أيها المثقفون
مهمتكم ليست مستحيلة !
لا يوجد ألم يفوق إحساس الإنسان بالظلم وهو يتنفس رائحة القهر والحرمان في كل شبر من أرضه ، وفي كل زاوية من زوايا مجتمعه وكل بقعة من بقاعه هذا المجتمع الذي يعيش ظروفاً صعبة ، وتحولات قاسية على المستوى المعيشي والإنساني لا سيما مع تنامي حالات الإقصاء وترسيخ مبدأ الإلغاء والتهميش.
في هذه الأجواء السوداوية الخانقة يلوح بصيص أمل في قلوب أبناء المجتمع وهم يرون كيف تنبري الطبقة النخبوية من المثقفين والإعلاميين وأصحاب الرأي في تسليطهم الضوء على مشاكل مجتمعهم الحياتية وهمومه المعيشية ومعاناته وقضاياه وجراحاته .
هذا الأمل وهذه الثقة التي جعلت ابناء المجتمع يجدون النخب هي البوابة المشرعة لطرح قضاياهم وإيصالها إلى مراكز القرار ، ويكونوا صوتهم الناطق وكلمتهم الصارخة المعبرة عن الآمهم وآمالهم .
النخب الثقافية التي قصدتها والتي يُراد منها أن تكون المرآة العاكسة لهموم الناس ومعاناتهم الجوهرية بأن يكونوا أكثر قرباً من نبض الشارع ويمثلوا صوت الجميع وصدى الجميع وحق الجميع .
إن هذه النخب كانت ولا تزال موضع ثقة الجمهور العام في المجتمع المحلي لا سيما عندما ترتفع صرخات الوجع والألم ويشتد الخناق على هذا المجتمع وعلى رزقه ومصدر عيشه وأمنه وأستقراره.
من هنا كان على هذه النخب أن تمتلك الوعي والنضج لتعي حقيقة ما تعمل وما تترك من أثار سلبية أو إيجابية وراءها ، عليها أن تقف وقفة وفاء ، ووقفة حب لمجتمعها بأن تصدح بأفكارها الإصلاحية التنويرية باعتبارها الطاقة القيادية في المجتمع ، وهذا ما يميزها عن غيرها في قدرتها على إنتاج الأفكار وتنوير الناس كما يفعل الأنبياء والصديقين
بل إن تميزها المطلوب والمهم هو :انخراطها في مشاريع النهضة والتقدم ،لا الإنزواء الذي ينتج الوهن والعجز والهشاشة . إذ لا يمكننا الحديث عن النور في الغرف المعتمة !
يجب أن تبدأ النخب حركة التغيير من ذاتها المظلمة ففاقد الشيء لا يعطيه ، على النخب أن تتخلى عن أوهامها وتتجاوز الظل إلى العلن وتخرج من شرنقة العالم الإفتراضي إلى العالم الإنساني الواقعي لتتعامل مع ذاتها على نحو أكثر فاعلية وتفاعلية وبصورة نقدية لا ضبابية .
إن مسؤولية النخب تتمثل في تفاعل الكلمة وفي حركة الكلمة في أبعادها اللامتناهية في سماواتها المختلفة وأبعادها الإنسانية . فالمشهد المأساوي الحزين الذي نراه ماثلاً للعيان أن النخب الثقافية التي نتحدث عنها كانت في يوم ما ، أمل الناس وأمل الشارع وأمل المظلومين ، وهي اليوم تابعة لا متبوعة ، فبين فينة وفينة تطل علينا بعض المقالات الصحفية والأدبيات المتنوعة والتصريحات هنا أو هناك التي غالباً ما تتسم بالتملّق والتزلّف والإنبطاح للجهة الأقوى وتعمل على تشويه الحقائق وتخبزها في فرن الخداع وتقدمها بقوالب تخاذلية وانهزامية .
الحقيقة المؤلمة ان هذه النخب تنكرت لجذورها ومرتكزاتها الأصيلة لتتحول من خانة إلى خانة ومن جهة إلى جهة أخرى ، وما أصعب أن ينقلب الآنسان على نفسه وعلى مرتكزاته وثوابته وأهدافه ليقف اليوم في مواجهة عدائية مع نفسه ومع أفكاره وشعاراته.
إن الشعارات التي رفعتها النخب بالأمس تنكرت لها اليوم ورفضتها وحاربتها ، وما كانت ترفضه بالأمس تنادي به اليوم ، ذلك لأنها غيرت مواقعها ومقاعدها حين انهزمت وتخلت عن دورها التنويري لتسقط في مستنقع المناصب والمادة والأهواء ، إن أسوأ ما وصلت إليه النخب أن اتسمت مواقفها بالتناقض والنفاق، وباتت تتناول قضايا المجتمع بقلم أسود جائر لتتحول مطالب المجتمع المدنية وحقوقه الإنسانية إلى مادة إعلامية دسمة في أعمدة الرأي الصحفية وصفحات التواصل الإلكترونية، دون أن تدرك بأن هذا يساهم في ذلها وهوانها.
إن الأمر المحزن والمؤلم إن هذه النخب ولدت من رحم المجتمع وعاشت معه الآمه ومعاناته وهمومه ، لكنها بأساليبها النفاقية والإقصائية اغتالت مجتمعها وطعنته في الخلف بلا رحمة !
ليست مهمة النخب الثقافية التحايل والإلتفاف بصبغة النفاق المُنفرة ، وليست مهمتها بيع قضاياها الإنسانية الأصيلة بثمن بخس .
بل مهمتها الحقيقية هي التمسك بالجذور والثوابت الدينية والإنسانية ذلك لأنها تمد الإنسان بالطاقة النورانية وبالإفكار والتصورات الإبداعية الخلاقة التي تحفظ كرامة المجتمع وهويته الحضارية
ومهمتها كذلك في التعاطي الإيجابي مع التراث الفكري والثقافي المتجذر في ذاكرة التاريخ والمجتمع ليحفظها من الزيغ والتشتت والضياع.
فمهمتها إذن ليست مستعصية ولا مستحيلة بل هي مرهونة بالإرادة والعزيمة لتنزل من برجها العالي وتكون في الصف الأمامي مع الناس ومع مشاكلهم وقضاياهم ونقول لها لا زال هناك وقت ولا زال هناك أمل .
...
الاخت
صباح عباس ام فاطمه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق