لازالت خافية عنه، وعلى هذا يكون الجهاد مع النفس جهادا أكبر ومع العدو الخارجي أصغر . ولذا نقرأ في المأثور:
(أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك )
فصل في التفكر :
أول شروط مجاهدة النفس والسير باتجاه الحق هو التفكير ، وقد وضعه بعض علماء الأخلاق في بدايات الدرجة الخامسة وهذا التصنيف صحيح أيضا في محله ويسبق التفكير الذي ابتدأ به الإمام الخميني (قدس سره) مراحل أربع في رتبة البدايات التي لها عشرة مقامات أو منازل أو مراحل وهذه الأربع السابقة هي :
1ـ اليقظة وهي مرحلة الخلاص من الغفلة وقد ورد (الناس نيام فإذا ماتوا إنتبهوا) لأن الموت يوقظ الإنسان من الغفلة (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) وعلى الانسان أن يميت نفسه قبل أن يحل به الموت الذي لامفر منه (موتوا قبل أن تموتوا ) وذلك بأن يميت في نفسه الشهوات بأن يجعلها تحت إمرة الشرع والعقل ، فإذا فعل ذلك واسيقظ من غفلته دخل في حصن ذكر الله المنيع واطمأن به (ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) وأمن من شياطين الجن والأنس بل ورد في الروايات أن الحيوانات لاتصطاد الا اذا كانت في غفلة عن ذكر الله تبارك وتعالى ناهيك عن الانسان . ولايخطر على بال أحد أن مرادنا من الذكر هنا هو الذكر اللساني فقط وإن كان هذا مرتبة من المراتب أيضا أن يكون ذاكرا لله تبارك وتعالى حتى تتم اليقظة المطلوبة .
2ـ التوبة وهي المنزلة الثانية التي يصلها الانسان بعد اليقظة ونعني بها الرجوع من المخالفة الى الموافقة ، من مخالفة الله عز وجل الى موافقته سبحانه وتعالى
3ـ المحاسبة وتلي منزلة التوبة حيث يحاسب الإنسان نفسه على ماصدر منها ليتهيأ بذلك الى منزلة الإنابة
4ـ الإنابة فبعد أن يحاسب الإنسان نفسه ينتقل إلى مرحلة الإنابة وفرقها عن التوبة أن الانسان بتوبته يرجع من الخالفة الى الموافقة وفي الانابة يرجع من الموافقة الى الله سبحانه وتعالى
(كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري الى الله قال الحواريون نحن أنصار الله )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : التربية الروحية بحوث في جهاد النفس
السيد كمال الحيدري
الاخت
زاده الشرفا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق